يعتبر حزب الله الاكثر امتدادا وحضورا بين الاحزاب والحركات الاسلامية في لبنان والمنطقة. ولا تستقيم قراءته على مثال حركات الاسلام السياسي المعاصرة ، الاصولية منها او الاحيائية: نشـأة وخطابا وبرامج وغايات واهداف، فهذا الحزب اكتسب بفعل تحوله السياسي المقرون بسجل عريض من مقاومة اسرائيل – عدة سمات تباعد بينه وبين تلك الحركات، كما وانه اكتسب شهرة واسعة تعدت الاطار اللبناني الى الاوساط العربية والاسلامية عموما. ومع ذلك فإن تخليه الظاهري عن اللهجة الاقصائية سياسيا التي صبغت خطابه معظم مراحله خلال العقدين والنصف الاخيرين ، لم يفلح حتى الان في تأكيد اندماجه ضمن المجتمع السياسي اللبناني ذي التعددية الدينية والطائفية والسياسية المعقدة.
نشأ حزب الله من مجموعات اسلامية متفرقة وليدة انتمائات وتيارات مختلفة : بعضها ممن انقلب على حركة امل وبعضها ممن مشى في خط الامام السيد موسى الصدر. وبعضها تأثر بنجاح الثورة الاسلامية في ايران وبعضها الرابع من نشاطات في احياء ومساجد. لكن المحاولة الاولى غداة الاجتياح الاسرائيلي للبنان في 3 يونيو حزيران 1982 في اثناء مشاركة شخصيات لبنانية تنتمي الى التيار الاسلامي في مؤتمر للحركات الاسلامية عقد في طهران في يوم المستضعفين في العالم. حين بلغت انباء الاجتياح الاسرائيلي للجنوب مسامع الحاضرين وعلى الاثر اطلقت مبادرة ايرانية خلال انعقاد المؤتمر قضت بإرسال وفد الى سورية لمناقشة المسؤولين السوريين في سبيل تقديم الدعم للبنانيين في مواجهة الاجتياح، وعاد الوفد الايراني بموافقة سورية على السماح لوحدات من الحرس الثوري الايراني بعبور الاراضي السورية الى لبنان والمشاركة في المواجهة.
في هذه الاثناء تجمع تسع من قيادات المجموعات الاسلامية في هيئة تأسيسية ستكون نواة انشاء (حزب الله) وكان في صفوفها الشيخ صبحي الطفيلي (الامين العام الاول للحزب)، السيد عباس الموسوي (الامين العام الثاني) والسيد حسن نصرالله (الامين العام الحالي) ، والشيخ محمد يزبك (عضو شورى الحزب حاليا) والسيد ابراهيم امين السيد ، شكلوا قاعدة لكوادر اسلامية ستنشأ لاحقا. وعملت تلك الهيئة التأسيسية على وضع الافكار الاساسية التي تشكل المنطقلات المبدئية لإطلاق العمل المقاوم والتيار الاسلامي، وكان اجتماعها الاول بعد اسبوعين من الاجتياح الاسرائيلي، في وقت كان اعضاؤها يتداولون خطتهم قبل وصول (الحرس الثوري) الى لبنان.
لم تستمر الهيئة التأسيسية من الاعضاء التسعة طويلا ، فحلت محلها لجنة من خمسة اشخاص سميت شورى لبنان بدأت اجتماعاتها بداية 1983 بمباركة ايرانية. وهكذا اضحت شورى لبنان مرجع الاسلاميين الى ان قررت في ايار 1984 اعتماد تسمية ثابتة للحزب " حزب الله " ، وترافق ذلك مع ارتفاع عدد اعضاء الشورى الى سبعة.
إذا فإن خطوة تأسيس الحزب العملية بدأت في العام 1982 عندما فكرت مجموعة من المتدينين المؤمنين برسالة الاسلام بضرورة وضع صيغة معينة من اجل مواجهة حالة الضعف في ساحة النضال ضد الاسرائيلي ، ومن اجل تحقيق الاهداف الاسلامية. وقد التحق بالحزب بعض من كان يعمل في الاطار الاسلامي، وبعض المحايدين ، ثم اصبحت المسيرة تتكامل في اطار حزب الله حسبما يقول نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم.
ولا شك في ان بروز الثورة الاسلامية في ايران العام 1979 كان له التأثير الكبير والمباشر في صياغة افكار الحزب وإستلهاماته النظرية والجهادية . ففي اعقاب هذه الثورة حل حزب الدعوة الاسلامية في لبنان نفسه واصبح اعضائه يعملون في اطار (الثورة الاسلامية في ايران). كما ان العديد من اعضاء حركة امل اخذوا يعملون في اطار نشاط هذه الثورة ومنهم المسؤول عن مكتب الحركة يومها في ايران ابراهيم امين السيد الذي اصبح لاحقا احد البارزين في الحزب.
اما الحدث الاكثر اهمية في تاريخ ولادة الحزب فكان تأسيس لجنة الانقاذ من قبل الرئيس إلياس سركيس العام 1982 للتعامل مع نتائج الاجتياح الاسرائيلي للبنان ، فكان لعضوية رئيس امل نبيه بري في تلك اللجنة مع بشير الجميل الزعيم المسيحي المتشدد صدى قويا فإنشق عن امل الكثير من الشيعة الذين كانوا يدفعون بإتجاه اسلامي اكثر تشددا، فحسين الموسوي وهو شخصية بارزة في حركة امل في ذلك الوقت اعترض على قبول بري العضوية في اللجنة ودعا الى التحكيم الايراني في المسألة.
كان النزاع قد احيل على السفير الايراني في دمشق في ذلك الوقت على اكبر محتشمي الذي اصبح في ما بعد وزيرا للداخلية ، وعضو مجلس الشورى الايراني ، وحكم ضد اشتراك بري في اللجنة. لكن بري لم يلتزم بالقرار وقرر الموسوي الاستقالة من امل وتشكيل حركة امل الاسلامية، مما دعا المكتب السياسي للحركة في بيروت الى فصله عن الحركة.
منذ ذلك الحين يمكن القول ان حزب الله بدأ تكوينه في لبنان من عدة روافد ابرزها حزب الدعوة، وحركة امل، وقوى دينية شيعية ( مشايخ وعلماء) وبعض الكوادر السابقة في التنظيمات الفلسطينية (فتح وغيرها) الاحزاب الوطنية اللبنانية وكذلك تيارات مستقلة من الشباب الاسلامي المؤمن.
شعبية حزب الله حدثت بعد عام 1984 اذ استفاد من موقف المواجهة ضد الوجود العسكري الاميركي في لبنان والاحتلال الاسرائيلي للجنوب.
رسم الحزب الصورة المتشددة له من خلال قصف الثكنات العسكرية الاميركية في لبنان وحجزه الرهائن الاجانب . إبتعد عن الاضواء في البداية وركز على التشكيل البطيئ للخلايا السرية . لكن إختطاف طائرة ( تي دابليو اي ) في عام 1985 ركز الانتباه اكثر على الحزب . مع ان الحزب انكر اي علاقة له بهذا . هكذا اصبح الحزب ناشطا بشكل واضح في الميدان السياسي و العسكري اللبناني. اعلن في رسالته المفتوحة عام 1985 الدعوة الى اقامة الدولة الاسلامية ونهاية الهيمنة المارونية ورفض الربط بين الحزب واللعبة السياسية اللبنانية التقليدية. اكد فرديته الايديولوجية اكثر ضمن سياق التفكير الاسلامي.
اثناء المعارك بين امل وحزب الله في فترة 1988 – 1990 احرز الحزب بعض النجاحات على الجهات السياسية والعسكرية ، بينما فقدت امل بعضا من مصداقيتها. شدد الحزب هجماته ضد اسرائيل وحلفائها في جنوب لبنان، دخلت امل الحكومة بينما اكد الحزب على الحاجة الى اسقاط النظام السياسي اللبناني، وشدد على ضرورة تأسيس النظام الاسلامي في لبنان . والاكثر اهمية من هذا اثبت الحزب مهاراته المتطورة في اجرائاته التعبوية وحملاته الدعائية اكثر من حركة امل.
شكلت نهاية الحرب الشيعية – الشيعية العام 1991 بالإضافة الى نزع سلاح المليشيات تحديا لحزب الله ، كان لا بد للحزب من ان يعدل في برنامجه بسبب تغير الحكومة في ايران وصعود خط هاشمي رفساجاني مما ادى الى التقليل من التركيز على التأسيس الفوري للدولة الاسلامية في لبنان. علاوة على ذلك بدت حكومة رافسنجاني اكثر اهتماما بالمحافظة على العلاقات الجيدة مع دمشق عوضا عن تعجيل الاهداف الثورية الاسلامية في لبنان.
ومع تطور الاوضاع بدى الحزب اكثر واقعية وانفتاحا ، ويؤكد الشيخ نعيم قاسم في هذا الخصوص (إن طرح الاسلام هو واجب على الحزب) فنحن لم نقترح قيام الجمهورية الاسلامية ، ومن لم يقتنع فهو حر . فنحن لا نؤمن بالاكراه في الدين. والاسلام عندما يكون سلطة بالقوة فهذا يعني انه فقد مبرر وجوده ، ونحن لسنا مستعدين اليوم لطرح شعارات لمجرد المناورة او ابرازها من دون ان يكون لها حظا من التطبيق العملي، نحن نطرح شعار التفاهم مع الاخرين على قاعدة النظام الاصلح، وان كنا نقدم الطرح الاسلامي.
يتبع جزء ثاني