تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

صناعة المشحوف السومريّ تندثر في بلاد الرافدين

تندثر إحدى أعرق الصناعات التراثيّة في العراق، إذ لم يتبق من ورش صناعة "المشحوف السومريّ" سوى بضع عشرات في أنحاء البلاد.
Iraqis hold guns as they hunt at in the Chibayish marshes near the southern Iraqi city of Nassiriyah on September 13, 2016.
UNESCO has named Iraqi marshlands once ravaged by dictator Saddam Hussein as a World Heritage Site, a bright spot for a country where jihadists have repeatedly sought to wipe out history.

 / AFP / Haidar HAMDANI        (Photo credit should read HAIDAR HAMDANI/AFP/Getty Images)

تحدّث رزاق جبار صاحب زورق "المشحوف" بفخر في 25 آذار/مارس من عام 2018 عن اصطحابه رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي في جولة بالزورق أثناء زيارته في 14 أيلول/سبتمبر من عام 2017 لهذه المسطّحات المائيّة التي دخلت لائحة التراث العالميّ في 18 يوليو/تمّوز من عام 2016.

هذا الصانع اليدويّ للزوارق، هو "واحد من بين الخمسين صانعاً المتبقّين لهذه المراكب التقليديّة الصنع، بعد انحسار أعدادهم في مناطق جنوب العراق، حيث حافظت وسائط النقل النهريّة على وجودها إلى الآن، متحدّية التقنيّات الحديثة في صناعة المراكب"، وفق رئيس منظّمة الجبايش للسياحة رعد حبيب الأسدي، الذي قال أيضاً لـ"المونيتور": "إنّ الصنّاع المهرة لـ"المشاحيف" في تناقص مستمرّ، ولم يتبق منهم سوى بضع عشرات يتوزّعون في مناطق الجبايش، البصرة، الحلّة، والكوفة، حيث تتواجد الأنهر العريضة والمستنقعات".

أضاف: "ترصد منظّمتنا اضمحلال هذه الصناعة التراثيّة، وكيف يهجرها صنّاعها بحثاً عن أعمال أخرى، في وقت تتناقص فيه مناسيب المياه ويزداد جفاف الأنهر والمستنقعات".

وتابع: "أطلقت المنظّمة عبر وسائل الإعلام التحذيرات من اندثار المشحوف السومريّ ولم نلق تجاوباً".

ويعود تاريخ المشحوف السومريّ إلى الحضارة السومريّة، التي بزغت في العراق قبل نحو 5 آلاف عام قبل الميلاد، حيث صنع صنّاع سكّان العراق القديم المشاحيف من مادّة القار المستخدمة في الوقت الحاضر أيضاً.

وأشار رعد الأسدي إلى أنّ "صناعة القوارب انحسرت بشكل واضح منذ عمليّات تجفيف الأهوار في ثمانينيّات القرن الماضي من قبل الدولة، التي سعت الى إخراج المعارضين الذين يختبئون وسط غابات القصب والبردي في الأهوار، الأمر الذي اضطرّ الأهالي إلى الهجرة. ومع جفاف الكثير من الأهوار والأنهر في أنحاء العراق بسبب انخفاض مناسيب المياه، اختفى الكثير من الورش الخاصّة بهذه الصناعة التراثية".

وقد تم تخفيض مساحة 7700 ميل مربع إلى 3500 ميل مربع في السبعينيات و 290 ميل مربع في التسعينيات، بعد اجراءات صدام.

وقادنا الأسدي الى إحدى الأسر العريقة في ممارسة هذه المهنة منذ عشرات السنين، بمنطقة الجبايش، وهي أسرة آل كنبر، حيث قال علي كنبر، وهو أحد أبنائها: "إنّ اخشاب التوت والسدر والجاوي المقاومة للماء وملحقات القصب والبردي التي تنمو في الأهوار، تشكّل هيكل المشحوف، فيما حلّت مادّة الفايبرغلاس الصناعيّة أيضاً في بناء البلم، بعد أن كان يبطّن بالقطن الذي يملأ الفراغات بين الألواح الخشبيّة المقوّسة التي ترسم شكل المشحوف الانسيابيّ، لتطلى بعد ذلك بالقار والزيوت التي تحول دون تسرّب الماء والرطوبة إلى بطن الزورق".

واشتهرت مناطق الأهوار وأنهار وسط العراق وجنوبه، بأنواع عدّة من المراكب يميّزها الناس من خلال شكلها وطريقة صنعها، ومنها: "البلم المشحوف" لنقل الأغراض المختلفة، "الكعد" لنقل الناس، "السمكي" لصيد الأسماك، و"بلم الجلبوت" للنزهات النهريّة.

"لم تنقص أعداد المشاحيف فحسب، بل صغرت أحجامها أيضاً"، وفق علي كنبر الذي قال: "لقد انتفت الحاجة إليها في الكثير من عمليّات نقل الأغذية ومنتجات الزراعة ونقل الحيوانات، وحلّت محلّها المركبات التي تصل إلى أقصى الأنحاء. كما حلّت الزوارق التي تعمل بالوقود محلّ التقليديّة، الأمر الذي أطاح بصناعتها التي تتطلّب جهداً ووقتاً وأخشاباً خاصّة ومهارات نادرة".

وفي منطقة "كريطعة" في الحلّة مركز محافظة بابل (وسط) "لم يتبق من الورش المحليّة لبناء القوارب التي تجوب مياه نهر الحلّة، سوى 4"، بحسب البلام والحرفيّ في صناعتها حسين الخفاجي، الذي قال لـ"المونيتور": "إنّ المدينة كانت تعجّ بقوارب الصيد والنزهة التي تصنعها تلك الورش".

أضاف: "ينتشر في بابل، النوع المعروف باسم البلم، الذي يستخدم للنزهة النهريّة والصيد، وتبلغ تكاليف صناعته بين 500 و1000 دولار، فيما يصل سعر بعض الأنواع إلى 4 آلاف دولار".

وبالقرب من نهر الكوفة، أحد فروع نهر الفرات (جنوب)، لم يتبق من الورش الكثيرة في صناعة المراكب، سوى 4 ورش، وفق الشيخ حيدر الكوفي، الذي تعلّم المهنة من أسرته التي أتقنت المهارات منذ نحو 200 عام، وقال لـ"المونيتور": "إنّ نهر الكوفة شاهد على الآلاف من المراكب التي صنعتها الورش المحليّة".

أضاف: "لقد بات ذلك جزءاً من الماضي، حين كان شارع الكورنيش يضمّ نحو 30 ورشة لصناعة المشاحيف، ولم يتبق الآن سوى نحو 10 من المهنيّين الذين يتقنون هذه الصناعة".

وتابع قوله بألم: "نحن نصنع اليوم بالكاد بين نحو 4 و5 زوارق بسبب قلّة الإقبال عليها".

من جهتها، أشارت رئيسة اللجنة الزراعيّة والعضو في مجلس محافظة بابل سهيلة عبّاس في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ هناك أسباباً أخرى لانحسار هذه الصناعة التراثيّة، منها "انتفاء الحاجة إليها بحكم تطوّر وسائل النقل الأخرى"، معتبرة أنّ "انخفاض مناسيب الأنهر أدّى إلى تقلّص أعداد الصيّادين وانتفاء الحاجة إلى نقل المنتجات الزراعيّة بواسطتها"، وقالت: "لن يمضي وقت طويل حتّى تختفي هذه الورش تماماً، الأمر الذي يستدعي تدخّل الجهات المعنيّة بالصناعات التراثيّة لتدارك الأمر، قبل أن يصبح المشحوف مجرّد ذكرى في المتاحف".

وانسجم عضو لجنة السياحة والآثار في البرلمان العراقيّ عبد الهادي موحان السعداوي في حديث لـ"المونيتور" مع القلق الذي أبداه المتحدّثون في التقرير، من احتمال اختفاء أحد رموز الماء والأهوار، وهو المشحوف، إذ قال: "إنّ انخفاض الحاجة إلى هذا النوع من المراكب في الكثير من المناطق التي تمرّ بها الأنهر، يجعل من ورش صناعتها واجهة تراثيّة جديرة بالدعم والتطوير من قبل الجهات التراثيّة في وزارة الثقافة".

أضاف موحان السعداوي: "على وزارة الصناعة دعم أصحاب المهارات والحرفيّين وتشجيعهم على الاستمرار في ممارسة المهنة وتطوير الابتكار فيها، لأنّها تمثّل رمزاً وطنيّاً تاريخيّاً عمره نحو 5 آلاف سنة. وإنّ المشحوف المستخدم في الأهوار اليوم هو مشحوف حضارة سومر وبابل ذاته، في الشكل والموادّ الأوليّة، كما تُظهر الرسوم والآثار التاريخيّة ذلك".

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise AI-driven

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

All premium Industry Newsletters - Monitor the Middle East's most important industries. Prioritize your target industries for weekly review:

  • Capital Markets & Private Equity
  • Venture Capital & Startups
  • Green Energy
  • Supply Chain
  • Sustainable Development
  • Leading Edge Technology
  • Oil & Gas
  • Real Estate & Construction
  • Banking

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in

Start your PRO membership today.

Join the Middle East's top business and policy professionals to access exclusive PRO insights today.

Join Al-Monitor PRO Start with 1-week free trial