وزع رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل نجيب ميقاتي مؤشرات متلاحقة منذ مساء الخميس إلى أنه ينوي ينوي الإقدام على "خطوة كبيرة". لكن قلة صدقت أنه سيستقيل فعلاً نظراً إلى سوابق أثبتت أنه مناور من الدرجة الأولى، يمتلك قدرة فائقة على امتصاص الصدمات والتشنجات بهدوء أعصاب لافت، إلى درجة دفعت صديقاً سابقاً له هونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري إلى وصفه "منوّم مغناطيسي".
رغم ذلك استقال وفاجأ الجميع بترجمة قوله لعدد ممن اتصلوا به إنه لم يعد يتحمل المزيد. كان يتحدث تحديداً عن موقف لـ"حزب الله"، المكوّن الرئيسي في حكومته ولحليف الحزب المسيحي، الجنرال ميشال عون الذي يمسك تكتله بعشرة مقاعد في الحكومة الثلاثية، موقف رافض على الإطلاق لتمديد ولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي المحسوب على المعارضة، وتحديداً "تيار المستقبل"، وهو سني من طرابلس، العاصمة الثانية للبنان، ومسقط رأس ميقاتي أيضاً.
وقالت لـ "المونيتور" شخصية سياسية تحدثت إلى ميقاتي قبل الجلسة الأخيرة لحكومته بساعات أن "حزب الله" اطلع على توجه الرجل إلى الإستقالة في حال عدم التمديد لريفي. وكان جواب قيادة الحزب ما فحواه : "إذا أراد أن يستقيل فليستقل، هو حر".
وهذا يطرح تلقائياً سؤالاً مركزياً: هل قرر الحزب التخلي عن الحكومة المحسوبة عليه بعدما باتت تأكل من رصيده لعجزها عن معالجة المشكلات الهائلة التي يعانيها لبنان، لا سيما على الصعيد المعيشي والإقتصادي؟
إلا أن نائباً بارزاً ورئيسا لكتلة في المعارضة أكد لـ "المونيتور" أن الإستقالة فاجأت حزب الله وحلفاءه ، وقد اتفق عليها ميقاتي مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان قبل بدء الجلسة . وأضاف : " كان الحزب وحلفاؤه يتوقعون أن يعتكف رئيس الحكومة ويتوقف عن دعوتها إلى جلسات في الحد الأقصى. لم يصدقوا أنه سيستقيل فعلاً".
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري عالماً بما سيحصل إذ أبلغه ميقاتي بنيته، وحاول بري حليف "حزب الله" بأقصى جهده ثني رئيس الحكومة عن هذه الخطوة، ولكن عبثاً.
ويذهب سياسيون متابعون إلى القول لـ"المونيتور" أن السبب الجوهري والحقيقي الذي دفع ميقاتي إلى هذه الخطوة هو عجز حكومته عن إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها المحدد في حزيران / يونيو المقبل، وذلك بفعل عجز الأفرقاء في البلاد عن التفاهم على قانون لتنظيم هذه الإنتخابات.
وحاول رئيس الجمهورية ميشال سليمان خلال الجلسة الأخيرة استصدار قرار عن مجلس الوزراء بتسمية أعضاء الهيئة المستقلة للإشراف على الإنتخابات، ضماناً للسير في إنتخابات وفقاً لما بات يسمى "قانون السنة 1960 " الذي جرت الإنتخابات الأخيرة عام 2009 على أساسه، لكن وزراء "حزب الله" وأفرقاء التحالف الذي يقوده تصدوا له رافضين تسمية الأعضاء، الأمر الذي حمل الرئيس سليمان على طلب رفع الجلسة من ميقاتي الذي استمهل وطرح قضية التمديد للواء أشرف ريفي فقوبلت بالرفض أيضاً، وعلى الأثر غادر غاضباً القصر الجمهوري إلى مقر رئاسة مجلس الوزراء في السرايا حيث تلا بيان استقالته. وقال للصحافيين إنه كان يفكر فيها منذ اغتيال رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن بمتفجرة في منطقة الأشرفية في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2012 .
ودعا ميقاتي إلى حوار وطني شامل وتأليف حكومة وطنية تضم الأفرقاء المتنازعين في لبنان، وعندما سئل هل يعود لترؤس حكومة كهذه أجاب بأن السؤال سابق لأوانه.
وتسري في لبنان معلومات عن سعي "حزب الله" إلى اتفاق كامل يشمل إلى تشكيل الحكومة الإتفاق على قانون للإنتخابات وآلية تمديد "تقني" لمجلس النواب لأشهر عدة ريثما يستوعب المواطنون طريقة الإقتراع وفقا لنظام مزدوج، نسبي وأكثري. إلا أن هذه المعلومات لم تتأكد.
في المقابل يخشى بعض سياسيي قوى 14 آذار المعارضة أن تكون خطة الحزب تقضي بتفريغ قيادات المؤسسة الأمنية والعسكرية وتعطيل المؤسسات الدستورية، من الحكومة إلى مجلس النواب وصولا إلى رئاسة الجمهورية السنة المقبلة، وذلك سعياً إلى صياغة شكل جديد لحكم البلاد وتقاسم للسلطة يلائم الحزب أكثر. إلا أن هذه النظرية لا تجد لها أسانيد كافية.
يبقى الأكيد أن الحزب فقد حكومة كان يسيطر عليها، وأن لبنان دخل حقبة جديدة تتسم بخطورة استثنائية دفعت ميقاتي إلى ختام بيان استقالته بعبارة عاطفية، قائلاً: " حفظ الله لبنان".