التزم السيستاني في فترة زعامته الدينية، منهج الإعتدال وقد تعامل بحنكة وحكمة مع الوضع العراقي المستعد للإشتعال عقب كل أزمة صغيرة او كبيرة. ولكن بدا تدريجياً أن سلوك السيستاني لا يروق تيارات الاسلام السياسي لعدم رضوخه لاجندتهم السياسية.
فقد كان السيستاني في معرض أشد الإنتقادات من قبل بعض الجهات السنية والشيعية معاً لعدم دعمه لحركات المقاومة ضد الامريكان في فترة حضورهم في العراق وأيضاً عدم دخوله في الصراع الطائفي لصالح جهة ضد أخرى. ولكن عادة ما كانت هذه الانتقادات توجه له من خارج المؤسسة الدينية من قبل احزاب او جماعات ذات مشاريع تندرج تحت عنوان الاسلام السياسي. واما هذه المرة جاءت الانتقادات من داخل المؤسسة الدينية ومن نفس إتجاه الإسلام السياسي.
فقد قام الشيخ محمد اليعقوبي المرشد الديني لحزب الفضيلة المشاركة في الحكومة العراقية بهجوم عنيف ضد السيستاني في سلسلة من خطاباته خلال الشهر الماضي. فقد اعتبره معادي للحق وسماه بفرعون العصر، واعتبر مواقفه خذلاناً وخيانة للشيعة. والسبب لكل ذلك هو عدم رضوخ السيستاني لطلبات الاحزاب الدينية لقيام دولة دينية تطبق احكام الشريعة في العراق. وآخر تلك المواقف كان رفض السيستاني لقانون الأحوال الشخصية الجعفرية والتي رفضها بسبب تضمنها انتهاكات لحقوق الانسان وحقوق المذاهب الاخرى والاقليات الدينية.
تاريخياً ترجع سابقة الإنتقادات ضد السيستاني الى العقد الأخير من القرن الماضي، حين صعد تيار سياسي داخل حوزة النجف في مقابل المنهج التقليدي الذي كان يمثله ويتزعمه السيد السيستاني. وقد حصل التيار الجديد دعماً غير مباشر من قبل النظام السابق بسبب أنه كان يمثل مرجعية دينية عربية ضد المرجعية التقليدية الشيعية التي كانت غالباً من أصول ايرانية. وقد عرف التيار الجديد فيما بعد بالتيار الصدري نسبة الى مؤسسه السيد محمدصادق الصدر والد السيد مقتدى الصدر.
وقد اشتهرت عبارة "الحوزة الصامتة" على لسان السيد محمد الصدر في نقده لمنهج السيستاني الذي كان يفضل العمل بالهدوء والتعامل بحكمة مع الوضع العام بدلاً من اتخاذ مواقف ثورية. وقد عبر الصدر عن موقفه نفسه بعنوان "الحوزة الناطقة" وهي التي تتبنى خطاباً ثورياً في زعامة المجتمع الشيعي.
وقد استمر النزاع ما بعد سقوط النظام حيث تبنى السيد مقتدى الصدر خطاب والده في التعامل مع الاحتلال الامريكي حسب تعبيره. ولكن بالتدريج وبالخصوص بعد خروج القوات الامريكية من العراق، خفّ الصدع بشكل بارز بين تيار مقتدى الصدر واتباع السيستاني. وقد ساعد على ذلك ايضا الدور الايجابي للسيستاني في حل الأزمة التي حدثت بين اتباع مقتدى الصدر والقوات الامريكية في النجف عام 2004.
وبقت جماعات منفصلة عن التيار الرئيسي للصدريين على مواقفهم المعادية للسيستاني. ومن أبرز تلك الجماعات هي حزب الفضيلة والتي يقودها الشيخ محمد اليعقوبي وهو احد اتباع السيد محمد الصدر. وهناك أيضاً ميليشيات انفصلت من التيار الصدري والتحقت بالجانب الايراني واعتبرت نفسها غير ملزمة باوامر السيستاني لكونها تابعة للمرشد الأعلى للثورة الاسلامية في ايران، وأبرز تلك الجماعات هي حركة عصائب أهل الحق.
وقد كان موقف النظام الايراني غير مرحب بالسيستاني منذ تصديه للمرجعية الى عام 2003 حيث سقط النظام السابق. ولكن الموقف قد تغير فيما بعد بسبب الدور الرئيسي والبارز الذي حصل عليه السيستاني في إدارة الوضع العراقي بشكل عام وزعامة المجتمع الشيعي بشكل خاص.
هذا مضافاً الى تيار شيعي متشدد آخر ما يعرف بالتيار الشيرازي وهو ينتقد السيستاني بسبب دعوته للمودة والتقارب مع أهل السنة ووقوفه أمام انتهاك مقدساتهم من قبل متشددي الشيعة.
وفي البحث عن رد الفعل تجاه تلك الانتقادات من داخل او خارج المؤسسة الدينية، من الصعب جداً الحصول على أي موقف يذكر سواء من قبل السيستاني نفسه، مكتبه او اتباعه. ويرجع السبب الى سيرة الزعيم الديني باتخاذه منهج الصمت وعدم المبالاة بالنسبة للأمور غير المصيرية وخاصة ما تتضمن استعداداً للفتنة والصراعات. وقد أمر ايضاً مكتبه بعدم اصدار اي بيان او تصريح في هكذا مواقف اطلاقاً، وذلك حسب ما اطلع عليه المونيتور من أحد المصادر في بيت السيستاني.
ما يمثله السيستاني من موقف معتدل ومتسامح جعل منه رجل السلام وصمام الأمان في العراق. ولكن رغم ذلك هناك تخوف كبير من أن خطابه أصبح غير مسموع من قبل أصحاب القرار في البلد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك قلق كبير بالنسبة لما سيحدث بعده، حيث هناك مخططات تجرى من قبل منافسي هذا التيار للحصول على الزعامة الشيعية في النجف بعد السيستاني.