لم يكن ينقص غير ثلاثة تطورات متزامنة، كي يظهر أكثر فأكثر توجه النظام في دمشق، نحو ما وصفه الرئيس السوري بشار الأسد بأنه انعطافة كبيرة في مسار الأحداث. التطور الأول هو انهيار آخر جيوب المعارضة المسلحة في منطقة القلمون على الحدود الفاصلة بين سوريا ولبنان غرباً. التطور الثاني تكثيف سقوط قذائف الهاون على العاصمة من الضواحي القريبة في ريف دمشق. أما ثالث التطورات فكان قصف الطيران الأردني لقافلة من المسلحين التابعين لمجموعات المعارضة السورية. ما الرابط بين التطورات الثلاثة وكلام الأسد عن تحول في الأحداث السورية؟ الواضح أن الجواب يكمن في أن سقوط القلمون أمّن الحماية لظهر قوات النظام غرباً. فيما الموقف الأردني المستجد ميدانياً بضرب مسلحي المعارضة، يشير إلى أن دمشق يمكن أن تطمئن إلى خاصرتها الجنوبية. أما القصف المدفعي على العاصمة فيؤشر إلى حالة الحصار التي بات يعانيها المسلحون المعارضون في آخر مواقعهم في الغوطة الشرقية. وهو ما يمكن أن يشكل العد العكسي لاتجاه قوات النظام نحو تلك البلدات، بعدما فرغت من السيطرة على حدودها الغربية مع لبنان وارتاحت إلى حدودها الجنوبية مع الأردن.
وفي هذا السياق بات معلوماً أن الوحدات العسكرية الموالية للنظام كانت قد أطلقت باكورة هجومها على الغوطة الشرقية قبل أيام. وهو ما أدى إلى سيطرتها على بلدة المليحة شرق دمشق. علماً أن المليحة قرية صغيرة نسبياً. غير أن لموقعها أهمية ميدانية. ذلك أنها تقع وسط منطقة الغوطة الشرقية. وبالتالي فإن سيطرة الوحدات الموالية عليها، قسمت مواقع المسلحين المعارضين إلى قسمين: قسم اول شمال العاصمة، حيث تُنتظر معركتان اساسيتان في معقلين كبيرين للمسلحين، في حرستا وخصوصاً في دوما. وقسم ثان إلى جنوب دمشق، بدءاً من جرمانا وصولاً إلى درعا على الحدود الأردنية. وتؤكد معلومات لموقعنا من داخل سوريا، أن التطورات على هذه الجبهات لن تلبث أن تظهر سريعاً. بحيث تتجه القوات الموالية للسيطرة على مواقع المسلحين المعارضين في هذه النقاط. وتتوقع المعلومات نفسها أن تكون كبرى مواجهات الغوطة الشرقية في دوما بالذات. غير أن موازين القوى المنبثقة من المعارك الأخيرة، وتحديداً منذ سقوط القصير في حزيران الماضي ويبرود في آذار ومن ثم باقي منطقة القلمون، يمكن أن تشكل موجة مستمرة من الانهيارات في صفوف المسلحين المعارضين في مناطق الغوطة الشرقية.
وقد لا يكون من المستبعد أن يسعى النظام إلى تنظيف هذه المنطقة في الأسابيع القليلة المقبلة. بحيث يتفرغ بعدها لمعركة حلب. حتى أن بعض المعلومات من داخل دمشق تشير إلى أن النظام يخطط لتحقيق تقدم حاسم في حلب في شكل سريع. بحيث تحكم القوات الموالية سيطرتها على موقعيين اساسيين هناك، على تخوم المدينة ومشارفها المطلة والاستراتيجية: الأول هو موقع المخابرات الجوية. وهو منطقة تمتد على نحو مليوني متر مربع. ومنه يمكن السيطرة على مساكن الزهراء، وهو مجمع سكني كبير يضم أكثر من 500 وحدة سكنية، في محلة تشرف على حلب من جهة الغرب. أما الموقع الثاني فهو سجن حلب المركزي إلى الشمال من المدينة، والذي يشكل بدوره منطقة مترامية الأطراف على تخوم المدينة، لا تزال تسيطر عليها قوات النظام، لكنها محاصرة من قبل مسلحي المجموعات المعارضة منذ نحو سنتين. علماً أن الموقعين الاستراتيجيين، مركز المخابرات والسجن المركزي، شكلا طيلة الأحداث مسرحاً لعمليات كر وفر لا تنتهي بين الطرفين. في إشارة إلى تكافؤ القوى في هذا البقعة من شمال سوريا. فيما بات النظام يعتقد اليوم أن الزخم الذي استمده من معاركه في الغرب والوسط، يمكن أن يشكل كاسحة له في لحسم المعركة في هذين الموقعين. هكذا، ترجح المعلومات الآتية من دمشق، أن يكون الجدول العسكري والميداني لقوات النظام في الأسابيع المقبلة على الشكل التالي: الغوطة الشرقية، ثم المواقع الاستراتيجية في حلب، بحيث تصبح ثاني المدن السورية ساقطة عسكرياً في قبضة النظام. والأهم أن المعلومات نفسها لا تستبعد أن تتم محاولة تنفيذ هذ الجدول قبل الانتخابات الرئاسية في سوريا. والتي أُعلن اليوم في دمشق عن فتح باب الترشح لخوضها، بدءاً من 21 نيسان الجاري. على أن تجرى في موعد متوقع مطلع الصيف في شهر تموز المقبل. بحيث تكون السيطرة على الخط الجغرافي المتواصل من الحدود الأردنية واللبنانية وصولاً إلى حلب، مروراً بالعاصمة وكل ريفها وغوطتيها الشرقية والغربية، ضرورة من أجل ذهاب النظام إلى إجراء انتخاباته الرئاسية التي يريد. علماً أن السلطات السورية كانت قد اتخذت في الأسبوعين الماضيين سلسلة إجراءات تمهيدية لهذا الاستحقاق، منها استعداد الممثليات السورية الدبلوماسية في الخارج، لاستقبال الناخبين السوريين الموجودين خارج البلاد! كأن أهل النظام يقولون للعالم أجمع: حين نسيطر من دمشق حتى حلب، نكون قد حسمنا المعركة في الميدان. بعدها تفضلوا إلى انتخابات رئاسية، ونحن جاهزون لها في سوريا كما خارجها...