كل شيء في سوريا يسير وفق خارطة التمهيد لانعقاد مؤتمر جنيف -2. هكذا تبدو الأمور. آخر الخطوات على تلك الطريق، إعفاء نائب رئيس الحكومة السورية للشؤون الاقتصادية، قدري جميل، من موقعه. خطوة قيل فيها الكثير، خصوصاً عن اعتبارها من قبل البعض مناورة مشتركة بين السوريين والروس. إذ يعتقد اصحاب هذا الرأي أن إقالة جميل ليس غير خطوة شكلية، تهدف إلى إظهار القيادي الشيوعي السوري السابق، وكأنه خارج النظام ومعارض له. بما يضمن حجز مقعد له كمشارك في مؤتمر الحوار السوري المقبل، كمعارض، لا كجزء من تركيبة السلطة في دمشق.
غير أن متابعين للموضوع السوري الداخلي، يؤكدون أنه من الصواب ربط إعفاء جميل بمؤتمر جنيف -2. لكن من الخطأ اعتباره مناورة. فمع اقتراب مشروع الحل السوري، وخصوصاً مع دخول القوى الغربية، وخصوصاً واشنطن، وبالأخص المنظمات الدولية، على خط تفاصيل تسوية النزاع السوري، عادت إلى سطح النقاش الساخن والجدي، مسألة التوجهات الاقتصادية للحكم السوري بعد نهاية الحرب وإقامة الحل. وهو موضوع أساسي ومحوري يقع في صلب عملية جنيف -2 والتحضيرات لانعقاد هذا المؤتمر والتصورات لملفاته وأوراق عمله. يكفي أن نتذكر أن هذه القضية تعني عملية إعادة إعمار، بما لا يقل عن 50 مليار دولار أميركي من خسائر في البنيات التحتية خلفتها الأحداث في سوريا. وبالتالي فقالب الكعكة المطروح على طاولة جنيف – 2 قادر لوحده على إسالة لعاب كثيرين. وفي هذا السياق بالذات، يشير المتابعون للوضع السوري، إلى ان صراعاً قديماً كان قائماً داخل الحكم في دمشق، بين تيارين اقتصاديين: اشتراكي وليبرالي. والصراع المذكور كان قد اندلع علنا في النصف الأول من العقد الماضي، يوم صار عبدالله الدردري نائباً لرئيس الحكومة السورية للشؤون الاقتصادية. وهو الاقتصادي السوري الذي اتهم بأنه أب النيوليبرالية السورية، وفاتح سوريا كاقتصاد وقوانين وبنية استثمارية، على رياح اقتصاد السوق ومفاهيم العولمة وسياسات المؤسات المالية والنقدية الدولية. حتى أن البعض من أهل النظام في سوريا اعتبره بمثابة "حصان طروادة"، مكلف من قبل "جهات معادية" لتدمير سوريا.
