القاهرة: توسّعت المملكة العربيّة السعوديّة أخيراً، في الاستثمار في قطاع الرياضة فى مصر عبر ضخّ ملايين الدولارات فى عدد من المشاريع الرياضيّة العملاقة، والتى جاء على رأس هذه القائمة إعلان تركى آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامّة للرياضة في المملكة العربيّة السعوديّة، فى20 مارس، خطة عمل بين السعودية ومصر لدعم قدراتها على تنظيم كأس العالم فى السنوات المُقبلة.
وأثار تكرّر ظهور آل الشيخ في الفعاليات العامة المصرية، دون الاكتفاء برئاسته الشرفية للنادي الأهلي، فضلاً عن حجم الأموال الطائلة التى ينفقها على خلاف من سبقوه، انتقادات واسعة وتساؤلات حول الأهداف الكامنة وراء ما تنفقه السعودية من هذه الأموال فى قطاع الرياضة بطريقة استعراضية.
وأعلن "آل الشيخ"، فى 11 فبراير، عن إطلاق بطولة الألعاب الإلكترونيّة "بلاي ستيشن" فى مصر، وذلك في الفترة من 13 وحتّى 15 آذار/مارس في الصالة المغطّاة في استاد القاهرة. وخصّص جوائز مادّيّة للفائزين قيمتها 2 مليون جنيه (115 ألف دولار) مقسّمة إلى 500 ألف جنيه (28 ألف دولار) لصاحب المركز الأوّل، و300 ألف (17 ألف دولار) لصاحب المركز الثاني، و150 ألف (8 آلاف ونصف دولار) لصاحب المركز الثالث.
ولعب آل الشيخ دوراً فى تمويل عدد من المشروعات الرياضية كمشروع "ستاد القرن" للنادى الأهلى، التى أعلن عنه رئيس النادى محمود الخطيب فى مؤتمر رسمى بتاريخ 31 ديسمبر العام الماضى، ويستغرق بنائه ثلاثين شهراً، بجانب بناء مدينة رياضية كاملة لنادى الزمالك، أعلن عنها رئيس الزمالك مرتضى منصور فى تصريحات صحافية بتاريخ 31 ديسمبر، بعد اجتماع جمعه مع "آل الشيخ".
كما ساهم فى تسهيل انتقال محترفين مصريّين للّعب في الأندية السعوديّة بمبالغ ماليّة كبيرة، مثل مؤمن زكريا الذى انتقل على سبيل الإعارة لمدة ستة شهور من الأهلى المصري للأهلى السعودى فى 4 يناير 2018، بمقابل يصل نحو 400 ألف دولار. وكان الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي التقى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامّة للرياضة في المملكة العربيّة السعوديّة آل الشيخ، وذلك في حضور السفير السعوديّ في القاهرة أحمد قطان، في 30 كانون الأوّل/ديسمبر من العام الماضي، لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات الرياضيّة المختلفة، من خلال إقامة المشاريع الرياضيّة الاستثماريّة المشتركة وزيادة تبادل الخبرات والوفود الرياضيّة بين البلدين.
وأعلن النادي الأهلي المصريّ فى 31 كانون الأوّل/ديسمبر من العام الماضي، تنصيب مستشار الديوان الملكيّ السعوديّ آل الشيخ رئيساً شرفيّاً للنادي الأهلي المصريّ، قبل أن يلحق به نادي الزمالك، فى 16 آذار/مارس، بمنحه رئاسة النادي الشرفيّة مقابل التكفّل ببناء استاد للنادي.
وحول الأسباب وراء ضخّ أموال فى شكل منح ماليّة إلى النادي الأهلي، أجاب آل الشيخ فى مقابلة تلفزيونيّة في 31 كانون الأوّل/ديسمبر 2017: "الأهلي فرصة استثماريّة، لديه 80 مليون مشجّع، وهو نادي بطولات، ونادي القرن فى أفريقيا... إنّه استثمار ناجح بالنسبة إلينا".
وتعتقد وجهات نظر أن توسع السعودية فى المنح المالية والاستثمارات فى قطاع الرياضية هى محاولة بشكل غير مباشر لزيادة النفوذ السياسي السعودي فى مصر نتيجة تدفق المال الخليجي.
بدوره، يقول الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة هاني الأعصر في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" إنّ الاستثمارات الماليّة السعوديّة فى القطاع الرياضيّ هي وسيلة لمدّ نفوذها، وتعزيز تأثيرها على مصر، موضحاً أنّ منح الأموال وإقامة مشاريع رياضيّة من جانب السعوديّة للنادي الأهلي، أكثر الأندية شعبيّة فى الشرق الأوسط، تحوّل من مجرّد حبّ للنادي كما كان يفعل بعض أمراء الخليج في الماضي إلى سطوة حقيقيّة على قرارات الرياضة المصريّة، وممارسة دور ممنهج لزيادة النفوذ السعوديّ في مصر.
وأضاف: "التوسّع اللافت فى الاستثمار السعوديّ فى قطاع الرياضة، وخصوصاً كرة القدم أمر بديهيّ. فكرة القدم هى لعبة شعبيّة، والأندية المصريّة لها جماهيريّة كثيرة، ستحقّق للسعوديّة من وراء دعمها ماليّاً نفوذاً جماهيريّاً، وتأثيراً واسعاً لدى الرأي العامّ يكون مدخلاً إلى السيطرة في قطاعات أخرى.
واعتبر الأعصر هذه التحرّكات الأخيرة من آل الشيخ في دعم الصفقات للأندية المصريّة وتمويلها "نقطة ضعف فى العلاقات بين مصر والسعوديّة"، وشرح ذلك: "ضخّ الأموال بهذه الطريقة من مسؤول رسميّ داخل المملكة، والذي شكّل تسويقاً إعلاميّاً واستعراضاً هو أداة من أدوات السيطرة وليست آليّة من آليّات ترسيخ العلاقات وتوطيدها".
بدوره، يقول وزير الرياضة الأسبق عبد المنعم عمارة فى اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" إنّ الأثرياء السعوديين لم يساهموا فى تقديم الدعم الماليّ للأندية المصريّة، إلّا بطلب من هذه الأندية لمساعدتهم، خصوصاً في ظلّ الأزمة الماليّة الكبيرة التى عاشتها هذه الأندية بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصريّ مقابل العملات الأجنبيّة.
ويضيف أنّ الدعم الماليّ الخليجيّ الرسمي للرياضة المصريّة موجود منذ عشرات السنوات، سواء فى شكل منح ماليّة أم تقديم مساعدات، مؤكّداً أنّ "الاستياء ربّما يكون بسبب أنّ الدعم الماليّ تحوّل إلى عرض مسرحيّ، ولا يصحّ أن يظهر تركي آل لشيخ في الصورة في هذا الشكل".
لا ينفصل توسّع السعوديّة بضخّ المزيد من الاستثمارات فى قطاع الرياضة في مصر عبر ممثّلها الرسميّ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامّة للرياضة، عن مسعى الرياض إلى تعزيز نفوذها وتأثيرها على دوائر صناعة القرار، ورغبتها المتزايدة في أن تتحوّل إلى المسيطر الوحيد على صناعة القرار فى مصر، بأداء يبدو استعراضيّاً لممثّلها الرسميّ أثار حفيظة الكثير من جماهير الكرة المصريّة.