أهم ما يميّز الحكومة المسؤولة عن غيرها هو وجود مؤسسات مهنيّة تمثل الأبعاد الحكوميّة المختلفة وتقوم بالإجابة المسؤولة عن توقعات وانتقادات المواطنين. وهذا ما يفتقده العراق في ظلّ المحاصصة الطائفيّة وفقدان المهنيّة والكفاءة في اختيار المسؤولين، ما يؤدي إلى عجز هؤلاء عن الشعور بالمسؤولية في التعامل مع قضايا البلد.
وفي حين أنّ من المفترض أن يمثل رئيس الحكومة الواجهة المسؤولة الرئيسيّة في السلطة التنفيذيّة، نشاهد دائماً أنه يلقي اللوم في ما خصّ فشل الأجهزة الحكوميّة في القيام بمهامها على فرقاء سياسيّين أو عوامل خارجيّة أو أسباب تاريخيّة ترجع إلى العهد القديم. وفي آخر تصريحات لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حاول تبرير عجز الحكومة عن حلّ مشكلة الأمطار والسيول التي أدّت إلى خسائر جسيمة في مختلف مدن الجنوب، بشكل غير مسؤول تماماً. فقد ألقى اللوم ابتداءً على نظام البعث في هذه المشكلة، على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على انقضاء حكم البعث، وتسلّم المالكي الحكم لمدّة ثماني سنوات. بعد ذلك، انتقد المواطنين لعدم مبالاتهم في الحفاظ على مجاري المياه. وأخيراً وبحسب ما اعتاد، ركّز على دور الإرهاب وعلى من سماهم بالأخصام السياسيّين. وما يبعث على الاستعجاب هو أنه لم يتقدّم بأي اعتذار من المواطنين بسبب عجز الحكومة عن القيام بمهامها ومسؤولياتها، كما هو سائد في البلاد الديمقراطيّة في هكذا حالات عادة.
وقد تحوّل هذا الأسلوب طريقة شائعة في خطاب رئيس الوزراء العراقي وفي كيفيّة تعامله مع الأزمات والمشاكل المتفاقمة بشكل مستمر. وأصبح استخدام وسائل الإسقاط النفسي حالة شائعة في خطاباته، ما يشير إلى حالة هروب من المسؤوليّة لديه. ومن أبرز ما صدر منه في هذا المجال هو ما صرّح به قبل أشهر بخصوص أسباب عدم وفاء الحكومة بوعودها في ما يتعلّق بتوفير الأمن والكهرباء وسائر الخدمات الضروريّة، بإلقاء اللوم على حلفائه ومنافسيه من كلّ الأطراف، من دون الاعتراف بأي نقص أو خلل في طريقة إدارته شخصياً. فقد نأى المالكي بنفسه عن المشكلات الأمنيّة والخدميّة والاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد واعتبر أن كبار المسؤولين في حكومته ومنهم حلفاؤه يقدّمون له معلومات مضللة. وختم كلامه بأنه ليس مسؤولاً عن الإخفاقات بشكل مباشر، بل إن الوزراء هم المسؤولون، لأنه ليس خبيراً في الشؤون التخصصيّة للوزارات.
ويظهر من هذا الأسلوب في التعامل، أن الحكومة العراقيّة عجزت عن تأسيس دولة مؤسسات قادرة على التعامل المهني مع القضايا والمشاكل. وقد طغى الطابع الشخصي على كلّ أجهزة الدولة، بحيث يشعر المتابع بأنه ليس ثمّة وحدة شاملة تجمع كلّ أجهزة السلطة التنفيذيّة في كيان مترابط ومنسجم بعضه مع بعض. وما يتوفّر هو تقسيم للسلطة بين أشخاص وأحزاب عاجزين عن العمل المشترك والجماعي، ولا يمثلون فريق عمل مترابطاً ولا يتحمّلون مسؤوليّة جماعيّة تجاه الشعب. لذلك كلّ واحد منهم يبرّر الخلل والعجز بإلقاء اللوم على شركائه في الحكم ويظهر نفسه غير مسؤول عما يحدث.
وقد أصبح هذا الأمر قاعدة عامة يتّبعها كلّ المسؤولين الحكوميّين بعد أن أظهر رئيس الوزراء نفسه شخصاً غير مسؤول عما يجري في البلد على الرغم من وجوده في أعلى موقع في السلطة التنفيذيّة. وأصبح المواطن متحيراً وغير عارف بما يحدث في البلد من إخفاقات تصيب حياته اليوميّة، وبالنتيجة غير قادر على معرفة المسؤول والمقصّر الحقيقي في كل قضيّة.
وأخيراً، يبقى أنه وعلى الرغم من المشاكل التي تواجه المواطن بسبب غياب الشعور بالمسؤوليّة لدى الحكومة العراقيّة، إلا أن هذا قد يصبّ في صالح الأحزاب المشاركة في الحكم، إذ يساعدها في الهروب من الاعتراف بالتقصير في مجالات مسؤوليتها بل إلقاء اللوم على المنافسين، وبالنتيجة الحدّ من خسارة أصواتها الانتخابيّة.