أثارت مشاهد ذبح عجول في شوارع قطاع غزّة، غضباً لدى جمعيات أستراليّة تعنى بحقوق الحيوان، وأعقب ذلك قرار أسترالي رسمي يقضي بوقف تصدير الماشية الحيّة إلى القطاع، بسبب ما يزعم حول "إساءة معاملة تلك الماشية". وقد قوبل هذا القرار باستغراب واستهجان فلسطيني حكومي وشعبي.
ونقلت صحيفة "ذي وست أوستراليان" الأستراليّة في السابع من نيسان/أبريل الجاري عن وزارة الزراعة والثروة الحيوانيّة الأستراليّة، أن قرار وقف التصدير جاء بعد التحقيق في صور قيل إنها تظهر "إساءة معاملة عجول في غزّة".
وأوضحت أن أستراليا أوقفت إبحار سفينة تصدير تُقِلّ نحو عشرة آلاف من رؤوس الماشية، كانت متّجهة من سواحل غرب أستراليا إلى إسرائيل تمهيداً لوصولها إلى غزّة.
ويرى أستاذ العلوم الاقتصاديّة في جامعة الأزهر في غزّة معين رجب، أن مثل هذا القرار من شأنه أن يشكّل أزمة حقيقيّة في القطاع، مشيراً إلى أن تأثير هذا القرار سيتعاظم في حال أقرّته دول أخرى تصدّر الماشية إلى غزّة.
ويعبّر رجب في حديث إلى "المونيتور" عن مخاوفه من أن يؤدّي هذا القرار إلى خفض العرض بخصوص هذه المواشي في الأسواق المحليّة، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير.
لكن مدير عام دائرة التسويق في وزارة الزراعة في غزّة تحسين السقا يرى أن القرار الأسترالي من دون أهميّة كبيرة، وذلك لأن غزّة تستورد هذه المواشي من إسرائيل وليس من أستراليا مباشرة.
ويقول السقا في حديث إلى "المونيتور" إن "هذا القرار لا يخصّنا، بل يخصّ إسرائيل التي تستورد الماشية من أماكن عديدة من بينها أستراليا وأميركا الجنوبيّة وفرنسا"، مشيراً إلى أن الاحتياج الشهري لسكان غزّة من العجول يقدّر بنحو ثلاثة آلاف رأس.
وماذا سيحدث في حال أوقفت إسرائيل تصدير العجول إلى غزّة بناءً على القرار الأسترالي؟ يجيب السقا أن "ثمّة أزمة ستنشأ بالطبع، لأن إسرائيل هي مصدرنا الوحيد للحصول على هذه المواشي الحيّة. إذ لم يعد لدينا بدائل مثل السابق حينما كانت الأنفاق الحدوديّة تعمل بين غزّة ومصر".
مراسم ذبح الأضاحي
وكانت الصحيفة الأستراليّة المذكورة قد نشرت في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عدداً من الصور ومقاطع فيديو تتعلّق بذبح العجول، وقد لفتت إلى أنها التقطت في شوارع مدينة غزّة وأحيائها وهي تظهر وحشيةً وسوء معاملة.
وأشارت الصحيفة إلى أن التعرّف على المواشي التي تعرضّت لسوء المعاملة، تمّ عن طريق بطاقات التعريف البلاستيكيّة المعلقة بآذانها.
وتجري مراسم ذبح العجول كـ"أضاحي" في الأعياد الإسلاميّة في أجواء احتفاليّة أمام أنظار أفراد العائلة والحيّ، غير أن الآلية التي يتمّ في خلالها ذبح هذه المواشي لا تحظى بأي رقابة حكوميّة.
وعادة ما تتسبّب عمليات ذبح المواشي بطريقة خاطئة في خلال هذه الأعياد، بهروبها. فيؤدّي ذلك إلى وقوع عشرات الإصابات في صفوف المواطنين.
وقد بلغ عدد الإصابات في صفوف المواطنين في خلال عيد الأضحى الأخير في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، 125 إصابة. وسجّلت 55 حالة منها في جنوب قطاع غزّة و30 في وسطه و40 في مدينة غزّة وشمال القطاع، وفقاً لما نقله موقع "دنيا الوطن" عن مصدر طبي.
إبراهيم الشيخ جزّار مشهور في المحافظة الشماليّة في قطاع غزّة. بالنسبة إليه، إن ذبح المواشي من قبل أشخاص غير خبراء "أمر مثير للاشمئزاز ويتنافى مع القيم الإسلاميّة للذبح".
ويقول الشيخ لـ"المونيتور" إن "الاعتماد على شخص لا يملك خبرة في الذبح، يتسبّب بحدوث تجاوزات في مبادئ الذبح المريح للماشية. وغالباً ما تؤدي هذه التجاوزات إلى فرارها، ما يزيد من فرص قتل هذه المواشي بطريقة فظيعة مثل إطلاق النار عليها أو صدمها بالشاحنات".
وحول غياب الرقابة الحكوميّة على تولّي المواطنين مهمّة ذبح هذه المواشي بأنفسهم، يقول السقا "نحن ننصح بذبح الماشية في داخل المسالخ الرسميّة لضمان الذبح بطريقة جيّدة وصحيّة. لكن لا نستطيع في الوقت ذاته أن نمنع المواطنين من ذبح هذه المواشي أمام منازلهم، والذي يجري عادة في أجواء احتفاليّة".
كذلك يشير إلى صعوبة رصد التجاوزات التي قد تحصل في خلال عمليّة الذبح التي يقوم بها المواطنون.
تهكّم شعبي
من جهة أخرى، أثار هذا الغضب الأسترالي من جرّاء سوء معاملة الماشية في غزّة، موجة استهجان وسخريّة بين الفلسطينيّين، ليس بسبب قرار حظر تصديرها وإنما لانشغال أستراليا واهتمامها بأسلوب معاملة الماشية، فيما لا تتّخذ أي مواقف سياسيّة تجاه ما يتعرّض له الفلسطينيّون من اعتداءات إسرائيليّة مستمرّة.
وتستنكر سميّة الخزندار وهي طالبة جامعيّة ذلك، قائلة "لقد حزنت أستراليا على طريقة معاملة المواشي، ولكنها لم تحزن على ذبح أكثر من 1500 فلسطينياً بطريقة مشينة على يد إسرائيل في خلال العدوان على غزّة في كانون الأول/ديسمبر 2008". تضيف "هذا القرار يستفزّ مشاعر الفلسطينيّين".
إلى ذلك، نشر الباحث الاقتصادي محمد أبو جياب مقالاً في جريدة "الاقتصاديّة" المحليّة في التاسع من نيسان/أبريل الجاري تحت عنوان "وللعجول حظوظ"، يستهجن فيه القرار الأسترالي. فكتب "يموت البشر ويجوع الأطفال ويُحاصر المرضى وتُمنع الأدوية ويداس البشر بالدبابات ويدمّر الاقتصاد وتحطّم المصانع وتغلق المياه والسماء أمام كل ما هو فلسطيني، ولا نجد حامي أو نصير في المجتمع الدولي لآخر شعب يقع تحت آخر احتلال في التاريخ الحديث".
أضاف "أنا هنا لا أعبّر عن غضبي من الأستراليّين، بل إنني أسأل وبكل وضوح: لقد وجدت العجول الأستراليّة بلداً ذا كرامة وقوانين ويحترم الإنسان كونه إنسان والحيوان كونه حيوان (...) فهل يمكن أن نرى دولاً (...) تثار لكرامة الإنسان الفلسطيني وتقاطع إسرائيل وتتّخذ من الإجراءات ما يمكن أن يردعها ويدفعها لعدم الاعتداء على الفلسطينيّين ووقف قتلهم وسحقهم بالدبابات (...)!".
من جهته، تناول الصحافي أيمن العالول المعروف بإعداده مقاطع فيديو كوميديّة ساخرة بطريقة "ستاند أب كوميدي" هذا القرار، من خلال بثّ مقطع فيديو عبر موقع "يوتيوب" يقول فيه: "دول العالم التي تخشى على مواشيها من سوء معاملة الفلسطينيّين، والتي لا تخشى على الفلسطينيّين من الحصار والقصف الإسرائيلي المستمرّ، نقول لهم: انسوا المواثيق الدوليّة وانسوا حقوق الإنسان واعتبرونا عجولاً".
ويشارك تحسين السقا هؤلاء وجهة النظر التهكميّة في ما يتعلّق بالقرار الأسترالي. فيقول "من الغريب جداً أن تصدُر هذه القرارات من دولة لها مكانتها العالميّة، في حين يُقتل آلاف المسلمين في سوريا ومصر من دون أي اعتراض منها".