سيُعلن عن جسم سياسي جديد في لبنان الأسبوع المقبل، في موعد لم يتحدد نهائياً بعد، بين 17-18 من آذار الجاري على الأرجح. وسيكون مختلفاً عن غيره بتركيبته وتطلعاته. تتكوكب فيه مجموعة من المثقفين والناشطين المستقلين حول سياسي ومفكر يجمعون على احترامه . لم يخض تجربة سابقاً بهذا الحجم ، ولكن كانت له أدوار مهمة بعيداَ عن الأضواء في مراحل عدة منذ منتصف السبعينية: سمير فرنجية.
ينطلق العاملون لتحقيق هذا المشروع السياسي من اعتبار أنفسهم مواطنين لبنانيين مستقلين اقتنعوا، كل من خلفياته وتجاربه بأهداف 14 آذار 2005 وبأنها طليعة "الربيع العربي" الذي يتشددون في تأييده رغم كل ما تعترضه من عقبات ومظاهر نكوص في الدول التي حل فيها. 14 آذار التي اكتسبت تسميتها من يوم التظاهرة "المليونية" في ساحة الشهداء لمناسبة مرور شهر على اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، وجاءت رد فعل على تظاهرة ضخمة نظمها "حزب الله" وحلفاؤه قبل ستة أيام تحت شعار "شكرا سوريا" لمواجهة الموجة الشعبية والسياسية العارمة آنذاك، والمطالبة إستناداً إلى دعم غربي وعربي كبير بخروج الجيش السوري من لبنان تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559. خروج سيتحقق بعد نحو شهر ونصف، وستحمل الأحزاب التي شاركت في تظاهرة الشكرهي أيضا تسمية ذلك اليوم حتى اليوم : قوى 8 آذار.
في رواياتهم لما جرى منذ تلك الحقبة التأسيسية، يقول الناشطون الساعين إلى تنظيم صفوفهم وتفعيل تأثيرهم بتوجيه من فرنجية، أن الأحزاب الكبيرة نسبياً، والتي تملك قدرات تنظيمية وموارد وإمكانات في كل المجالات ، وتحديدا "تيار المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية، وحزب الكتائب اللبنانية، استأثرت بالقرار إلى حد بعيد، خصوصا بعد خروج الزعيم الإشتراكي النائب وليد جنبلاط وحزبه من التحالف. ومع تزايد الضغوط الخارجية والداخلية، فضلاً عن ضغوط الواقع الثقيل في ذاته، ارتبكت القيادة المثلثة مرارا عند مفاصل رئيسية وضاعت عن الأهداف، مما بات يفرض العودة إلى الروحية- المصدر إذا كانت قوى 14 آذار تريد الإستمرار ومعاودة الحضور كما يليق بصفتها أكثرية شعبية، وفقا لما أظهرت نتائج الإنتخابات النيابية في ثلاث دورات منذ 2005 .
ويوضح الناشطون هؤلاء أنهم يتطلعون إلى إبراز وجهات نظر الرأي العام الـ14 آذاري المستقل، والذي تعبّر عنه متفرقة جمعيات أهلية ومجتمع مدني وشخصيات غير منتمية إلى أحزاب ، أو تنتسب إلى أحزاب صغيرة نسبيا وجدت نفسها في السنوات الماضية من دون دور ولا يؤخذ رأيها في سياسات التحالفات حتى على صعيد الإستشارة.
ويوضح أحدهم:" الأحزاب أخذت 14 آذار وطلبت إلى الناس المكوث في منازلهم لأنهم لم يعد لهم أي دور. وليت النتيجة كانت جيدة . ففي الواقع، أصبح مشهد التحالف في المحطات والمناسبات الأخيرة منذ سنتين يبعث على الحزن، ويؤكد أن معادلة اختصار القرار بالأحزاب باءت بالفشل، مما أدى إلى انفضاض الناس عن 14 آذار وإن ظلوا عند إيمانهم بأهداف هذه الحركة. والذروة كانت في انقسام الأحزاب الكبيرة في شكل طائفي على قانون الإنتخاب الأمثل . فكاد انقسامها يقضي على الأمل بعدما كان جميع المتظاهرين أقسموا بهتافات مدوية وأصوات مجلجلة " مسلمين ومسيحيين، أن يبقوا موحدين إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم" (قَسمٌ كتبه وتلاه الصحافي والمناضل جبران تويني في التجمع الشعبي الأول 2005، واغتيل بمتفجرة بعد 9 أشهر).
إلا أن النائب السابق سمير فرنجية يعطي مشروع "تيار أو حركة 14 آذار" المزمع إعلانها بعداً أوسع. يقول لـ "المونيتور": "هذا التحرك سيكون تحت عنوان "تجديد الربيع العربي" من خلال :
- إعادة إحياء اللقاء الإسلامي – المسيحي الذي تحقق في 14 آذار ومكّن لبنان من استعادة استقلاله، ودفع هذا للقاء في اتجاه بناء سلام لبنان.
- تحديث العمل السياسي بإدخال بعد جديد مدني عليه، وبعيد كل البعد عن المنطق الطائفي السائد.
- تأهيل لبنان لاستعادة دوره العربي، وهو الذي أعطى الإشارة الأولى إلى "الربيع العربي".
ويحرص فرنجية على التوضيح أن المشاورات لا تزال جارية لإطلاق هذه الدينامية الجديدة خلال هذا الشهر. ويشدد أيضاً على أن الحركة ستكون "تجديدية داخل 14 آذار . فلا انشقاق ولا انفصال بل تجديد في الروحية . ثم إنها حركة مفتوحة وليس لها نظام حزبي . كل شخص يمكنه الإنضمام إليها بصفته الفردية أكان حزبياً أم غير حزبي. من لديه فكرة أو مبادرة ويود الإنضمام أهلا وسهلا به".
وينتمي فرنجية إلى بيت سياسي عريق . والده الراحل حميد فرنجية الذي كان زعيما في منطقته زغرتا نام رئيساً للجمهورية عام 1952، وأفاق وقد ذهبت الرئاسة إلى الرئيس كميل شمعون. لكن الرئاسة عادت إلى بيت فرنجية من خلال شقيق حميد، سليمان فرنجية الذي انتخب رئيسا عام 1970 بينما كان حميد مريضاً. إلا أن سمير فرنجية حامل أفكار الثورة تلك لاأيام ابتعد عن العائلية السياسية كثيراً حتى سمي "البيك الأحمر" . من تلك الحقبة احتفظ بصداقات لعل أبرزها مع النائب وليد جنبلاط الذي استثناه عندما هاجم قادة قوى 14 آذار ووصفه بأنه "مرتب".
كان لفرنجية دور رئيسي في تأسيس "لقاء قرنة شهوان". وهو واسع الثقافة، كتب بالعربية والفرنسية عددا لا يحصى من الكتب والدراسات والوثائق، وأقام الكثير من الندوات والمحاضرات واللقاءات. مفكر سياسي واسع العلاقات ويحظى باحترام حتى في صفوف خصومه.