موسكو — بعد ساعات من إعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب عن رحيل إتش آر ماكماستر كمستشار للأمن القوميّ ليحلّ محلّه جون بولتون، الذي ينتقد منذ زمن إيران، والعراق، وروسيا، وكوريا الشماليّة ودولاً أخرى، كانت روسيا من أولى الدول التي تفاعلت مع الخبر.
ومع أنّ بعض المسؤولين الروس كانوا حذرين في ردّة فعلهم وأعربوا عن استعدادهم للتعاون مع واشنطن بغضّ النظر عن الأشخاص الذين يعيّنهم ترامب لتولّي مناصب رئيسيّة خاصّة بالسياسة الخارجيّة، أوضح آخرون أنّ موسكو تشعر بالقلق إزاء مسار السياسة الخارجيّة الأميركيّة في الأشهر القليلة الماضية. وإنّ بولتون، الذي عُيّن لتولّي المنصب في 22 آذار/مارس – قرابة الذكرى الخامسة عشرة لبداية الحملة الأميركيّة في العراق – أيّد تلك الحرب وما زال يؤيّدها. وبالتالي، فإنّ أقلّ ما يقال عنه هو أنّه شخصيّة مثيرة للجدل.
وكتب السيناتور الروسيّ ورئيس لجنة مجلس الاتّحاد للسياسة الإعلاميّة، أليكسي بوشكوف، في تغريدة في 23 آذار/مارس أنّ "بولتون، إلى جانب بوش، وتشيني ورامسفيلد، كان مؤيّداً شرساً للحرب في العراق ومؤيّداً للجهاديّين من أجل الإطاحة [بالرئيس السوريّ بشار الأسد]، ومتخصّصاً بارزاً في التدخّلات والعدوان، وخبيراً في استخدام القوّة". وقد عنى بتصريحه هذا الرئيس السابق جورج بوش الابن، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد.
وقال بوشكوف، الناشط أيضاً في مسائل السياسة الخارجيّة الروسيّة، إنّ ترامب أقال ماكماستر، وهو من "الصقور"، ليعيّن مكانه جون بولتون، وهو من "الصقور المتطرّفين والمحافظين الجدد". وأضاف أنّ "ماكماستر هو جنرال، أمّا بولتون فهو من الداعين إلى حرب باردة جديدة ومعارض شرس لروسيا".
وقال للمونيتور الخبير في السياسة الأميركيّة في أفغانستان والشرق الأوسط، جورجي أساتريان، إنّ تعيين بولتون لتولّي هذا المنصب الرئيسيّ في الإدارة يدلّ على "تعاظم اتّجاه محافظ جديد في السياسة الخارجيّة الأميركيّة".
وعلى الرغم من ميل ماكماستر إلى سياسة الصقور، اعتُبر ميّالاً إلى الاعتدال في البيت الأبيض في عهد ترامب.
وقال أساتريان إنّ "بولتون هو نقيض للجنرال المعتدل ماكماستر. ونظراً إلى سيرة بولتون ومواقفه، يمكننا تصوّر النصائح التي قد يقدّمها إلى ترامب. أضف إلى ذلك أنّ [مدير وكالة المخابرات المركزيّة مايك] بومبيو، الذي يتمتّع بمواقف مشابهة، سيتولّى منصب وزير الخارجيّة، وبالتالي فإنّ ميل واشنطن إلى سياسة المحافظين الجدد واضح وبديهيّ. هذا لا يعني أنّ الولايات المتّحدة ستقصف إيران وكوريا الشماليّة غداً، لكنّ احتمال اتّخاذ قرارات صارمة، إن لم تكن متطرّفة، ازداد بشكل كبير".
وتتعلّق مخاوف موسكو الأساسيّة الناجمة عن تعيين بولتون – وأيضاً عن ترشيح بومبيو المثير للجدل كخلف لوزير الخارجيّة ريكس تيلرسون (الذي لم يؤكّده مجلس الشيوخ بعد) – بالمسائل الآتية: طريقة تعامل بولتون مع التوتّر الأميركيّ الروسيّ المتصاعد، ومستقبل الصفقة النوويّة الإيرانيّة، وأرجحيّة نجاح المحادثات مع كوريا الشماليّة، والتغيير المحتمل للمسار في سوريا، ونصائح بولتون لترامب في ما يتعلّق بالتعامل مع الصين.
وقد علّق نائب وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي ريابكوف على التعيين الذي سيدخل حيّز التنفيذ في 9 نيسان/أبريل.
نقلت وكالة "ريا" للأنباء عن ريابكوف قوله: "نتابع التعيينات في الإدارة عن كثب. ونحن جاهزون للعمل بشكل بنّاء من أجل حلّ المسائل المتراكمة في علاقاتنا الثنائيّة في مجالي الأمن الدوليّ والاستقرار الاستراتيجيّ، بالإضافة إلى عدد من الأزمات والنزاعات الإقليميّة". يشار إلى أنّه يشاع في أوساط السياسة الخارجيّة في موسكو أنّ ريابكوف هو من بين الأسماء التي يُحتمل أن تخلف وزير الخارجيّة سيرغي لافروف في الحكومة الجديدة التي سيعلنها الرئيس فلاديمير بوتين بعد تنصيبه في شهر أيار/مايو.
وقد علّق على التعيين في وقت لاحق المتّحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قائلاً: "بالنسبة إلى تعيين بولتون، هذا من دون شكّ حقّ للرئيس الأميركي. وهو ليس من شأننا طبعاً. [كلّ] ما نأمله هو أن تضمّ القيادة الأميركيّة مزيداً من الأشخاص القادرين على الابتعاد عن موجة رهاب روسيا التي ضربت بلداناً كثيرة، من بينها الولايات المتّحدة".
رحّب عدد قليل من المعلّقين في موسكو بتعيين بولتون، معتبرين في الوقت عينه أنّ ترامب سيصبح أكثر ميلاً الآن إلى الانسحاب من خطّة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، التي تمّ التفاوض بشأنها في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
وكتب قسطنطين فون إيغيرت، المراقب السياسيّ في قناة "تي في دوشد" TV Dozhd (المعروفة أيضاً باسم "تي في راين" TV Rain) الروسيّة الليبراليّة، على "فيسبوك" أنّه يمكن اعتبار الصفقة "منتهية على الفور".
وقال إنّ الصّفقة النوويّة لن تدوم، ليس بشكلها الحاليّ على الأقلّ. فلطالما اعتبر بولتون "تقرّب الكرملين من الملالي الإيرانيّين" خطراً على الأمن القوميّ، حتّى عندما أصبح وكيلاً لوزير الخارجيّة لشؤون ضبط التسلّح والأمن الدوليّ في العام 2001. وأضاف فون إيغيرت، "إذا كان هناك رجل واحد [قادر على إقناع] ترامب بعدم الاتّصال ببوتين [لتهنئته على إعادة انتخابه]، فهو بولتون".
وقال إنّ بولتون لا يؤيّد السياسة الأوروبيّة المتمثّلة بإبقاء أبواب الحوار مفتوحة مع موسكو، أو بكين، أو طهران أو غيرها، وقد يغلقها حتّى. وأضاف، "بالنسبة إلى إسرائيل، هذا نبأ سارّ. أمّا بالنسبة إلى الفلسطينيّين – بما في ذلك [الرئيس محمود] عباس – فليس كثيراً. مقارنة ببولتون، يُعتبر [وزير الدفاع جيم] ماتيس شخصيّة [مسالمة]. لن يكون الوضع سهلاً [مع بولتون]، لكنّه سيكون مثيراً للاهتمام".
ويرى محلّلون آخرون أنّ تعيين بولتون يدلّ على أنّ تحدّي أميركا لروسيا الطويل الأمد بدأ يتبلور.
ويعتبر دميتري سوسلوف، مدير البرامج في "نادي فالداي للنقاش" (Valdai Discussion Club) وهو مؤسّسة بحثيّة في موسكو، أنّ تعيين بولتون يتماشى مع استراتيجيّة ترامب المتمثّلة بـ"الهيمنة المتعصّبة".
وقال سوسلوف للمونيتور إنّ "السعي إلى الهيمنة المتعصّبة، وتعزيز التفوّق على دول أخرى، وتكثيف احتواء الأعداء من خلال سياسة خارجيّة أحاديّة الجانب عند رفض رأي الحلفاء والشركاء، والسعي إلى حريّة تحرّك أكبر – كلّ ذلك يتماشى مع قناعات بولتون الشخصيّة وهذا ما كان يفعله في إدارة بوش".
ويشير سوسلوف إلى أنّ أحد التناقضات المحتملة بين ترامب وبولتون هو نظرتهما المختلفة إلى دور الإيديولوجيا والدمقرطة في السياسة الخارجيّة الأميركيّة.
وقال سوسلوف، "لا يبدو أنّ ترامب يؤيّد أيّاً من الاثنين، أمّا بولتون فكان من الأشخاص الذين دعوا إلى التدخّلات بحجّة 'إحلال الديمقراطيّة في الشرق الأوسط'. لكن في الأشهر القليلة الماضية، كان هناك اتّجاه لجعل السياسة الخارجيّة الأميركيّة أكثر ميلاً إلى الإيديولوجيا، بخاصّة في ما يتعلّق باحتواء روسيا والصين، من خلال وصف [الوضع] بالـ"العالم الحرّ" (بقيادة الولايات المتّحدة) ضدّ 'الكتلة السلطويّة' (بقيادة الصين وروسيا). إذا كانت هذه هي الحال، فبولتون سيعزّز هذا الموقف. وبالتالي، يمكن توقّع المزيد من سياسات الاحتواء تجاه الصين، وروسيا وخصوم الولايات المتّحدة الآخرين – ومسار عمل أكثر حزماً تجاه كوريا الشماليّة وإيران".
ويختلف الخبراء وصانعو السياسات في موسكو في الرأي حول ما إذا كان بولتون سيتبنّى "مقاربة" ترامب "البراغماتيّة" تجاه روسيا ويفي بوعده للرئيس بعدم "شنّ أيّ حروب" أو ممارسة مزيد من الضغوط على موسكو من خلال الدعوة إلى عقوبات إضافيّة، وتزويد أعداء روسيا بالوكالة بالأسلحة، ورفع الرهان في أوكرانيا وسوريا.
وقد أدلى بولتون بأحد تصريحاته الأخيرة حول روسيا في 2 آذار/مارس، بعيد خطاب بوتين الهجومي أمام الجمعيّة الاتحاديّة الروسيّة، الذي قال فيه الرئيس إنّ روسيا تختبر أسلحة نوويّة جديدة تتفوّق على أسلحة الولايات المتّحدة وقادرة على الدفاع عن الأمن القوميّ والسيادة.
وقال بولتون، "ينبغي أن يكون لنا ردّ استراتيجيّ على صواريخ روسيا النوويّة الجديدة لكي نبيّن لحلفائنا في أوروبا أنّنا لن نسمح لروسيا بتهديد الولايات المتّحدة أو حلفائها".
وبالنسبة إلى ردّ روسيا المحتمل على سياسات أميركيّة أكثر حزماً، يعتبر سوسلوف أنّ موسكو ستكثّف حوارها مع حلفاء الولايات المتّحدة، مثل اليابان، وفرنسا وألمانيا، الذين يشعرون بالقلق إزاء التحوّل في السياسة الخارجيّة الأميركيّة، وأيضاً مع الهند، والصين ودول قويّة أخرى.
وختم سوسلوف بالقول إنّه "سيتعيّن على روسيا أيضاً تعزيز احتوائها. ففي ظلّ الظروف الحاليّة، لا يبدو أنّ هناك بديلاً عن الأمور [سباق التسلّح] التي اقترحها الرئيس بوتين في خطابه أمام الجمعيّة الاتحاديّة".