لا يشكّ عاقل في أن ما قام به الشيخ أحمد الأسير من اعتداء على الجيش اللبناني يشكّل تعدّ واضح وصريح على القانون. وهذا في حدّه الأدنى، عمل متهوّر. أما في حدّه الأقصى فعمل إجرامي مدبّر عن سابق تصوّر وتصميم، سواء كان الأسير من المخطّطين له أو إحدى أدواته أو حتى ضحيّته. وفي كلّ الحالات، ما حصل جريمة بحقّ القانون وتعدّ صارخ على الدولة، وفي أبعاده وتداعياته طعنة بالميثاق الوطني. ولكن كما لا يجوز الوقوع في فخّ الاستهتار بالحادثة أو التساهل في مسألة الاعتداء على الجيش اللبناني والنيل من هيبته، كذلك وبالقدر عينه من غير الدقيق بمكان تضخيم خطورة الأسير كحالة سلفيّة، ومحاولة دمجه بحركات جهاديّة اتّخذت من الكفاح المسلح عنواناً وأصبحت مرادفاً للإرهاب الدولي.
والظاهرة السلفيّة موجة تجتاح العالم العربي لأسباب لم تعد تغيب عن بال أحد. وهي تستمدّ زخمها من إشكاليات عميقة في المجتمع العربي والإسلامي-السني كمسألة الهويّة أو الموقف من الحداثة أو من حقبة الاستعمار واستشعار أخطار خارجيّة والدعوة إلى صدّها، وآخرها كان خطر الثورة الخمينيّة لا سيّما بعد حرب العراق وسقوطه تحت الرعاية الإيرانيّة. فالظاهرة السلفيّة وتجلياتها اليوم على علاقة جدليّة مع نقيضها مشروع دولة الفقيه والقوى المنضوية تحت لوائه. ولعلّ من المجدي التذكير أن نجم الأسير برز في البداية كصوت مناهض لحزب الله، وانتقاده للجيش اللبناني كان من هذا الباب تحديداً حيث أخَذ على هذا الأخير انحيازه لا بل خضوعه للحزب المتماهي مع النظام في إيران. وإن كان الأسير ظاهرة جديدة على المشهد السياسي اللبناني خارجة عن التقاليد اللبنانيّة، إلا أنه لا بدّ من الاعتراف بأن لسلفيّته خصوصيّة أو نكهة لبنانيّة إن جاز التعبير، جعلته محبباً أو أقلّه مقبولاً لدى شريحة من اللبنانيّين مسلمين ومسيحيّين التفتوا إلى شجاعة أقواله ومواقفه. وهم وإن استفزّتهم بعض استعراضاته مثل القيام بفريضة الصلاة على أرض منتجع للتزلج أمام عدسات الكاميرات، إلا أن أساريرهم انفرجت عند مشاهدته وعلى الشاشات أيضاً يركب دراجةً هوائيةً تارةً وطوراً يمارس رياضة السباحة أو كرة الطاولة. وهو بذلك بعيد كل البعد عن الصورة النمطيّة للسلفي العالقة في الأذهان، تلك المتمثّلة ببن لادن أو الظواهري.