القاهرة - ما زالت المفاجآت تتوالى في قضيّة الصحافيّ السعوديّ المفقود جمال خاشقجي. ففي تطوّر خطير للأزمة، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في خطاب له أمام أعضاء حزبه، العدالة والتنمية، في 23 أكتوبر الجاري، إن عملية قتل خاشقجي، خُطط لها قبل أيام من تنفيذها، وأن بلاده لديها أدلة قوية على قتل خاشقجي عمدا و"بوحشية". وطالب أردوغان السعودية بإجابات عن مكان جثة خاشقجي، ومن أمر بعملية القتل.
يأتي ذلك في الوقت الذي اعترفت فيه السعودية، رسمياً، في 20 أكتوبر، بمقتل خاشقجي «نتيجة شجار» داخل قنصليتها في مدينة إسطنبول، بعد إصرارها على مدار 18 يوماً، على أنه "لم يُقتل، وخرج من القنصلية حياً"!.
إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعد محاولات عدة للدفاع عن المملكة، منذ اختفاء خاشقجي في 2 أكتوبر، شكك في الرواية السعودية التي تقول أن خاشقجي توفى نتيجة شجار داخل القنصلية في تصريحات لصحيفة "USA Today"، في 22 أكتوبر، حيث قال إنه مقتنع بأن هذه كانت «مؤامرة باءت بالفشل». وإنه غير راض بما سمعه من السعودية.
ومنذ أزمة اختفاء الصحافيّ السعوديّ، سارعت دول العالم إلى التعقيب على الحادث، حيث أعرب بعضها عن قلقه البالغ، وطالب بـ"تحقيق موثوق" مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وأعلنت أخرى في شكل واضح وصريح دعمها الكامل للمملكة العربيّة السعوديّة ضدّ حملة التشويه والاستهداف السياسيّ، حيث قال وزير الدولة للشؤون الخارجيّة لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة أنور قرقاش في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر"، في 11 أكتوبر، إنّ الحملة الشرسة على الرياض متوقّعة، وإنّ تداعيات الاستهداف السياسيّ للسعوديّة ستكون وخيمة على من يؤجّجها، ويبقى أنّ نجاح السعوديّة هو الخيار الأوّل للمنطقة وأبنائها. فيما قال وزير قال وزير خارجيّة البحرين خالد بن حمد آل خليفة، في تغريدة له أيضاً، إنّ بلاده تدعم السعوديّة، وإنّ الهدف هو المملكة العربيّة السعوديّة، وليس البحث عن أيّ حقيقة، وأضاف: "ارموا أقنعتكم فنحن معها بأرواحنا".
إلّا أنّ مصر فضّلت الصمت التامّ، من دون تعليق أو تصريح أو إبداء رأي، منذ بداية الأزمة في 2 تشرين الأوّل/أكتوبر، واكتفت بتسخير إعلامها لدعم المملكة العربيّة السعوديّة، حيث اعتبرت صحيفة اليوم السابع، المعروفة بتأييدها للنظام، في 8 أكتوبر، أنّ ما حدث ما هو إلّا مؤامرة قطريّة جديدة على السعوديّة، وأنّ خاشقجي صحافيّ إخوانيّ الهوى والعقيدة.
وفي 14 تشرين الأوّل/أكتوبر، نشرت وكالة الأنباء السعوديّة الرسميّة. على لسان مصدر مسؤول، تصريحات شديدة اللهجة، تؤكّد فيها رفضها التامّ لأيّ تهديدات، وتشكر وقفة الأشقّاء في وجه حملة الادّعاءات والمزاعم الباطلة، لتخرج مصر، بعد هذه التصريحات، عن صمتها، وتصدر بياناً حذراً، مساء اليوم ذاته، في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر، عبر وزارة الخارجيّة، على صفحتها الرسميّة على موقع التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك"، تؤكّد فيه أهمّيّة الكشف عن حقيقة ما حدث في إطار تحقيق شفّاف، مع التشديد على خطورة استباق التحقيقات وتوجيه الاتّهامات جزافاً.
وقال المتحدّث الرسميّ باسم رئاسة الجمهوريّة بسّام راضي خلال حوار مع قناة روسيا اليوم، في 16 تشرين الأوّل/أكتوبر، إنّ "قضيّة الصحافيّ السعوديّ جمال خاشقجي قضيّة دوليّة هامّة، ولها أبعاد خطيرة"، من دون ذكر أيّ تفاصيل.
ويبدو أنّ مصر حاولت إرضاء المملكة العربيّة السعوديّة، خوفاً من تدهور العلاقات بينهما، في الوقت الذي حاولت الحفاظ على حياديّتها، فهل ضغطت المملكة العربيّة السعوديّة على مصر لدعمها؟ وهل اضطرّت إلى إعلان رفضها "تسييس" القضيّة خوفاً من تأثّر العلاقات وتدهورها؟
يقول أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة في تصريحات إلى "المونيتور" «إنّ مصر حاولت التزام الحياد في تلك القضيّة، ورفضت إصدار بيان تدافع فيه عن المملكة فور وقوع الحادث، كما فعلت الإمارات العربيّة المتّحدة أو البحرين، خوفاً على سمعتها الدوليّة، حتّى لا تظهر في موقف "التابع" إلى المملكة، فآثرت الصمت، واكتفت بتسخير إعلامها لدعم المملكة، ثمّ أصدرت بياناً متأخّراً يدعو إلى انتظار نتائج التحقيقات، وهي بهذا الاتّجاه، حاولت أن تمسك العصا من المنتصف».
وبسؤاله عن موقف مصر في حال ثبوت إدانة المملكة العربيّة السعوديّة، قال نافعة: "أتوقّع ألّا تهاجم مصر المملكة، وأن تأخذ موقفاً موالياً لها. مصر، في عهد جمال عبد الناصر، تختلف عن مصر في عهد عبد الفتّاح السيسي، العصور مختلفة، ومصر تعاني من اقتصاد منهك وأوضاع سياسيّة صعبة، لا تستطيع أن تقول ما تريد كما كان يحدث من قبل".
فيما قال عضو تكتّل 25/30 في مجلس النوّاب هيثم الحريري، في تصريحات إلى "المونيتور"، إنّ المملكة العربيّة السعوديّة تملك العديد من أوراق الضغط التي لا تستطيع مصر الصمود أمامها، من بينها الاستثمارات السعوديّة التي تقدّر بالمليارات في مصر، فضلاً عن العمالة المصريّة لديها، حيث تتصدّر السعوديّة الدول التي تحتضن العمالة المصريّة، وإذا سحبت السعوديّة استثماراتها أو استغنت عن العمّال المصريّين، فهذا الأمر يؤدّي إلى عواقب اقتصاديّة وخيمة لا تستطيع مصر الصمود أمامها.
ويبلغ حجم الاستثمارات السعوديّة في مصر، طبقاً لما أعلنه رئيس الاتّحاد العامّ للغرف التجاريّة في مصر أحمد الوكيل، خلال فعاليّات الاجتماع الثاني لمجلس الأعمال المصريّ-السعوديّ، في 2 شباط/فبراير الماضي، 27 مليار دولار، لتحتلّ المركز الأوّل في قائمة الاستثمارات العربيّة في مصر.
وقال الوكيل إنّ الاستثمارات السعوديّة في مصر تتمثّل في 2900 مشروع موزّعة على القطاعات الإنتاجيّة والخدميّة كافّة.
ويبلغ عدد المصريّين المقيمين في المملكة 2.9 ملايين مصريّ، بما يعادل 46% من إجمالي عدد المصريّين المقيمين في الدول العربيّة، وذلك طبقاً لتعداد سكّان مصر في عام 2017، الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وأكمل«الحريري»: "لا يمكننا التغافل أيضاً عن الدعم البتروليّ لمصر، حيث سبق وأوقفت شركة أرامكو السعوديّة الحكوميّة تصدير النفط إلى مصر، في أعقاب الأزمة الدبلوماسيّة بين البلدين في خصوص الأزمة السوريّة، بهدف الضغط على مصر لتغيير موقفها".
وفي 7 نوفمبر 2016، أبلغت شركة أرامكو السلطات المصريّة المختصّة، رسميا، بالتوقّف عن إمدادها بالمواد البتروليّة "حتّى إشعار آخر". ثم استأنفت أرامكو تصدير الشحنات البترولية لمصر في 15 مارس 2017.
يأتي ذلك في أعقاب تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسيّ في مجلس الأمن الدوليّ في شأن الأزمة السوريّة في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر، حيث قال مندوب السعوديّة لدى الأمم المتّحدة عبدالله المعلّمي، عقب تصويت مصر: "كان مؤلماً أن يكون الموقف السنغاليّ والماليزيّ أقرب إلى الموقف التوافقيّ العربيّ من موقف المندوب العربيّ (المصريّ)... ولكن أعتقد أنّ السؤال يوجّه إلى مندوب مصر".