حلب: كان سامر الحوراني الذي يبلغ 35 عاماً سائق سيارة أجرة منذ 12 عاماً إلى أن تعرّض إلى إصابة إثر قصف سابق على محافظة درعا من قبل قوّات النظام السوريّ صيف عام 2014 أدت إلى بتر ساقيه.
وقد قال الحوراني لـ"المونيتور": "تعرّضت إلى إصابة إثر قصف جوّيّ استهدف المكان الذي كنت أعيش فيه في مدينة داعل في ريف درعا، الإصابة أسفرت عن بتر ساقيّ، وأصبحت عاطلاً عن العمل في شكل كامل، بعدما كنت أعمل كسائق حافلة، لدي عائلة يجب أن أعيلها، ومن دون عمل، وفي ظلّ هكذا ظروف لا أستطيع جني المال، سمعت عن مركز فرح من قبل الأصدقاء وبادرت فوراً للانضمام إلى المركز لتعلّم حرفة ما تعينني على كسب لقمة العيش".
منظّمة فرح لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصّة وإصابات الحرب، هي منظّمة إنسانيّة مستقلّة تعمل في محافظة درعا في جنوب سوريا في مجال التنمية والتعليم والإغاثة، وتسعى منذ مطلع آذار/مارس من العام الجاري على تقديم التعليم المهنيّ والدعم النفسيّ لذوي الاحتياجات الخاصّة ومصابي الحرب بحيث يتمكّن المعاقون ومصابو الحرب من دخول سوق العمل بما يتلاءم مع إصاباتهم.
وأضاف الحوراني: "اخترت مجال صيانة الهواتف المحمولة، كون هذه الحرفة منتشرة في شكل واسع في سوريا، وبدأت بالإلمام بمبادئ الحرفة شيئاً فشيئاً". حوراني متزوج وأب لثلاث أولاد وهو يتابع اليوم دورة تدريبية تمتد على 5 أشهر وتستمر إلى تموز/يوليو.
وتابع: "حتّى نهاية الدورة الحاليّة، أعتقد أنّني سأتمكّن من العمل في مكان ما في مجال صيانة الهواتف المحمولة، أو حتّى من الممكن أن أفتتح مركزي الخاصّ لصيانة الهواتف المحمولة، فيما لو تمكّنت من ذلك، أصبحت الأمور حاليّاً أسهل نوعاً ما بالنسبة إليي قياساً بالوضع الذي كنت عليه خلال الأشهر الماضية، لا أحد يرغب في شخص معاق لكي يعمل معه، وهذه الحرفة لا تحتاج إلى قدمين، وإنّما تحتاج إلى يدين وعقل سليم، ونوعاً ما إلى الانتباه والممارسة الفعليّة".
تعيش محافظة درعا في جنوب سوريا هدوءاً نسبيّاً إثر الهدنة التي أبرمت بين الفصائل العسكريّة المسلّحة المعارضة، وقوّات النظام السوريّ، برعاية روسيّة-أميركيّة-أردنيّة في شهر تمّوز/يوليو من العام المنصرم، واستغلّت منظّمات العمل المدنيّ هذه الهدنة من أجل القيام بمهام من شأنها تأهيل مصابي الحرب المتعرّضين إلى إعاقات مختلفة جرّاء القصف.
وقد كشفت في هذا الإطار منظّمة الصحّة العالميّة والمنظّمة الدوليّة للأشخاص ذوي الإعاقة بحسب تقرير في شهر كانون الأوّل/ديسمبر من العام المنصرم أنّ هناك 30 ألف مصاب شهريّاً بسبب الحرب في سوريا. وذكر التقرير أنّ الحرب خلّفت مليوناً ونصف المليون مصاب بإعاقات دائمة من أصل 3 ملايين شخص أصيبوا منذ اندلاع الحرب في سوريا، وأشار التقرير إلى أنّ 86 ألف شخص من بين مجمل المصابين، أدّت إصاباتهم إلى بتر أطرافهم.
وقد افتتحت منظمة فرح في مطلع آذار / مارس مركزا في محافظة درعا في جنوب سوريا، تحديداً في مدينة نمر تحت شعار "من الصعب هزيمة إنسان إن لم يهزمه اليأس من داخله"، وتقدّم المنظّمة خدمات إلى 700 شخصاً من أبناء محافظة درعا، كدورة أولى مدّتها 5 أشهر بدأت منذ مطلع شهر آذار/مارس، وتستهدف الدورة الثانية العدد نفسه من أبناء محافظة القنيطرة المحاذية لمحافظة درعا في جنوب سوريا، وسوف تنطلق مع مطلع شهر آب/أغسطس المقبل، ويقوم على المركز مجموعة من المختصين المهنيين من أبناء محافظة درعا.
وفي هذا الصدد، قال مدير الموارد البشريّة في منظّمة فرح يوسف أبو يعقوب لـ"المونيتور: "تتضمّن المنظمة مجموعة أقسام، مركز التعليم المهني والدعم النفسي يستهدف حوالى 700 مستفيد مقسّمين على دورتين، كلّ دورة مدّتها 5 أشهر، وكلّ دورة تستوعب حوالى 350 مستفيداً، منهم 247 شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصّة والمتعرّضين إلى إصابات الحروب (122 إصابة حرب، 125 ذوي احتياجات خلقية)، و103 شخص أصحّاء يعتبرون مرافقين لأصحاب الإصابات أو الإعاقات، باعتبار أنّ الأشخاص المصابين لا يستطيعون المجيء بمفردهم، وبالتالي نحن أيضاً نستغلّ وجودهم معنا ونستهدفهم بنوع من أنواع التدريب المهنيّ".
وأضاف يوسف: "حاليّاً، بدأت الدورة الأولى منذ 4 أشهر، وبقي منها شهر، الاختصاصات الموجودة ضمن هذه الدورة هي الخياطة النسائيّة، الخياطة الرجّاليّة، الحلاقة النسائيّة، الحلاقة الرجاليّة، الحرف اليدويّة لكلا الجنسين، إضافة إلى صيانة أجهزة الهاتف المحمول، وأجهزة الكمبيوتر، وصيانة الأجهزة الكهربائيّة، وتعليم تقنيّات الحاسوب ومهاراته، ويوجد لدينا أيضاً قسم للدعم النفسيّ، كون هؤلاء الأشخاص تعرّضوا إلى صدمات نفسيّة وإعاقات، قسم منهم بسبب إصابات الحروب، والقسم الآخر بسبب التشوّه الخلقيّ منذ الولادة، لذلك قسم الدعم النفسيّ يساعد هؤلاء للخروج من أزماتهم في حين احتاج الأمر".
يرى المتدربون في منظّمة فرح أنّ برنامج المركز في إعادة تأهيلهم سيساعدهم كثيراً للخروج من مصاعب الحياة في سوريا، لا سيّما في ظلّ الحرب والضائقة الاقتصاديّة التي تعيشهما البلاد بسبب الحرب المستعرة فيها منذ أكثر من 7 سنوات، فالإعاقة كانت غالباً سبباً في إنهاء حياة الإنسان العمليّة، ووجودهم في مركز التأهيل سيساعدهم في شكل كبير على العودة إلى سوق العمل ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع ومعيلين لأنفسهم وعائلاتهم مهما كان نوع الإعاقة التي تعرّضوا إليها.