ما إن تسرّب إلى الإعلام قرار البطريرك الماروني بشارة الراعي موافاة البابا فرنسيس الأول في زياراته المرتقبة إلى القدس في 24 أيار/مايو الجاري، حتى هبّت عاصفة من الانتقادات اللاذعة تدين "الخطيئة التاريخيّة" وتتهم البطريرك بالتطبيع مع إسرائيل وبالتفريط بالحقوق العربيّة. وإن جاء قرار البطريرك في توقيته ومضمونه مفاجئاً للجميع وأولهم أبناء رعيّته، غير أن الحملة المضادة التي استهدفته وما زالت هي في مضمونها وتوقيتها أيضاً غير مبرّرة. فهي تستند إلى منطق تجاوزته الأحداث ومواقف الفرقاء لا سيّما المعنيّين الأولين، ألا وهم الفلسطينيّون أنفسهم وقياداتهم الشرعيّة. فتندرج في إطار المزايدة أكثر مما تفتح آفاق لنقاش جاد وعميق. والأهم من ذلك كله أن حملة التشكيك هذه إن لم نقل التخوين، ترفع منسوب التوتّر في بلد يقف قاب قوسَين أو أدنى من الفراغ والانهيار.
صحيح أن البطريرك الراعي كسر تقليداً قائماً لدى الكنيسة المارونيّة يقضي بعدم التوجّه إلى الأراضي الخاضعة لسلطة إسرائيل وإن كانت جزءاً من رعيّته. وهو تقليد كرّسه سلفه البطريرك الماروني نصرالله صفير حينما رفض ملاقاة البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته التاريخيّة للقدس. وهذا الموقف يشكّل في مضمونه مراعاة للشعور العربي أكثر مما هو مقاطعة بالمعنى السياسي للكلمة. وذلك لسبب بسيط، وهو أن المقاطعة تعني الانقطاع عن الرعيّة المارونيّة الموجودة في فلسطين منذ دهور والمتمثلة بمطرانيّة مارونيّة للقدس هي جزء من بطريركيّة أنطاكيا وسائر المشرق. وهذا هو حال معظم الطوائف المسيحيّة. في الواقع، إن موقف البطريركيّة هذا مؤسس لفكرة الحياد الإجابي، بمعنى أنه متعاطف مع الحقوق العربيّة إلى حد عدم الانزلاق نحو صراع عسكري مباشر مع إسرائيل من أجل استرجاع هذه الحقوق بالوسائل العسكريّة مثلما حصل في خلال الحروب العربيّة-الإسرائليّة في الأعوام 1948 و1967 و1973 والتي لم يشارك لبنان في أي منها.