لم تكد حركة "حماس" تفيق من أزمة علاقاتها مع إيران، إثر افتراقهما على خلفيّة موقف كلّ منهما مما هو حاصل في سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2011، حتى عادت الحرارة إلى العلاقات الباردة بينهما. وتجدّدت لقاءاتهما على أعلى المستويات في كانون الأول/ديسمبر 2013، وكان "المونيتور" قد أشار إلى ذلك في تقرير سابق.
وبعد أن ظنّت "حماس" أنها تستعيد علاقاتها مع الإيرانيّين، جاءت زيارة اللواء جبريل الرجّوب عضو اللجنة المركزيّة لحركة "فتح" إلى طهران في 27 كانون الثاني/يناير المنصرم، لتطرح علامات استفهام عديدة حول مدى قدرة "حماس" على إبقاء التحالف الذي ربطها بإيران على مدى عقد من الزمن. فهذه الزيارة التي تعتبَر الأولى من نوعها لمسؤول فتحاوي منذ عشرات السنين، تركت أصداءها وإن بصورة غير علنيّة لدى "حماس" التي تخشى أن تحلّ "فتح" منافسها الأكبر على الساحة الفلسطينيّة مكانها لدى حلفاء الأمس.
والرجّوب الذي وصل طهران مبعوثاً رسمياً عن رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس، التقى وزير الخارجيّة الإيراني محمد جواد ظريف ومساعده حسين أمير عبد اللهيان، كل واحد على حدة. وقد اعتبر أن الزيارة تفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائيّة، وأن السلطة مستعدّة لتقوية العلاقات مع إيران.
تصريحات الرجّوب المرحّبة بالعلاقة مع إيران، دفعت مسؤولاً في "حماس" في غزّة إلى القول لـ"المونيتور" إنها تتعارض مع اتهامات "فتح" السابقة بـ"تدخّل إيران السافر في الشؤون الداخليّة الفلسطينيّة، ورغبتها العميقة بمصادرة القضيّة ووضعها بتصرّف أطماعها الإقليميّة، ونزعتها التوسعيّة على حساب مصالح الأمة العربيّة".
وذكّر المسؤول الذي فضّل عدم الإفصاح عن هويّته ببيان أصدرته حركة "فتح" في أواخر العام 2010 رفضت فيه "محاولات إيران المتواصلة لاستخدام القضيّة الفلسطينيّة كورقة مساومة مع الغرب لتنفيذ أجندتها الإقليميّة، ووسيلة للتدخّل في الشؤون الداخليّة وضرب وحدتنا ومصالحنا القوميّة الحيويّة".
ضدّ الثورة السوريّة
وقد سبق زيارة الرجّوب لطهران وصول عدد من المسؤولين الفلسطينيّين إلى سوريا لبحث أزمة حصار مخيّم اليرموك، كان أبرزهم عضو اللجنة المركزيّة لـ"فتح" عباس زكي ووزير العمل أحمد مجدلاني. وقد التقى الأول بالرئيس السوري بشار الأسد، فيما هاجم الثاني حركة "حماس" واتّهم تنظيمات موالية لها بالمشاركة في العمليات المسلحة ضدّ الجيش السوري.
"حماس" من جهتها، اعتبرت أن هذه الاتهامات محاولة من السلطة للتقارب مع النظام السوري على حساب معاناة أهل اليرموك، وأن زياراتهم لم توقف الحصار والمجزرة التي يتعرّض لها اللاجئون، معتبرة تصريحات مجدلاني التي ألمح فيها إلى موقف "حماس" من الأزمة السوريّة "وقحة وانتهازيّة".
وفي هذا السياق كان لـ"المونيتور" اتصال هاتفي مع عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" عزّت الرشق الذي سبق وزار إيران مرّات عدّة برفقة رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل في السنوات الماضية. فقال من العاصمة القطريّة الدوحة "نحن كفلسطينيّين نحتاج الدعم والمساندة من جميع الأطراف لخدمة قضيّتنا وتحرير أرضنا وعودة شعبنا، على أن يكون بناء العلاقات مبدأ استراتيجياً وليس تكتيكاً للمناكفة السياسيّة الداخليّة وألا تكون العلاقة مستفزّة لأحد مكونات تلك الدولة، لأنها ستصبح شكلاً من أشكال التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول"، ملمحاً بذلك إلى حركة "فتح".
وعلى الرغم من أن "حماس" لم تعقّب رسمياً على ما يمكن تسميته تقارباً فتحاوياً مع إيران وسوريا، المسؤول في "حماس" في غزّة وضع في خلال حديثه إلى "المونيتور"، تلك الزيارة في إطار محاولة محمود عباس جسّ نبض الإيرانيّين حول مدى استعدادهم لإعادة المياه إلى مجاريها وإعادة وصل ما انقطع معها.
وتجدر الإشارة إلى لقاءات عديدة عقدها الرجّوب مع وسائل إعلام إيرانيّة، قال فيها إن تكليفه بهذه الزيارة جاء على خلفيّة الحكمة التي يدير بها الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيّته الدور الإيراني ومصالح بلدهما في الإقليم، بالإضافة إلى انفتاح طهران على بعض العواصم العربيّة.
تشيّع فتح!
إلى ذلك كان اتصال لـ"المونيتور" مع عضو سابق في البرلمان الإيراني فضّل عدم الكشف عن هويّته، قال عن سبب التقارب مع السلطة الفلسطينيّة "لعلّ مصلحة طهران تفوق مصلحة الفلسطينيّين، كجزء من سياستها لإذابة الجليد في العلاقات مع جيرانها العرب. لذلك جاءت استضافتها لرئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان، لإحراج منافستها العربيّة الأكبر السعوديّة، التي تحاول تطويق إيران ومنعها من التمدّد الإقليمي".
إلى ذلك حاول المسؤول في "حماس" في غزّة نفسه التخفيف من تبعات الزيارة بالقول "لا يوجد سبب لدى حماس للهلع. فالطريق نحو تقارب فعلي بين رام الله وطهران ما زال طويلاً، لأن السلطة الفلسطينيّة تجد صعوبة في انتهاج سياسة منفردة بعيداً عن التوافق العربي بقيادة السعوديّة ومصر غير الداعمتَين لتقوية العلاقات مع طهران. لذلك فإن زيارات رمزيّة وتصريحات دبلوماسيّة للمجاملات، لا تثير مخاوف حماس".
وكانت وسائل إعلام "حماس" قد تناولت زيارة الرجّوب، وقد خصّصت فضائيّة "الأقصى" يوم الأوّل من شباط/فبراير الجاري حلقة كاملة لها، جرى الحديث في خلالها عن رغبة "فتح" بتعزيز تحالفاتها الإقليميّة، ما يساعدها على توسيع خياراتها السياسيّة بعد سنوات من القطيعة مع طهران. وتمّت الإشارة أيضاً إلى أن توجّه "فتح" إلى ملء الفراغ الناجم عن تراجع العلاقات بين "حماس" وإيران، يأتي في إطار محاولتها لزيادة خياراتها السياسيّة وأصدقائها الإقليمييّن، حتى لو بدت أنها تتقلّب في تحالفاتها بعيداً عن المبادئ والأخلاق وتعتمد ما يصبّ في مصلحتها فقط بعكس "حماس".
وقد تناول بعض الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي موضوع الزيارة. من هؤلاء، الدكتور يوسف فرحات وهو أحد الوجوه البارزة في "حماس" في غزّة، الذي تناول القضيّة على صفحته الشخصيّة متسائلاً: "بعد هذه الزيارة، هل سنسمع هتافات جماهيريّة ضدّ فتح تصفهم بالتشيّع، كما اتّهِمت حماس بذلك زمن التحالف مع إيران؟"
وقد شدّد الرشق في حديثه إلى "المونيتور" على أنَّ "أيّ تقارب بين فصيل فلسطيني وبين دول عربيّة وإسلاميّة يعدُّ عملاً إيجابياً ومرحباً به، إذا كان يصبّ في خدمة القضيّة ودعم المقاومة وصمود شعبنا الفلسطيني"، مستبعداً أيَّ تأثير سلبي على "حماس" نتيجة ما قد ينشأ من تقارب ما بين فتح وإيران.
وتساءل الرشق عن "جدوى تقارب فتح وإيران في ظلّ تبنّي الأولى للمفاوضات مع إسرائيل واستبعاد برنامج المقاومة، بل ومواجهته عبر التنسيق الأمني مع الاحتلال". ثم قال مختتماً حديثه إن "اتصالات فتح الأخيرة مع إيران وسوريا هي خطوات محدودة وتكتيكيّة فقط!".