حازت حماس في الأسبوع الأخير من شباط/فبراير على نصيب وافر من تصريحات سياسيّة لمسؤولين عدّة عرب بصورة لافتة، بين مؤيّد لها، ومعارض، ممّا دفع الحركة إلى إصدار بيانات ترحيبيّة وانتقاديّة لكلّ طرف، في حين شهدت الفترة التي سبقت هذا التطور غياب حماس عن التداول الإعلامي لدى المسئولين العرب. ولئن أرادت حماس أن تبقى بعيدة عن حالة الشدّ والجذب في الصراعات الناشبة لدول المنطقة، لكنّ الموضوع الفلسطينيّ حاضر في خلافات الدول العربية بين بعضها البعض.
فقد وجّه رئيس اللجنة القطريّة لإعمار قطاع غزّة السفير القطريّ محمّد العمادي خلال مؤتمر في غزّة في 25 شباط/فبراير، لومه إلى السلطة الفلسطينيّة ومصر وإسرائيل بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في غزّة، معتبراً أنّ حماس تمثّل شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطينيّ، وقد باركت حماس في بيانها في 19 شباط/فبراير، فور وصول العمادي إلى غزّة يوم 19 فبراير، مواقف قطر ومساعداتها إلى الشعب الفلسطينيّ.
فيما أعلن وزير الخارجيّة السعوديّ عادل الجبير في 24 شباط/فبراير، في كلمته أمام البرلمان الأوروبّيّ في بروكسل، أنّ حماس حركة متطرّفة، واتّهم قطر بالسماح لها بجمع الأموال ونشر الكراهية، وقد استنكرت حماس في 24 شباط/فبراير تحريض الجبير عليها، واعتبرت تصريحاته تشجيعاً لإسرائيل لارتكاب الجرائم ضدّ الشعب الفلسطيني.
اكتفى عضو المكتب السياسيّ لحماس ورئيس مكتب العلاقات العربيّة والإسلاميّة فيها عزّت الرشق بالقول لـ"المونيتور" إنّ "حماس تسعى إلى توحيد الجهود العربيّة والإسلاميّة للدفاع عن الحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة". وأضاف: "نحن معنيّون بتعزيز علاقاتنا مع كلّ هذه الدول والفاعلين في الساحتين الإقليميّة والدوليّة، ممّن يدعمون قضيّتنا العادلة، وحقّنا المشروع في مقاومة الاحتلال لتحرير أرضنا ومقدّساتنا".
ترحيب حماس بحديث السفير القطريّ، واستنكارها تصريح الوزير السعوديّ، يعطيان دلالة أكيدة على حجم الاستقطاب الذي تعيشه الحركة في ظلّ الخلافات العربيّة القائمة في المنطقة.
وفيما كشف العمادي في 25 شباط/فبراير أنّ السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة ومصر تحارب بلاده، لأنّها تساعد غزّة، وهي تريد انهيارها، فإنّ الجبير أعلن في 6 حزيران/يونيو أنّ على قطر التوقّف عن دعم حماس.
وفي 20 تشرين الثاني/نوفمبر، طالب الوزير الجبير قطر بالتخلّي عن الحركة لإتمام الجهود المصريّة لنجاح المصالحة بين حماس وفتح، فيما وصف السفير السعوديّ في الجزائر سامي الصالح في 12 تمّوز/يوليو، حماس بأنّها إرهابيّة.
وقد أعلن العمادي يوم 11 يوليو الماضي أن إجمالي تكلفة المشاريع التي نفّذتها قطر بقطاع غزة بين 2012-2017 بلغت خمسمائة مليون دولار أميركي.
وذكرت اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة بتواريخ متعددة، أن مشاريعها بغزة ساهمت بتشغيل 65 شركة فلسطينية ، استفاد منها 100 ألف كادر فلسطيني مهني وفني. في نوفمبر 2016 أعلن الهلال الأحمر القطري تنفيذ مشاريع صحية بقطاع غزة بكلفة 1.5 مليون دولار، كتجهيز مختبرات طبية، وبناء قدرات الكوادر الطبية. ونفذت قطر خلال هذه الفترة مشاريع إسكان وأبنية، وإعمار ألف وحدة سكنية، وتأهيل مبانٍ ومختبرات زراعية.
قال الكاتب الصحافيّ القطريّ عدنان أبو هليل لـ"المونيتور" إنّ "قطر تدعم الشعب الفلسطينيّ، وليس تنظيماً بعينه، واليوم قد تكون قطر معنيّة بأن تعلن أنّها لا تساعد حماس ماليّاً خشية اتّهامها بدعم الإرهاب من بعض الأطراف الأميركيّة والإسرائيليّة". وأضاف: "قطر وحماس صديقتان، وليستا صاحبتي مشروع واحد أو شريكتين في المركب نفسه، وحماس لديها خياراتها الإقليميّة كمصر وإيران وسواهما، وليست حكراً على قطر فقط".
شهدت ساحة الكتيبة في غرب مدينة غزّة في 24 شباط/فبراير تعليق يافطة كتب عليها: "شكراً قطر"، وتحمل صور الأمير الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني ووالده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والعمادي، فيما استنكرت فتح في 26 شباط/فبراير تصريحات العمادي التي لام فيها الرئيس محمود عبّاس، لأنّها تتناقض مع دور قطر الإنسانيّ في غزّة.
قال مسؤول فلسطينيّ قريب من عبّاس أخفى هويّته، لـ"المونيتور" إنّ "القضيّة الفلسطينيّة لا تحتمل التبعات السلبيّة للتوتّر بين قطر وتركيا من جهة، والسعوديّة ومصر من جهة أخرى". وأضاف: "نحن في حاجة إلى كل هذه الدول، صحيح أنّ حماس تحاول استعادة توازن علاقاتها الإقليميّة، لكنّها متأثّرة بقربها من بعض العواصم، كالدوحة وأنقرة وطهران".
وقد أدان تحالف القوى الفلسطينيّة في 25 شباط/فبراير، هجوم الجبير على حماس، واعتبر تصريحاته في سياق الوظيفة المحدّدة من الولايات المتّحدة الأميركيّة للسعوديّة، وتحالف الأخيرة المباشر مع إسرائيل، كما أدان محاولة تضليل الجبير الرأي العام العربي لمصلحة إسرائيل، وتشويه صورة المقاومة الفلسطينية.
فيما هاجم الباحث السياسيّ السعوديّ عبد الحميد الحكيم بتغريدته على تويتر في 25 شباط/فبراير حماس، مطالباً إيّاها بأن تختار بين خندق السلام مع إسرائيل، أو خندق النظام الإيرانيّ النازيّ.
رغم الهجوم السعودي على حماس، فقد أعلن وزير الأشغال العامة الفلسطيني مفيد الحساينة في مارس 2017 عن منحة مالية جديدة من السعودية لإعمار قطاع غزة، بقيمة 80 مليون دولار.
وفي فبراير 2016 قدمت السعودية 59 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، لتنفيذ مشاريع في غزة والضفة الغربية والأردن.
قال الباحث الأردنيّ في الحركات الإسلاميّة حسن أبو هنيّة لـ"المونيتور" إنّ "الهجوم السعوديّ على حماس، يمهّد لدمج إسرائيل بالمنطقة، بتأسيس تحالف بين واشنطن والدكتاتوريّات العربيّة كالسعودية وإسرائيل، لمواجهة الخطر المشترك المتمثّل بالمنظّمات المسلّحة، ومنها حماس، والسعوديّة تحاول تقديم نفسها شريكاً في حرب الإرهاب، عبر تطويع حماس، ويمكن فهم الإصرار السعوديّ على مهاجمة حماس ضمن تصفية القضيّة الفلسطينيّة".
ربّما تدرك حماس أنّها بعلاقاتها الخارجيّة تسير في حقل ألغام، وتتحسّب من أيّ أزمة قد تنشب مع هذه الدولة وتلك، ممّا يدفعها إلى إدارة مواقفها بميزان دقيق، خشية أن يأتيها عتب من هذه العاصمة، وغضب من غيرها.
قال المتحدّث باسم حماس حازم قاسم لـ"المونيتور" إنّ "حماس تبني سياستها الخارجيّة على تجنيد مواقف الدول لصالح الفلسطينيّين، وتعزيز صمودهم، ولذلك تبتعد عن الاصطفافات الحاصلة في المنطقة، لتكون على مسافة واحدة من الجميع، بما يحقّق مصلحة شعبنا، وعلى مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة لأيّ دولة كانت".
واتّهم العمادي مصر في 24 شباط/فبراير، بأنّها تتكسّب ماليّاً من مساعدة غزّة بالبترول المصريّ، الذي بدأت تبيعه للفلسطينيين منذ يونيو الماضي ضمن تفاهماتها مع حماس، لأنّه يصل غزّة بكلفة 3,5 شيكل إسرائيليّ، بما يعادل دولاراً أميركيّاً واحداً، لكنّ قيمته الدوليّة هي 1,8 شيكل أي نصف دولار فقط. وقال إنّ مصر تبيع غزّة إسمنتاً فاسداً.
قال المتخصّص في شؤون حماس حسام الدجني "للمونيتور" إنّ "حماس تعتبر مصر الرئة الوحيدة لغزّة لربطها بالعالم الخارجيّ، وأقلّ الخيارات تكلفة لحماس هو علاقة قويّة معها لتخفيف الحصار، كما تخشى حماس سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة على حدود غزّة وسيناء، وتبدو حريصة على تعزيز دور القاهرة في الملفّ الفلسطينيّ بمنحها أوراق التهدئة عبر التفاهم مع إسرائيل لعدم تصعيد الوضع الأمني في غزة، وإبرام صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل والمصالحة بين حماس وفتح، وتأمل أن تعمل مصر مع الدول الغربيّة لرفع اسمها من قوائم الإرهاب".
أخيراً... ما زال الاستقطاب العربيّ على أشدّه، ممّا يؤشّر إلى أنّ حماس قد تبقى ضمن أوراق الشدّ والجذب لأطرافه، حتىّ لو لم ترد الحركة أن تكون جزءاً من هذا الصراع، لكنّ كلّ دولة تحاول التقوّي بمواقفها وأموالها التي تنفقها على الفلسطينيّين، لتعزيز دورها بينهم، ممّا قد يضع حماس في زوايا صعبة، تضيّق أمامها هامش المناورة.