مدينة غزّة - في الضفّة الغربيّة، تستعر حرب مكافحة اقتناء الفلسطينيّين شرائح الاتصالات الإسرائيليّة، إذ أعلنت الشرطة الفلسطينيّة في 27 حزيران/يونيو الماضي عن ضبط 100 شريحة اتصال إسرائيليّة مهرّبة كانت في داخل مركبة بمدينة دورا في جنوب محافظة الخليل - جنوب الضفّة الغربيّة.
وكانت النيابة العامّة الفلسطينيّة قد أصدرت في نيسان/إبريل من عام 2017 قراراً بمنع كلّ المحال التجاريّة ونقاط خدمات الاتصالات في الضفّة الغربيّة من حيازة شرائح شركات الاتصالات الإسرائيليّة وتداولها وبيعها.
ويتكبّد الاقتصاد الفلسطينيّ خسائر كبيرة، نتيجة انتشار شرائح الاتصالات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة، إذ قال وكيل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينيّة سليمان الزهيري لـ"المونيتور": "إنّ استمرار انتشار الشرائح الإسرائيليّة في السوق الفلسطينيّة، كبّد الاقتصاد الفلسطينيّ خسائر بلغت بين 450 مليون دولار ومليار ومئة مليون دولار خلال الثلاث سنوات الماضية".
أضاف: "إضافة إلى ذلك، تخسر السلطة الفلسطينيّة نحو 90 مليون شيقل سنويّاً (نحو 25 مليون دولار)، كضرائب كان من المفترض أن تذهب لصالح الخزينة الفلسطينيّة، إذ أنّ الشركات الإسرائيليّة لا تدفع أيّ ضرائب أو التزامات ماليّة إلى السلطة، مقابل الخدمات التي تبيعها للفلسطينيّين".
وتصل إشارة الإرسال الخاصّة بشركات الاتصالات الإسرائيليّة قويّة إلى هواتف الفلسطينيّين في كلّ محافظات الضفّة الغربيّة، نظراً لانتشار أبراج تقوية الإشارة التي تضعها تلك الشركات في المستوطنات الإسرائيليّة المنتشرة في الضفّة.
وأوضح سليمان الزهيري أنّ حصّة الشرائح الإسرائيليّة في السوق الفلسطينيّة بلغت 20 في المئة من حجم سوق الاتصالات الخلويّة الفلسطينيّة، وهو ما يعادل وجود مشغّل ثالث، إلى جانب الشركتين العاملتين حاليّاً "جوّال" و"الوطنيّة موبايل".
ويبلغ عدد مشتركي شركة "جوّال" 3.003 ملايين مشترك، فيما يبلغ عدد مشتركي شركة "الوطنيّة موبايل" 1.205 مليون مشترك، وفقاً للنتائج الماليّة للربع الأوّل من عام 2018، التي أفصحت عنها الشركتان في أيّار/مايو الماضي.
ورغمبدءعمل شركات الاتصالات الفلسطينيّة في كانون الثاني/يناير من عام 2018 بتقديم خدمات الجيل الثالث التي تتيح استخدام برامج التواصل والمحادثات والمتصفّحات على الهاتف المتنقّل من دون الحاجة إلى خدمة الإنترنت اللاسلكيّ، إلاّ أنّ إقبال الفلسطينيّين على اقتناء شرائح الاتصالات الإسرائيليّة لم يتوقّف.
وأشارت الفتاة ريم الزعنون (23 عاماً) من مدينة رام الله في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّها تفضّل اقتناء شريحة اتصالات إسرائيليّة عن الفلسطينيّة، بسبب تقديمها خدمة ذات جودة أفضل بتردّد 4G خلال تواصلها مع صديقاتها عبر برامج محادثات الإنترنت المختلفة، وبأسعار أقلّ من أسعار الشركتين الفلسطينيّتين، اللتين تقدّمان خدماتهما بتردّد 3G.
وأجرت ريم الزعنون مقارنة بين أسعار الخدمات التي تقدّمها شركتا "جوّال" الفلسطينيّة و"سيلكوم" الإسرائيليّة، وقالت: "جوّال تقدّم حزمة 20 جيجابايت من الإنترنت بخدمة 3G مقابل 100 شيقل شهريّاً (28 دولاراً)، فيما شركة سيلكوم الإسرائيليّة تمنح حزمة 50 جيجابايت من الإنترنت بخدمة 4G، مقابل 69 شيقلاً فقط شهريّاً (20 دولاراً)".
وأوضحت أنّ بيع هذه الشرائح لا يتمّ بشكل علنيّ في الأسواق الفلسطينيّة، إنّما من خلال وسطاء ثقة بين الزبائن والتجّار، وغالباً ما يكون أولئك الوسطاء من دائرة الأصدقاء، الذين لديهم علاقات جيّدة مع تجّار هذه الشرائح ومهرّبيها.
وكان الرئيس التنفيذيّ لمجموعة الاتصالات الفلسطينيّة عمّار العكر قد وعد خلال مقابلة مع "راديو أجيال”في 24 كانون الثاني/يناير الماضي، بإجراء شركة "جوّال" (إحدى شركات المجموعة) مراجعات دائمة على الأسعار والحملات المعلنة لخدمة الجيل الثالث، "بما يحقّق الهدف الاستراتيجيّ المتمثل بتنظيف السوق الفلسطينيّة من شرائح الاتصال الإسرائيليّة".
وأشار المحلّل الاقتصاديّ محمّد أبو جياب إلى أنّ عدم دفع شركات الاتصالات الإسرائيليّة أيّ ضرائب للسلطة على خدماتها التي تقدّمها في الضفّة الغربيّة بشكل غير شرعيّ أيّ من دون موافقة السلطة، منحها مساحة واسعة لتقديم خدماتها بأسعار أقلّ من أسعار الخدمات التي تقدّمها الشركتان الفلسطينيّتان، الأمر الذي يجعلها مفضّلة بين الفلسطينيّين.
وإلى جانب الحدّ من الخسائر الاقتصاديّة، قال محمّد أبو جياب: ثمّة هدف آخر تسعى السلطة إلى تحقيقه من وراء محاربة شرائح الاتصالات الإسرائيليّة، هو القدرة على التعامل مع أيّ جريمة إلكترونيّة أو عمليّة ابتزاز قد يرتكبها أيّ مواطن باستخدام هذه الشرائح، إذ أنّ السلطة لا تستطيع التعرّف على أصحاب هذه الشرائح.
وبالعودة إلى الزهيري، فقال: "إنّ الاحتلال يحاصر قطاع الاتصالات الفلسطينيّة في محاولة لضرب الاقتصاد الفلسطينيّ من خلال السماح لشركاته بالتغلغل في السوق الفلسطينيّة".
وأوضح أنّ إطلاق خدمات الجيل الثالث في الأراضي الفلسطينيّة ساهم في تقليص حجم الفجوة بين جودة خدمات شركات الاتصالات الفلسطينيّة والإسرائيليّة، "ولكن الأخيرة تبقى الأفضل من حيث جودة الخدمة، بسبب عملها بتردّدات الجيل الرابع، وهي جودة أفضل بـ3 أضعاف من خدمات الجيل الثالث".
ولفت الزهيري إلى أنّ وزارته تبذل قصارى جهدها، بالشراكة مع كلّ الجهات المختصّة كالشرطة والضابطة الجمركيّة، لوقف تسريب الشرائح الإسرائيليّة إلى الأسواق الفلسطينيّة.
وقال مدير العلاقات العامّة والإعلام في الضابطة الجمركيّة لؤي بني عودة لـ"المونيتور": "خلال عام 2017، تمّت مصادرة نحو 8 آلاف شريحة اتصال إسرائيليّة من خلال حملات منع تهريبها".
وعن الإجراءات المتّبعة بحقّ مهرّبي شرائح الاتصالات الإسرائيليّة، قال لؤي بني عودة: "عند ضبط هذه الشرائح، تتمّ مصادرتها وتحويل القضيّة إلى النيابة العامّة، التي ترفعها إلى المحاكم الفلسطينيّة".
وأشار إلى أنّ عام 2017 شهد رفع 46 قضيّة ضدّ تجّار ومهرّبين خضعوا لعقوبات مختلفة، من بينها دفع غرامات ماليّة تصل إلى حدّ السجن، وقال: "في هذا العام، وضعنا على أنفسنا عهداً بمواصلة محاربة هذه الشرائح والحدّ من انتشارها إلى أدنى درجة ممكنة، وهذا ما نصرّ على إنجازه".
وبالنّسبة إلى أبو جياب فقال: إنّ ثمّة تحدّيات تقف أمام السلطة لتنظيف السوق الفلسطينيّة من شرائح الاتصال الإسرائيليّة، أهمّها عجزها عن العمل في المناطق المصنّفة (ج) التي تبلغ مساحتها 60 في المئة من مساحة الضفّة الغربيّة والخاضعة للسيطرة الأمنيّة والإداريّة الإسرائيليّة.
أضاف: "أعتقد أنّ الحلّ الأمثل لتحقيق هذه الغاية يكون بتعزيز ثقة المواطن بشركتيّ جوّال والوطنيّة موبايل من خلال تقديم عروض أسعار أفضل تنافس أسعار الشركات الإسرائيليّة".