اعتاد العراقيون منذ سنوات، على الانشغال بحديث الموازنة المالية للبلاد مرتين في العام الواحد، الأولى عندما يشرع البرلمان في مناقشتها، والثانية عندما تعلن المحافظات عن نسب الصرف التي حققتها، ففي كلا المرتين، يمكن الإنصات لرأي عام غاضب، ينتقد الصراعات السياسية التي تعرقل إقرار الموازنة، والبيروقراطية الهائلة والفساد اللذين يمنعان صرفها.
وكثيرا ما يتزامن حديث العراقيين عن هاتين القضيتين، وعلى سبيل المثال، فإن الحديث عن تشريع الموازنة وعن صرفها متداخل هذا الشهر، فبينما ينتظر العراقيون بشغف أن يقر برلمانهم موازنة 2013، بدأت أنباء فشل الكثير من المحافظات في صرف حصتها من موازنة العام الماضي، بالتوافد على العاصمة.
وأجّل البرلمان العراقي، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، التصويت على موازنة 2013 سبع مرات، بسبب خلاف حاد بشأن حصة إقليم كردستان، شبه المستقل منها. وبينما يحاول الإقليم الحفاظ على حصته المعروفة من الموازنة سنويا، وهي 17%، يحاول ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خفضها إلى 12%، وهو ما يلقى معارضة كردية شديدة.
ويقول مصدر مطلع في محافظة نينوى، وهي ثاني أكبر مدن العراق، وتبعد نحو 400 كم إلى الشمال من بغداد، إن "الحكومة المحلية في هذه المحافظة، فشلت في إنفاق نحو 6 مليارات دولار من حصتها في موازنة العام 2012، البالغة أكثر من 10 مليارات دولار". وهذا يعني أن هذه المحافظة ذات الأغلبية السنية، والتي تفتقر إلى الكثير على مستوى البنى التحتية والخدمات، لم تنفق إلا أقل من نصف تخصيصاتها.
ويقول هذا المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لحساسية المعلومات التي يدلي بها، إن "نينوى، قامت بتدوير المبالغ التي لم تنجح في صرفها إلى العام القادم". ويضيف "عملية التدوير تحدث سنويا في نينوى".
ويعزو المصدر هذا الفشل في الإنفاق إلى البيروقراطية الشديدة في آليات تحديد المشاريع التي تحتاجها المحافظة، فضلا عن القلق الأمني المزمن الذي تعاني منه نينوى، المعروفة بكونها أحد أهم معاقل ضباط الجيش العراقي السابق.
ولم يكن الحال أفضل، لدى الاتجاه جنوبا، فمحافظة الديوانية، ذات ألاغلبية الشيعية، والتي تبعد نحو 180 كم عن بغداد، فلم تنفق من موازنتها سوى 50%، على الرغم من وجود نحو ألف قرية في هذه المحافظة، تفتقر إلى أبسط مستلزمات العيش الإنساني.
لكن الحكومة المحلية في الديوانية تلوم البرلمان العراقي الذي يتأخر في إقرار الموازنة. ويقول مسؤولون في إدارة الديوانية إن "السنة المالية العراقية لا تساوي إلا بضعة أشهر، إذ أن الخلافات السياسية حول الموازنة تحت قبة البرلمان تستهلك الشهور الأربعة الأولى من كل عام مالي".
وتبلغ حصة الديوانية ضمن موازنة العراق لعام 2012 أقل من ملياري دولار أميركي، بينما طلبت الإدارة المحلية في هذه المحافظة، مرارا، زيادة التخصيصات المالية الممنوحة لها، بوصفها إحدى أشد محافظات العراق فقرا.
وفي محافظة ديالى، ذات التنوع العرقي والديني، تجهل معظم الاقضية والنواحي حجم المبالغ المخصصة لها من الموازنة.
ولا يمكن الإمساك بخيوط واضحة لدى تتبع ملف الموازنة في هذه ديالى، إذ أن توزع المسؤوليات فيها بين مسؤولين ينحدرون من الطائفتين الشيعية والسنية، فضلا عن القومية الكردية، حوّل ملف الموازنة إلى ساحة لتبادل الاتهامات بين المسؤولين بشأن مسؤولية الفشل في تحسين واقع الخدمات.
وحتى مع تخصيص نحو 2.5 مليار دولار من موازنة العام الماضي لديالى، فإن أغلب مسؤولي الوحدات الإدارية فيها، يؤكدون أن هذه الأرقام بمثابة حبر على ورق، إذ لم تشهد هذه المحافظة التي سبب لها العنف أذى كبيرا طيلة السنوات الماضية، إنجاز مشروع واحد يشار إليه.