نشبت أزمة حادّة في الجامعة الأميركيّة في القاهرة، بعد تصويت مجلس الشورى الممثّل لها، والذي يضمّ أعضاء يمثّلون هيئة التدريس والعاملين في الجامعة والطلبة والإدارة، في 5 شباط/فبراير، بأغلبيّة 80%، على سحب الثقة من رئيس الجامعة فرانسيس ريتشاردوني، بينما رفض مجلس الأمناء اعتماد نتائج هذا التصويت، في اجتماعه المنعقد في 11 شباط/فبراير، بالتزامن مع احتفالات الجامعة بالذكرى المئويّة لتأسيسها، وأعلن تجديد الثقة فيه بالإجماع لحين انتهاء ولايته،(4 أعوام)، والتي بدأت في أكتوبر(تشرين أول)2016 ، مُرجعاً ذلك إلى قيادة الرئيس ريتشاردوني وقراراته” وواصفاً إياها “بالجوهرية" للنجاح الحالي والمستقبلي للجامعة.
ويأتي قرار سحب الثقة من الرئيس الحاليّ ريتشاردوني، وهو سفير الولايات المتحدة السابق إلى مصر، على خلفيّة استضافة الجامعة وزير الخارجيّة الأميركيّة الحاليّ مايك بومبيو في 10 يناير (كانون الثاني)، ووضع إحدى قاعات الجامعة تحت تصرّف السفارة الأميركيّة لاستضافة المؤتمر الصحافيّ الذي عقده بومبيو أثناء زيارته إلى مصر، من دون التشاور مع ممثّلي الفئات المختلفة للجامعة، حسبما ذكرت هيئة التدريس بالإجماع في القرار الصادر عنها عقب تصويتهم في5 شباط/فبراير، وأطلع عليه مُحرر "المونيتور".
ويتشكّل غالبية أعضاء مجلس الأوصياء من رجال أعمال مصريين وغير مصريين، ويشرف على رؤية الجامعة وميزانيّتها وخطط الحرم الجامعيّ وسياساته، ويعيّن رئيسها، كما يشرف على الوقف الماليّ الخاصّ بالجامعة، ويعمل من دون مقابل مادّيّ، وتحمل قرارته صفة الإلزام.
وقال حافظ الميرازي، وهو أستاذ ممارس في قسم الصحافة في الجامعة الأميركيّة منذ عام 2009، في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور"، إنّ خطاب وزير الخارجيّة الأميركيّة في الجامعة كان العامل الحاسم وراء سحب الثقة من الرئيس الحاليّ، فأغلب الشكاوى من "ريتشاردوني" تؤكّد أنّه لا يحترم أيّ توصيات أو مقترحات للأساتذة، ويتعامل كأنّهم موظّفون في سفارة لديه، فضلاً عن التكتّم من جانبه على الترتيبات لزيارة وزير الخارجيّة الأميركيّة لأسبوعين، وفقاً للميرازي.
المشكلة، حسب الميرازي الذي صوّت على سحب الثقة في اجتماع مجلس شورى الجامعة من الرئيس الحاليّ، هي في سرّيّة تنظيم محاضرة لوزير الخارجيّة الأميركيّة من دون معرفة أعضاء مجتمع العمل، بمن فيهم أعضاء مجلس شورى الجامعة، ويوضح: "رفض مجلس الأمناء الأخذ بقرار مجلس الشورى هو إهدار لقيم التعليم الليبراليّ الذي تروّج له الجامعة، والذي سيضرّ بمصلحتها واستقرارها وجودة التعليم فيها".
كما نشر اتّحاد طلّاب الجامعة بياناً، في 5 شباط/فبراير الجاري على صفحته على "فيسبوك"، يؤيّد قرار مجلس الشورى بسحب الثقة من الرئيس الحاليّ، قائلاً إنّ "الإدارة الحاليّة أثبتت عدم قدرتها على تلبية حاجات الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، وبناء عليه، فإنّ عليها تغيير ممارساتها أو أن تتغيّر هي نفسها".
وتؤكّد رئيسة قسم التاريخ في الجامعة الأميركيّة باسكال غزالة، في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" :"أنّ ريتشاردوني يتعامل مع الجامعة وكأنّها ملحق تابع إلى السفارة الأميركيّة، وأنّ سياسته التي يتّبعها مع الجامعة كأنّها شركة، يخضع كل شيء فيها إلى حساب المكسب والخسارة، وأنّه يتعامل بمنطق استعلائيّ مع أساتذة الجامعة"، وأضافت كذلك:" أنّ تنظيم زيارة بومبيوو تمّت من دون علم أعضاء هيئة التدريس أو مجلس الشورى، الذين فوجئوا بوجوده".
غزالة أرسلت خطاباً إلى رئيس الجامعة، ونشرته على حسابها على "الفيس بوك" في 13 كانون الثاني/يناير، قبل سحب الثقة منه، جاء فيه: "هل تمّت استشارة أيّ من أعضاء مجتمع الجامعة إذا ما كانت فكرة سديدة أن تتمّ دعوة المدير السابق للمخابرات المركزيّة الأميركيّة، الذي دافع عن التعذيب، إلى الجامعة الأميركيّة في القاهرة"؟
وأكملت غزالة في اتصالها الهاتفي مع "المونيتور" "أنّ التدخّل في العقود الإداريّة للأكاديميّين يتمّ عبر توقيع تعاقدات موقّتة مع الأكاديميّين برواتب منخفضة بدلاً من التثبيت الدائم توفيراً للنفقات والتحكم في وظيفتهم حين يحل موعد التجديد، مقابل تراجع التعاقدات الدائمة التي كانت توقّعها الجامعة في السابق"، موضحة أنّه تمّ توجيه دعوة باسم مجتمع العمل إلى وزير الخارجيّة الأميركيّة من دون علمنا من الأساس، فضلاً عن التدخّل في عقود الأكاديميّين، على الرغم من أنّه غير مسموح له بمنصبه الإداريّ التجديد للأساتذة أو عدمه".
بدورها، تؤكّد المسؤولة الإعلاميّة في الجامعة رحاب سعد، في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" أنّ توصيات مجلس شورى الجامعة غير إلزاميّة، حسب لوائح الجامعة. ومع ذلك فهي تقول إنّ الجامعة تحترم آراء الأساتذة، وسينعقد أكثر من لقاء بين الاساتذة ورئيس الجامعة.
وأضافت أنّ القاعة التي استضافت وزير الخارجيّة لا تتّسع سوى إلى مئتي فرد، لذلك لم تتح لإدارة الجامعة دعوة أعضاء هيئة التدريس كافّة، فضلاً عن الالتزام بتطبيق إجراءات أمنيّة تستوجب عدم إبلاغ أيّ شخص عن الزيارة سوى قبل إتمامها بفترة طويلة، مؤكّدة أنّ الجامعة تستضيف الجميع عملاً بحرّيّة الرأي.
وعمّا إذا كان تجديد الثقة من جانب مجلس الأمناء في ريتشاردوني سيزيد الأزمة، أجابت: "هي ليست قطيعة. الجميع سيتبع الحوار للوصول إلى الحلول الوسطى، وهو تقليد راسخ نتّبعه في الجامعة".
لكنّ الرئيس الأكاديميّ للجامعة الأميركيّة إيهاب عبد الرحمن أكّد في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" :"أنّ إدارة الجامعة تنظر إلى الحرّيّة والتفكير النقديّ كأمر مقدّس، وتتّبعه دوماً في سير العمليّة التعليميّة داخلها"، موضحاً أنّهم كإدارة للجامعة، عليهم دور أكبر في الاستماع إلى أعضاء هيئة التدريس، وعرض الحقائق كافّة التي قد تغيب عنهم.
ودافع عبد الرحمن عن انتقادات أعضاء هيئة التدريس لسياسة الجامعة الأكاديميّة. وقال: "نواكب الحياة الأكاديميّة دوماً بسياسات تجعل الجامعة أكثر استقلالاً، وننظر إلى الجانب الأكاديميّ كأولويّة عن أبعاد الربح الماليّ، من أجل ضمان الاستمراريّة على المدى الطويل".
ووصف عبد الرحمن الخلافات في وجهات النظر بين أعضاء هيئة التدريس ومجلس الأمناء بـ"الشيء الصحّيّ"، معتبراً "أنّ ماحدث يؤكّد أنّنا في مجتمع أكاديميّ مؤمن بأهمّيّة الاختلاف".