الفراولة سفيرة غزّة إلى أوروبا.. طالتها العاصفة الجويّة

بيت لاهيا، قطاع غزة - كرّس الشقيقان محمود وأشرف فلفل وقتهما منذ انتهاء المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه من أرضهما التي كانا قد زرعاها بالتوت الأرضي أو الفراولة بعد أن أغرقت السيول معظم الأرض المزروعةوأدّت إلى تلف المزروعات بشكل واسع. وتجدر الإشارة إلى أن موسم القطاف كان قد بدأ في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وكان الشقيقان قد بدآ في شهر نيسان/أبريل الماضي وكعادتهما في كلّ سنة، بتهيئة الأرض وتجهيز الشتلات والبيوت البلاستيكيّة الخاصة بزراعة الفراولة وذلك على مدى خمسة أشهر وصولاً إلى شهر أيلول/سبتمبر موسم زراعة الشتلات في الأرض حتى يحين موسم قطفها وتسويقها محلياً وعالمياً.

وتعتبر الفروالة من المحاصيل القليلة التي عادت إسرائيل في العام 2009 لتسمح بتصديرها من قطاع غزّة إلى الأسواق الأوروبيّة، وذلك منذ فرض الحصار على القطاع بعد سيطرة حركة "حماس" في العام 2007. لكنها ما زالت تمنع تسويقها في الضفّة الغربيّة، كما كان معمولاً به في السنوات التي سبقت الحصار.

وكان القطاع الزراعي قد تعرّض في خلال العاصفة الجويّة التي ضربت البلاد في أوائل كانون الأول/ديسمبر الجاري، إلى أضرار وخسائر كبيرة بشقّيه النباتي والحيواني بالإضافة إلى أخرى طالت البنية التحتيّة لا سيّما الطرقات الزراعيّة نتيجة الرياح الشديدة وتساقط الأمطار المتواصلة بكميات كبيرة وكذلك حبات البرد التي أتلفت الكثير من المزروعات.

وقدّرت وزراة الزراعة في غزّة خسائر القطاع الزراعي نتيجة المنخفض الجوي الذي استمر لأربعة أيام بنحو سبعة ملايين وسبعمائة ألف دولار أميركي كخسائر مباشرة أوليّة، منها ما يزيد عن خمسة ملايين ونصف مليون دولار في القطاع النباتي أما الخسائر الأخرى فكانت في القطاع الحيواني.

وكان محمود (40 عاماً) وأخيه أشرف (35 عاماً) قد زرعا خمسة دونمات من الفراولة هذا العام بعد أن كانا يزرعان نحو عشرين دونماً في العام 2006، وذلك نتيجة لارتفاع تكاليف زراعتها وقلة فرص التصدير وعدم قدرة السوق المحلي على استيعاب كميات كبيرة من الفراولة.

ويقول محمود لـ"المونيتور" من أرضه التي تبعد عن الشريط الحدودي مع إسرائيل نحو كيلومترَين اثنَين والواقعة في بيت لاهيا شمال قطاع غزّة، إن "تكاليف زراعة الفراولة ارتفعت بشكل كبير في خلال العام الحالي بعد إغلاق الأنفاق واعتماد المزارعين على المسلتزمات الزراعيّة المستوردة من إسرائيل بالإضافة إلى الوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه للريّ والتي يرتفع ثمنها ثلاثة أضعاف عن تلك التي كانت تهرّب عبر الأنفاق من مصر".

يضيف أن "زراعة الفراولة مجازفة. ففي كلّ سنة يأتينا ما يضرّ بالموسم خصوصاً في فترة تصدير المحصول. ففي العام الماضي كانت الحرب على غزّة (عامود السحاب) مع بداية الموسم، وهذا العام جاءنا المنخفض الجوي. إن قدرتنا كأفراد على تحمّل الخسارة محدودة، لذا نحن نقلّص في كل عام المساحة التي نزرعها بالفراولة".

بدأ مزارعو قطاع غزّة بزراعة الفراولة في العام 1968 على مساحات محدودة، ليبدأ تصديرها إلى الأسواق الخارجيّة في أواخر سبعينيات القرن الماضي. واتسعت مساحة زراعتها مع مرور السنوات حتى وصلت ذروتها في العام 2005 مع زراعة 2500 دونم. وقد تقلصت المساحة مع القيود المفروضة على تصدير المحصول بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات البرلمانيّة في العام 2006.

ويزرع نحو 200 مزارع فلسطيني هذا العام نحو 770 دونماً من الفراولة. وينتج كلّ دونم منها متوسّط يبلغ نحو ثلاثة أطنان من الفراولة على دورتَين، الأولى في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر وحتى مطلع شهر شباط/فبراير في حين تبدأ دورة قطف الثمار الثانية في مطلع شهر آذار/مارس.

ويوضح رئيس جمعيّة غزّة التعاونيّة الزراعيّة أحمد الشافعي أنه كان من المتوقّع أن يصدّر قطاع غزّة إلى الأسواق الأوروبيّة نحو 500 طن، إلا أنه مع تأثر المحصول بالمنخفض الجوي فإن التوقعات الجديدة لا تتعدّى 200 طن وذلك طوال فترة التصدير التي تستمرّ لقرابة ثلاثة أشهر.

ويشكو في حديث إلى "المونيتور" من قلة اهتمام الجهات الرسميّة سواء في قطاع غزّة أو الضفّة الغربيّة بمزارعي التوت الأرضي ودعمهم حتى يتمكنوا من تجاوز الصعاب التي يواجهونها في زراعته والتعويض عليهم في ما خصّ الخسائر التي قد تلحق بهم نتيجة الكوارث كالحروب أو المنخفضات الجويّة.

من جانبه يقول مدير عام التسويق والمعابر في وزارة الزراعة في غزة تحسين السقا لـ"المونيتور" إن نسبة تصدير المحاصيل الزراعيّة "انخفضت بنسبة أكثر من 90% منذ فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة. فقد كانت تصل قيمته إلى ما يقارب أربعين مليون دولار أميركي أما في الوقت الراهن فلا يتعدى أربعة ملايين دولار".

ويستورد المزارعون الفلسطينيّون في قطاع غزّة مسلتزماتهم الزراعيّة الخاصة بمحصول الفراولة من أمهات الشتلات من مشاتل إسرائيليّة مرخّصة، كذلك يستوردون المواد الكيماويّة والسماد والأدوية الزراعيّة وكذلك مسلتزمات البيوت البلاستيكيّة من إسرائيل.

بحسب الشقيقان فلفل، إن تكلفة زراعة الدونم الواحد من الفراولة تصل إلى ما يزيد عن أربعة آلاف دولار، في حين يباع المحصول في الظروف الطبيعيّة (من دون كوارث طبيعيّة ولا حروب) سواءً للأسواق الأوروبيّة أو المحليّة بمبلغ لا يتجاوز خمسة آلاف دولار.

وبلغت نسبة الأضرار التي لحقت بمزارع الفراولة في قطاع غزّة نتيجة العاصفة الجويّة الأخيرة أكثر من 20%، بحسب ما أبلغت جمعيّة مصدّري التوت الأرضي "المونيتور". لكن الأضرار التي قد تصيب نسبة الأرباح تصل إلى أكثر من 40% إذ إن المنخفض الجوي جاء في موسم التصدير الذي يحقّق نسبة أعلى من الأرباح.

ويقول الشافعي "الفراولة هي سفيرتنا إلى العالم وقد كتبت اسم فلسطين لأول مرّة في الأسواق الأوروبيّة، إلا أننا اليوم نواجه صعوبات جمّة تؤثّر سلباً على سفيرة الحب من غزّة... بالتأكيد نحن الفلسطينيّون هنا نستحقّ الأفضل، لكن الأطراف المختلفة لا تريد لنا ذلك".