يبرز في هذه المرحلة عنوانان اثنان يشكلان خلفية الخلاف المنتمي للنوع الصامت بين قطر والسعودية، الاول هو الموقف من حركة الاخوان المسلمين ، وافتراقهما بخصوص الموقف من دعم وصولها للحكم في سوريا . والثاني هو اعتراض السعودية على تضخم دور قطر في المنطقة قياسا بحجمها الصغير ، في مقابل ان الاخيرة تصر على متابعة هذا الدور .
وبحسب مصادر متابعة للوضع السعودي الداخلي، فان الرياض تصنف خلافها مع قطر بسبب دعم الاخيرة وصول الاخوان المسلمين السوريين الى السلطة ، بالخلاف الذي تعلق به ملامح استراتيجة ، و مؤخرا ، وتحديدا منذ تسمية الرئيس تمام سلام لتشكيل الحكومة العتيدة في لبنان ، بدا يلاحظ افتراق التحالف الذي كان قائما فوق الساحة اللبنانية بين الدوحة والرياض. وكانت اخر مرة ظهر فيها انسجامهما حيال الساحة اللبنانية عندما زار الرئيس سعد الخريري الصيف الماضي قطر وبعد ذلك عندما ظهرت صورة مشتركة للحريري مع رئيس الحكومة القطرية الشيخ حمد بن جاسم ، وهما يزوران معا الملك عبد الله بن بد العزيز .
والواقع ان الازمة السورية كان لها الفضل في اعادة العلاقة بين قطر والسعودية للانسجام في لبنان ، إذ انه طوال الفترة التي سبقت استعارها والممتدة من العام ٢٠٠٦ وحتى العام ٢٠١١ ، كانت قطر انحازت في لبنان الى جانب فريق ٨ اذار المدعوم من دمشق وإيران ، فيما السعودية أخذت جانب ١٤ اذار المحسوب مكونه الاساسي السني ( تيار المستقبل ) عليها . وظلت الخلفيات التي حملت قطر حينها على اتخاذ هذا الخيار محل سؤال حتى الان . البعض في حزب الله ، يرى اليوم ان انحياز الدوحة لجانب محور ايران - سوريا في لبنان انذاك ، لم يكن حقيقيا، بل كان وظيفة سياسية مطلوبة من واشنطن التي لديها في قطر اكبر قاعدة عسكرية في كل منطقة الخليج . اما السعوديون ، فاعتبروا حينها ان قطر لديها " عقدة الدور الكبير " الذي يحاول مضاهاة دور السعودية وثقلها في المنطقة والعالم .
و كثيرا ما ردد القطريون خلال تلك الفترة فكرة تفيد بان لدى الدول العربية الصغيرة مشكلة مع جاراتها الكبيرة التي تطمح لفرض نوع من الاحتواء السياسي عليها . وطالما تفاخر اصحاب هذا الراي بان الدول الصغيرة كلبنان والكويت وقطر ، نجحوا في ابتداع نماذج في السياسة والاقتصاد والإعلام وايضا في الديموقراطية ، عوضت صغر أحجامهم الجغرافية والديموغرافية، وأثبتوا انهم جديرون بان يكون لهم مقعدا متصدرا في قيادة المنطقة وليسوا مجرد تابعين للدول العربية الكبرى ، كالسعودية ومصر وسوريا .
خلال الاحداث السورية ، وقبلها بأشهر عندما اقصى حزب الله وحلفاؤه سعد الحريري عن رئاسة الحكومة اللبنانية ، انتفىت اسباب افتراق السياسستين القطرية والسعودية فوق الساحة اللبنانية . وكلاهما عاد الى انتهاج السياسة الخليجية التقليدية التي تضع في أولوياتها أضعاف النفوذ الإيراني في المشرق العربي . وكل من الدوحة والرياض انتقلا الى سياسة الهجوم ، من خلال اشتراكهما العلني في دعم المعارضة السورية الساعية لاسقاط نظام بشار الاسد السائر في الركب الإيراني ، واستدراكا أضعاف حلفائه اللبنانيين وعلى راسهم حزب الله .
ويؤكد حزب الله في محافله الخاصة ان التمويل القطري هو الذي يقف وراء ظاهرة الشيخ احمد الاسير الذي نشط خلال العامين الاخيرين من خلال مقره في مسجد بلال في صيدا، بتحدي حزب الله ، والتشويش عليه . كما تتحدث معلومات الحزب عن دعم مالي من سعوديين يغذي مجموعات سلفية في لبنان لديها أيضاً أجندة معادية للحزب .
ولكن بدا واضحا مؤخراً ان شهر العسل في لبنان بين الرياض والدوحة عاد ليدخل مرحلة الافول . ونقطة خلافهما الرئيسة تعود لتباينهما حول دعم الاخوان المسلمين في سوريا . ففيما قطر وايضا تركيا ، تخططان لجعل الاخوان راس حربة نفوذهما المستقبلي في سوريا بعد اسقاط الاسد، فان الرياض تدعم قوى سنية معتدلة للوصل الى السلطة ، يتكون معظمها من منشقين عن الجيش السوري وشخصيات سورية لا تنتمي للتيارات الاسلامية .
ومن وجهة نظر الرياض فان خلافها مع قطر حول الموقف من الاخوان ، هو امر استراتيجي . فالسعودية تخشى من روابط الصلة القائمة بين حركة الاخوان المسلمين وبين تيار الصحوة الاسلامي في السعودية الذي يمثل اليوم المعارضة الداخلية ضد الاسرة السعودية المالكة . وتريد الرياض من قطر ان تتراجع عن خطة دعمها للإخوان المسلمين في سوريا لان هؤلاء يشكلون في حال انتصارهم مصدر قوة لتيار الصحوة الاسلامية في السعودية .
الرياض تقوم الان بانشاء سياسة خاصة لها في لبنان . وبدأت بمحاولات للانفتاح على جميع القوى السياسية اللبنانية ، بما فيها حزب الله المتحالف مع ايران والتيار الوطني الحر المسيحي المنتمي لمحور الممانعة ( ايران وسوريا). وايضا تقوم السعودية بتجميع كل أوراقها السنية، على حساب تقليص دور قطر بداخل سنة لبنان . وهناك مؤشرات تدلل على ان الرياض نجحت في تبديد الدور اللبناني لقطر، بدليل ان زيارات المسؤولين اللبنانيين الى الدوحة انقطعت ، وبدل ذلك بات هؤلاء يذهبون بكثافة الى السعودية . كما ان الشيخ احمد الاسير الذي مارس دور القنبلة الصوتية القطرية بوجه حزب الله ، انكفأ مؤخراً .
وداخل كواليس مقربة من السعودية في لبنان ، تتم الان مهاجمة دور قطر في المنطقة . ونفس الكلام القديم عن انها دولة تحاول تجاوز معادلة حجمها ، عاد للبروز ، ما يؤشر الى وجود قرار سعودي بإبعاد قطر عن لبنان وايضا لاحقا عن كل المشرق ، وذلك ضمن توجه سعودي خارجي شامل قوامه ضرب الاخوان المسلمين وإضعاف نفوذ الدول التي تدعمهم في مناطق حساسة داخل العالمين العربي والاسلامي .