تحدّثت النائبة عن محافظة البصرة زهرة البجاري، في 6 حزيران/يونيو الحاليّ، عن ارتفاع معدّلات الإصابة بالأمراض السرطانيّة في المحافظة، نتيجة التلوّث الإشعاعيّ والنفطيّ.
وتسجّل محافظة البصرة 800 حالة إصابة بالسرطان شهريّاً، بحسب المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان، التي عزت السبب إلى "حالات متعدّدة، منها الملوّثات البيئيّة سواء في الهواء كتلك المتمثّلة باحتراق النفط، وكذلك في الماء والتربة، وغيرها من آثار الحروب".
محافظة البصرة، التي تقع في أقصى جنوب العراق، والمعروفة بأنّ سكّانها ينامون على بحر من النفط، تعيش منذ أكثر من عام مع وضع صحيّ "متردّ" من الإصابات التي عانت منها بسبب تلوّث المياه إلى تلوّث التربة، إلى الألغام الحربيّة التي بقيت فيها منذ عقود، إلى تلوّث الجوّ بسبب شركات النفط، وصولاً إلى الإصابات بمرض السرطان.
وفي جلسة مجلس النوّاب التي عقدت في 20 أيّار/مايو الماضي، قال النائب عن محافظة البصرة فالح الخزعلي: "إنّ الماء والهواء والتربة في محافظة البصرة كلّها ملوّثة، فهناك 18 موقعاً للموادّ المشعّة لم تتمّ معالجتها حتّى الآن، فضلاً عن الغاز المصاحب للمستكشف النفطيّ الذي لم تتمّ معالجته، وفقاً للمحدّدات البيئيّة، إضافة إلى وجود مخلّفات الحروب في مياه شطّ العرب وتلوّث الأنهار في مركز محافظة البصرة".
وفي دراسة نشرها موقع CounterPunch بكانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018، وصف عضو الجمعيّة الملكيّة البريطانيّة للأطبّاء في إنكلترا وعالم الأورام جواد العلي محافظة البصرة بأنّها "هيروشيما أخرى"، لافتاً إلى أنّ "دراساته تشير إلى أنّ أكثر من 40 في المئة من سكّان محافظة البصرة سيصابون بالسرطان".
ووفقا للبجاري ان "البصرة باتت مركز للتوث الإشعاعي والتلوث النفطي الذي ألقى بظلاله على الأهالي بالإمراض الخبيثة في مطلعها السرطان"، وأضافت ان "مناطق شط العرب والزبير ومركز البصرة تسجل الأعلى معدلا بالإصابات السرطانية في عموم العراق"، مشيرة الى ان "بعض شوارع تلك المناطق سجلت معدل اصابة سرطانية في كل دار". وأوضحت البجاري ان "اللجنة المختصة برفع الملوثات المشعة رفعت العديد منها ومن المؤمل ان ترمى في منطقة التويثة ببغداد".
ووفقاً لإحصائيّة حصل عليها "المونيتور" من مؤسّسة حكوميّة عراقيّة، فإنّ معدّل الإصابة بالسرطان في محافظة البصرة كان بين عاميّ 2015 و2017 يتراوح بين 400 و500 إصابة شهريّاً، لكنّه ارتفع بنسبة تصل إلى 200 في المئة تقريباً خلال عام 2018.
وقال مدير مكتب مفوضيّة حقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي لـ"المونيتور": "إنّ أكثر من 90 في المئة من المصابين يتوفّون. وفي وقت سابق، كانت الحكومة ترفض أن يتمّ التطرّق إلى مرض السرطان والحديث عن نسبه، لكنّ اليوم لم يعد هناك أيّ مجال لإخفاء هذه الكارثة".
أضاف: "إنّ الدواء متوافر، ولكن بشكل ليس باليسير، ولم يكن يكفي في غالبيّة الأحيان جميع المرضى، فعادة ما يكون هناك نقص يحرم عدداً من المصابين بالسرطان من الحصول عليه، الأمر الذي يضطرّهم إلى التأخّر في الحصول عليه".
في محافظة البصرة ونسمتها السكانيّة تصل إلى نحو 3 ملايين نسمة، هناك مركز واحد لمرضى الأورام السرطانيّة، سعته 400 سرير، وليس فيه سوى 200 سرير صالح للاستخدام. كما يعاني من التقادم والرطوبة ومشاكل في الخدمات. يستقبل المركز يوميّاً بين 120 و150 مريضاً بالأورام السرطانيّة، وسجّل خلال السنوات الأخيرة 2500 حالة سنويّاً، وفق عضو لجنة الصحّة في مجلس النوّاب العراقيّ صفاء بندر.
وفي غالبيّة الأوقات، يكتظّ المركز بالمصابين بالسرطان، الأمر الذي يضطرّهم إلى النوم في ممرّاته، نظراً لعدم وجود أسرّة كافية ولقلّة الكوادر الطبيّة المتخصّصة أيضاً.
وأشار النائب عن محافظة البصرة عبد عون العبادي إلى أنّ الإصابات بمجملها في محافظة البصرة تصل إلى 24 ألف مصاب، محمّلاً الشركات النفطيّة العاملة في المحافظة مسؤوليّة ذلك.
واتّفق معه زميله عبد الأمير المياحي، الذي قدّم في 30 نيسان/إبريل الماضي دعوى قضائيّة ضدّ شركات النفط في المحافظة بتهمة "تلويث المياه".
وقال طبيب في مركز الأورام السرطانيّة بالبصرة، رفض كشف هويّته لعدم تخويله بالتصريح: "إنّ وزارة الصحّة في بغداد لم ترسل الأدوية، وفق الجداول الزمنيّة المحدّدة من قبلنا. كما أنّ ازدياد حالات الإصابة يؤثّر على الاستهلاك السريع للدواء".
أضاف في حديث لـ"المونيتور": "إنّ المركز يفتقد إلى جهاز الكشف المبكر للسرطان، وهذا بحدّ ذاته يسهم في ازدياد الإصابة بالمرض وتفاقمه لدى المرضى. ولا تتوافر فيه أيضاً المعايير التي يجب أن يكون عليها، فهو متهالك ويعاني من نقص في الخدمات".
وتضطرّ عوائل المصابين بالسرطان في البصرة إلى التظاهر بين فترة وأخرى، احتجاجاً على تأخّر حصول أبنائهم على جرعات مرض السرطان منذ أشهر عدّة، لكن رغم ذلك لم تصدر الحكومة المحليّة في محافظة البصرة ولا وزارة الصحّة الاتحاديّة أيّ موقف تجاه هذه التظاهرات والشكاوى المتكرّرة من عوائل المصابين.
لقد بادر نشطاء في المجتمع المدنيّ إلى إطلاق حملة تحت وسم #أتحداك_تنقذني لمساعدة مرضى السرطان في الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه من خلال الضغط على الحكومة الاتحاديّة، وحصلوا على وعود إيجابيّة من المسؤولين الحكوميّين والبرلمانيّين، ولكن على أرض الواقع ما زال الوضع مثلما هو.
إنّ سكّان محافظة البصرة، التي ترفد موازنة العراق الماليّة بنسبة تفوق الـ85 في المئة سنويّاً من خلال تمتّعها بثروة نفطيّة كبيرة، ما زالوا غير قادرين على الحصول على العلاج الذي يمنع أطفالهم من الموت، رغم خروجهم بتظاهرات احتجاجيّة مستمرّة منذ عام 2015 لـ"القضاء على الفساد".
إنّ شرارة التظاهرات، التي من المتوقّع أن تنطلق في البصرة خلال الشهرين المقبلين على سوء الخدمات في البلاد، وتحديداً ملف الكهرباء، قد يُرفع فيها ملف رئيسيّ هذه المرّة، وهو ملف مرضى السرطان، هذا ما لم تكن هناك تظاهرات واعتصامات تنطلق على أساس توفير العلاج للمرضى.
وفي المحصّلة، تنذر الأوضاع الصحيّة في محافظة البصرة بمشاكل عدّة قد تنتج خلال السنوات المقبلة، وهذا كلّه يُنتجه التلوّث البيئيّ الذي لم تهتمّ به الحكومات العراقيّة التي تعاقبت بعد عام 2003، ولا حتّى نظام صدّام حسين الذي خلق حروباً أنتجت كلّ هذا التلوّث الإشعاعيّ.