كلّ المؤشرات تدلّ على أن الساحة اللبنانيّة انزلقت في الصراع الإقليمي الدائر في الشرق الأوسط والذي اتخذ أبغض أشكاله: حرب سنيّة-شيعيّة. لم تعد المسألة مجرّد شظايا تطال العمق اللبناني أو امتداداً للحرب الدائرة في سوريا. إنما القلق كبير من أن يصبح لبنان ساحة أساسيّة لا بل أوّلية لهذا الصراع، الذي انطلقت شرارته من سوريا في أعقاب تحركات شعبيّة ما فتئت أن تحوّلت إلى صراع عسكري تشارك فيه مباشرة أو بالواسطة سائر الدول الإقليميّة.
ليس من الضروري أن يكون المرء خبيراً عسكرياً ليدرك أن الساحة اللبنانيّة بتاريخها وتناقضاتها مهيّئة لا بل جاذبة لهذا النوع من الصراعات. فالبلد الصغير مقرّ حزب الله الأساسي وعرينه. ولأنه كذلك، قد يكون بمثابة كعب أخيل. فالمناطق الشيعيّة التي تشكّل قاعدته الشعبيّة وبيئته الحاضنة، هي مناطق آهلة بالسكان تعجّ بالحركة. وهي لم ترَ حتى اليوم هذا النوع من الإرهاب الذي يعصف بها منذ فترة. صحيح أن هذه المناطق كانت عرضة لقصف الطيران الإسرائيلي كما جرى في العامَين 1996 و 2006، الذي دمّر جزءاً كبيراً من أحيائها وقراها وقضى على بناها التحتيّة جارفاً معه أرتالاً من النازحين ومشكلاً أنهراً من الدم. لكن صحيح أيضاً أن هاتَين الحربَين وعلى الرغم من هولهما وفظاعتهما كانتا بمثابة حربَين كلاسيكيّتَين خاطفتَين خاضهما الطرف الإسرائيلي وواجههما حزب الله بإستراتيجيّة حرب العصابات المعروفة بـ"غيريللا وور"، مستنزفاً عدوّه ورافعاً في النهاية وفي الحالتَين راية المنتصر لمجرّد عدم انسحاقه، ومستفيداً طبعاً من دعم الشارع العربي والإسلامي من الخليج إلى المحيط المناهض لإسرائيل والمناصر لمنطق مقاومتها عسكرياً.