تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تنامي التوتّر بين "الشيعيّة الدينيّة" و"الشيعيّة السياسيّة"

أظهرت الانتخابات البرلمانيّة العراقيّة الأخيرة التي أجريت في 30 نيسان/أبريل المنصرم، تنامياً في الصراع بين التحالف السياسي الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي وبين الزعامات الدينيّة التقليديّة الشيعيّة. ويبدو أن الصراع بين الطرفَين هو الذي سيحدّد المسار المستقبلي للبلاد بعد الانتخابات.
Iraq's Prime Minister Nuri al-Maliki shows his ink marked finger as he votes during parliamentary election in Baghdad April 30, 2014. Iraqis head to the polls on Wednesday in their first national election since U.S. forces withdrew from Iraq in 2011 as Prime Minister Nuri Maliki seeks a third term amid rising violence.
 REUTERS/Ahmed Jadallah  (IRAQ - Tags: ELECTIONS POLITICS TPX IMAGES OF THE DAY) - RTR3N6JL

أشارت صحيفة "العالم" البغداديّة في تقرير نشر في السادس من أيار/مايو الجاري إلى أن تصريحات المرجع الديني بشير النجفي -وهو واحد من المراجع الأربعة الكبار في النجف- التي دعا فيها الناخبين العراقيّين إلى عدم الاقتراع لصالح رئيس الوزراء نوري المالكي لم تكن حدثاً منفصلاً. فقد نقلت الصحيفة عن مصدر مقرّب من المؤسسة الدينيّة في النجف أن نجل آية الله النجفي الشيخ علي، قام قبيل الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 30 نيسان/أبريل المنصرم بجولة في الجنوب دعا فيها إلى التصويت لصالح ائتلاف المواطن الذي يرأسه عمار الحكيم.

وعلى الرغم من أن الموقف الحاد الذي اتخذه المرجع النجفي ضد المالكي قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات فاجأ الكثيرين، إلا أنه ليس خافياً على أحد في الأوساط السياسيّة والدينيّة وجود توتّر بين الرجلَين كانت قد عبّرت عنه بشكل ضمني تصريحات وتلميحات سابقة. ويبدو أن النجفي يأخذ على المالكي عدم الاستماع لنصائح المرجعيّة، ومن بينها نصيحة تقول بـ"استبدال المناهج الدراسيّة لتعكس أكثر وجهة النظر الشيعيّة"، فضلاً عن ما اعتبره إخفاقاً في إدارة الملف الأمني من قبل المالكي. وعلى الرغم من أن كثيرين توقعوا أن يكون لدعوة النجفي أثر سلبي على حظوظ المالكي الانتخابيّة، إلا أن ما تسرّب حتى الآن من معلومات عن نتائج الانتخابات لا يوحي بأن تلك التصريحات قد أحدثت تغييراً جذرياً في التوازنات السياسيّة. ويعود ذلك على الأرجح إلى كونها لم تلقَ دعماً صريحاً من المرجع الأعلى علي السيستاني الذي حافظ على موقفه الداعي إلى المشاركة في الانتخابات "واختيار الأصلح"، من دون أن يكشف عن أي انحياز صريح لصالح أي من القوى المتنافسة. كذلك، فإن النجفي لا يمتلك عدداً كبيراً من الأتباع في داخل العراق، فضلاً عن أن بعض تصريحاته لم تتّسم بالإقناع الكافي ولم تستند إلى حجج قويّة.

مع ذلك، فإن بالإمكان استشعار نوع من التوتر بين حكومة المالكي وبين المؤسسة الدينيّة الشيعيّة في مجملها، عكسته مقاطعة المرجع الأعلى علي السيستاني للمسؤولين الحكوميّين ودعوة ممثليه الناخبين "إلى التغيير"، بالإضافة إلى استقباله لزعيم التيار الصدري المعروف بنقده الشديد للمالكي قبيل الانتخابات وإجابته بما يشبه النفي على سؤال وجّه إليه حول تصريحات للمالكي عن احترام خاص يكنّه المرجع لرئيس الوزراء. 

وفي حديث غير رسمي، يقول سياسي شيعي لـ"المونيتور" إن مرجعيّة السيستاني تعتقد بأن استمرار رئيس الوزراء المالكي في السلطة أو استبداله بقيادي شيعي من الأحزاب الرئيسيّة، سوف يعمّق أكثر المشاكل التي يواجهها البلد. فحتى لو ضمن المالكي ولاية ثالثة، فإنه سيواجَه بعرقلة شديدة من قبل خصومه الذين سيقبلون باستمراره في منصبه على مضض لكنهم سيحاولون تنحيته أو إضعافه بكل طريقة ممكنة، فيما سيشعر هو بحالة من عدم الثقة ويشكّ في القوى الأخرى التي بلغ انتقاده لها حدّ التمني في حوار تلفزيوني بـ"اختفاء هذه النخبة السياسيّة كلها". في المقابل، فإن المجيء بشخصيّة بديلة وفق اتفاق شراكة جديد سيعني تكرار تجربة الحكومة الهشة والمنقسمة على نفسها بفعل تقاسم المناصب والموارد. يضيف السياسي المذكور أن المرجعيّة ترغب بشخصيّة مستقلة من خارج القوى الشيعيّة التقليديّة تتمتّع بالتفويض وبقدرٍ من الاستقلاليّة النسبيّة في العمل بمعزل عن مصالح الأحزاب المتصارعة.

وعلى الرغم من إحجام مرجعيّة السيستاني عن التدخل العلني في الصراع السياسي، إلا أن بعض الأسباب تدفع إلى الاعتقاد بأنها ستواصل لعب دور ما في المرحلة المقبلة. فالمرجعيّة تعتقد أنها تتحمّل مسؤوليّة أخلاقيّة تحتّم عليها عدم ترك الصراعات تتفاقم إلى حد انهيار النظام السياسي أو تفكك البلد. كذلك فإن تضخّم قوة رئيس الوزراء والقوى المرتبطة به، ربما أشعر المرجعيّة بأنها تفقد تدريجياً دورها القيادي في المجتمع الشيعي. فلأول مرّة في تاريخ العراق الحديث، ثمّة حكومة تقودها شخصيّة إسلاميّة شيعيّة أصبحت تشعر بثقة أكبر بالنفس وبقدرتها على التأثير السياسي والاجتماعي عبر السلطة والموارد التي تمتلكها، ومن دون الحاجة إلى الاستظلال بمظلة مرجعيّة النجف مثلما حصل في أول انتخابات شهدها البلد في العام 2005 حينما كانت قوى مثل حزب الدعوة الإسلاميّة والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي لا تزال  بقواعد اجتماعيّة محدودة.

ويمكن القول إن الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة شهدت مزيداً من الافتراق بين "الشيعيّة السياسيّة" ممثلة بائتلاف المالكي وحلفائه وبين "الشيعيّة الدينيّة". فالتقارب الذي حصل بين عمّار الحكيم ومقتدى الصدر -وهما ينتميان الى أبرز العوائل الدينيّة النجفيّة التي تنافست في ما بينها سابقاً- ثم تزكية المرجع النجفي لائتلاف المواطن [برئاسة الحكيم] ونقده للمالكي، أوحت بأن القوى الدينيّة الشيعيّة تشعر بالتهديد أكثر من تعاظم قوة رئيس الوزراء الشيعي الذي بنى ائتلافاً شيعياً غير ديني ونجح في نسج شبكة تحالفات براغماتيّة ومصلحيّة واسعة في البيروقراطيّة الحكوميّة والمؤسسة العسكريّة ومع بعض رجال الأعمال الجدد. مثل هذا التوتر يوحي بانقسام في داخل الطائفة بين تيار دولتي يشبه في تركيبته الكثير من أحزاب السلطة في العالم الثالث ويتمتّع بموارد واسعة يؤمّنها الريع النفطي ويتم استخدامها في الزبائنيّة السياسيّة، وبين القوى والعوائل الدينيّة التقليديّة التي تشعر بتراجع مواردها وقدرتها على التعبئة الاجتماعيّة.

مثل هذا الانقسام يفسّر الموقف المتشدّد للزعامات الدينيّة تجاه المالكي والذي قد يتمخّض لاحقاً عن مقاومة شديدة لاستمراره في السلطة. يعني ذلك أن التنافسات الشيعيّة–الشيعيّة هي التي ستقرّر هذه المرّة وإلى حدّ كبير الاتجاه الذي ستسير فيه البلاد بعد الانتخابات الأخيرة. 

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise AI-driven

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

Text Alerts - Be the first to get breaking news, exclusives, and PRO content.

All premium Industry Newsletters - Monitor the Middle East's most important industries. Prioritize your target industries for weekly review:

  • Capital Markets & Private Equity
  • Venture Capital & Startups
  • Green Energy
  • Supply Chain
  • Sustainable Development
  • Leading Edge Technology
  • Oil & Gas
  • Real Estate & Construction
  • Banking

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in

Start your PRO membership today.

Join the Middle East's top business and policy professionals to access exclusive PRO insights today.

Join Al-Monitor PRO Start with 1-week free trial