يعيد حسّان (24 عاماً) سبب وقوعه في مستنقع إدمان حبوب "الترمادول" المخدّر والمحظور في قطاع غزّة، إلى عدم توفّر فرص عمل له بعد إتمامه تعليمه الجامعي قبل نحو عامين.
وحسّان الذي تخرّج من جامعة الأزهر في غزّة وقد تخصّص في إدارة الأعمال، حصل على معدّل جامعي بلغ 78%. لكنه وعلى الرغم من ذلك، اضطرّ للاصطفاف في طابور طويل من البطالة العماليّة التي تبلغ نسبتها 45% (وفقاً لبيانات وزارة العمل في غزّة)، لتزداد على الأثر مشاكله النفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.. وأصبح لا يطيق العيش.
فيقول "بعد تخرّجي من الجامعة، بحثت طويلاً عن عمل ولكن من دون فائدة، حتى بتّ أشعر أنني عالة على المجتمع. وعشت في دوّامة من الهموم النفسيّة ليس لها أوّل ولا آخر".
ويسرد حسّان لـ"المونيتور" تفاصيل إدمانه حبوب "الترمادول" قائلاً "قدّم لي أحد الأصدقاء حبّة خضراء اللون، وزعم أنها ستنسيني همومي وستجعلني أكثر راحة. تناولتها من دون تردّد، فشعرت بدايةً بصداع حاد سرعان ما تحوّل إلى راحة. وبتّ لا أشعر بما يدور حولي من مشاكل".
و"الترمادول" أو ما يعرف شعبياً باسم "الترمال"، هو علاج مخدّر يعدّ نظيراً لمادة "الكوديين". ويستخدَم لتسكين الآلام عن طريق تثبيط الجهاز العصبي، كذلك يُعَدّ مسكناً قوياً جداً للآلام الحادّة والمزمنة في الحالات التي يعجز المريض فيها تحمّل الألم. لكن المشكلة تكمن في إقبال عدد كبير من المواطنين ومن بينهم خرّيجون جامعيّون على إدمان مثل هذه المخدرات، بسبب صعوبة الحياة وندرة الحصول على عمل وعدم توفّر واقع اقتصادي مريح.
ويتابع حسّان "تفاعلت كثيراً مع هذه الحبّة وارتحت نفسياً في بداية الأمر، وطلبت المزيد منها من صديقي الذي اشترط أن أدفع ثمنها قبل الحصول عليها. ونظراً لصعوبة الحالة الماديّة لجأت إلى سرقة مبالغ ماليّة من والدَيّ كي أستطيع شراء هذه الحبوب. ومنذ ذلك الحين أصبحت مدمناً عليها. وكلما تناولتها طلبت المزيد".
حسّان، تعرض للاعتقال من قبل شرطة غزّة، ومكث في سجونها لمدّة شهرين. حينها، خضع لجلسات تأهيل نفسي ساعدته على الإقلاع عن "الترمادول". نجح في ذلك في بداية الأمر، ولكن بعد خروجه اصطدم مجدّداً بالواقع ذاته، ما أجبره على البحث من جديد عن هذه الحبوب.
ويعد حسّان واحداً من بين العديد من الشبان العاطلين عن العمل الذين وقعوا فريسة لحبوب "الترمادول"، وذلك بسبب قلّة فرص العمل وارتفاع مستوى البطالة والفقر في المجتمع الفلسطيني.
ويعجز سوق العمل في قطاع غزّة عن استيعاب آلاف الخرّيجين والخرّيجات سنوياً، بعد أن بلغ عددهم اليوم نحو 120 ألف حامل شهادة جامعيّة من دون عمل، بحسب بيانات نشرتها وزارة العمل في غزّة مؤخّراً.
ويرى المتخصّص التربوي الدكتور درداح الشاعر أن الأسباب الرئيسيّة التي تدفع الخرّيجين الجامعيّين إلى إدمان عقار "الترمادول" المخدّر، هي عدم توفّر فرص عمل وارتفاع مستوى البطالة وصعوبة الأوضاع الاقتصاديّة، فضلاً عن وجود رفقاء السوء الذين يروّجون لتعاطي مثل هذه الحبوب.
وقال في حديث إلى "المونيتور" أن "تعاطي الخرّيج الجامعي المرهَق بهموم البحث عن وظيفة، "الترمادول"، يُعَدّ صورة من صور الانسحاب والابتعاد عن الحياة الجادة"، مشيراً إلى أن إدمان هذا العقار يتسبّب بتدمير الحياة الاجتماعيّة والمستقبليّة للمدمن، كذلك يعطّل مشاركته في مسار التنمية المجتمعيّة.
وتُعَدّ الأنفاق الأرضيّة المنتشرة أسفل الحدود بين قطاع غزّة ومصر، مصدراً رئيسياً لتهريب "الترمادول"، ما جعل الحكومة في غزّة تفرض رقابة مشدّدة على هذه الأنفاق. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذه الرقابة لم تمنع تداوله بين الشباب حتى اليوم.
إلى ذلك، فرضت وزارة الصحة في غزّة على الصيدليّات، عدم صرف "الترمادول" للمرضى أو المواطنين من دون وصفة طبيب، إلا أن الهدف التجاري وتحقيق الربح يدفعان ببعض الصيادلة إلى بيعه من دون وصفة.
ويشرح مدير عام الصيدلة في وزارة الصحّة في غزّة الدكتور أشرف أبو مهادي أن استخدام "الترمادول" بهذه الطريقة يحمل تأثيرات سلبيّة على صحّة الإنسان مع ظهور أعراض جانبيّة تطال الجهازَين العصبي والتنفسي.
يضيف في حديث إلى "المونيتور" أن "الترمادول" الطبّي الرسمي يصل من خلال وصفات طبيّة ويخضع لرقابة كاملة من قبل الوزارة، مشيراً إلى أن مخالفة أي من الصيدليّات لتعليمات الوزارة يعرّض صاحبها لإجراءات عقابيّة مشدّدة.
كذلك، فرضت وزارة الداخليّة في غزّة، إجراءات عقابيّة مشدّدة على كل من يُضبَط متاجراً بحبوب "الترامادول" أو متعاطياً لها. وكثيراً ما تعلن شرطة مكافحة المخدّرات عن ضبط كميّات كبيرة من هذه الحبوب التي تصل إلى القطاع بشكل غير شرعي. وآخرها عمليّة ضبط نحو 290 ألف حبة "ترمادول" مطلع شهر أيار/مايو المنصرم، في حين سبقها ضبط 65 ألف حبّة في آذار/مارس الماضي. وكانت جميعها في طريقها إلى مدينة غزّة عبر الأنفاق الحدوديّة.
ويؤكّد الناطق باسم الشرطة في غزّة أيوب أبو شعر، أن الإتجار غير المشروع بـ"الترمادول" محظور، ومن يُضبَط متلبّساً يُعتقل على الفور. ويلفت إلى أن "هذه الظاهرة أصبحت شبه منتشرة في مجتمعنا، للأسف، وهي واضحة للعيان. والشرطة تكافحها بكلّ الطرق".
وما يساعد على انتشار هذه الحبوب المخدّرة أيضاً، هو أن "الترامادول" لا يُصنَّف من قبل القانون الفلسطيني على أنه نوع من أنواع المخدّرات، وفق ما يقول أبو شعر لـ"المونيتور". يضيف "نحن في الشرطة بصدد الحصول على مصادقة من قبل المجلس التشريعي لتصنيف هذه الحبوب كمواد مخدّرة. وهذا من شأنه أن يساعد على الحدّ من انتشارها".
وعن أساليب تهريب "الترمادول" إلى قطاع غزّة، يوضح أبو شعر أن الأنفاق الأرضيّة والمعابر الرسميّة تعَدّان مصدرَين أساسيَّين في عمليّة تهريبه، مشدّداً على أن جهاز الشرطة يحارب تلك الأساليب بقوّة ويحاول السيطرة عليها.
وعلى الرغم من هذا التشديد الحكومي في ما خصّ تداول "الترمادول"، يرى الصيدلي باهر الصفدي أن كافة هذه الإجراءات لم تضع حداً لتداوله بسبب تعدّد وسائل وأساليب بيعه وإيصاله إلى المواطنين.
ويقول في حديث إلى "المونيتور"، "على الرغم من التزام معظم الصيدليّات بالقرارات الحكوميّة التي تمنع بيعه إلا بموجب وصفة طبيّة، إلا أن البعض ما زال يبيعها بهدف تحقيق أرباح". لكن الصفدي يؤكّد أن الصيدليّات لم تعد المصدر الوحيد لمتعاطي عقار "الترمادول".
ويوضح أن مهرّبي هذه العقاقير يتّبعون أساليب مختلفة من التهريب ويضعونها في أماكن تخفى عن الرقابة والتفتيش، مشيراً إلى أن "تجّار الشنطة" هم أكثر من يتاجرون بهذا العقار، حيث يبيعونه لمعارفهم وللأصدقاء.ويلفت إلى أن الإتجار بـ"الترمادول" يدرّ عائدات ماليّة وفيرة، حيث تباع الحبّة الواحدة بـسبعة شواقل أي ما يعادل دولارَين أميركيّين اثنين تقريباً.
ويلفت الصفدي النظر إلى أن هذه الحبوب تسبّب أعراض مرضيّة كثيرة كالدوار والغثيان والصداع والإمساك والطفح الجلدي وفقدان الشهيّة وفقدان التوازن وانفصام الشخصيّة، ومن الممكن أن تتسبّب أيضاً بإحداث فشل كلوي وتضخّم في البروستات على المدى البعيد.
الجدير ذكره، أن وزارة الداخلية في غزة، أعلنت مؤخراً، عن إطلاق "الحملة الوطنية لمكافحة الترامادول المدمر"، وستكون هذه الحملة توعوية تثقيفية وقائية للناس لتوجيههم وإرشادهم لأهمية ابتعاد أبنائهم عن تناول المخدارت.