في أواخر عام 1963، انطلق رئيس الوزراء الصيني شو آن لاي في جولة سريعة على 10 بلدان إفريقية. كان توقيت الزيارة استراتيجياً، إذ كانت الحرب الباردة في أوجّها ووجدت الدول الإفريقية التي استقلّت حديثاً نفسها مرغمة على الاختيار بين معسكرين: الشرق أو الغرب.
مالت الجزائر ومصر، وبعد ذلك ليبيا، إلى المعسكر الشيوعي، بينما اتّخذت تونس التي كانت تحت حكم الرئيس القومي المدني الحبيب بورقيبة، خلافاً لأقرب جيرانها، موقفاً سياسياً داعماً للغرب.
على الرغم من أنّ زيارة شو لتونس أدّت في نهاية المطاف إلى بناء علاقات دبلوماسية بين البلدين، كان التوتّر محتدماً وسط انتقاد بورقيبة لطريقة تعاطي الصين مع نزاعها الإقليمي مع الهند ولرفض الصين معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية الموقعة عام 1963. لم يتوقّف بورقيبة عند ذلك وإنّما قال لشو بصرامة إنّ "التمتّع 'بأهداف مشتركة' غير كافٍ لأنّ المقاربات المختلفة قد 'تبعد' الناس عن بعضهم".
فهمت الصين الرسالة، وفي الجزء الأكبر من سبعينيات القرن الماضي، ركّزت دبلوماسيتها الاقتصادية على جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا قبل انتقالها إلى أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا. وفي خلال العقد الماضي، تضاعفت الاستثمارات الصينية في القارّة الإفريقية 10 مرّات. في عام 2015، شهدت العلاقات الصينية الإفريقية حقبة غير مسبوقة بفضل الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي وعد بمشاريع استثمار في إفريقيا تفوق قيمتها 60 مليار دولار.
بدأ القادة الصينيون ينتبهون إلى دول شمال إفريقيا بعد أن فرضت سياسات الصين المتعلّقة بالطاقة تدخّل البلاد في الشرق الأوسط. ذكر مقال نشرته كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في عام 2012 أنّ استثمار الصين في شمال إفريقيا "يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من حصّتها المتوسّعة في التجارة والاستثمار حول العالم". وبالفعل، تشكّل مبادرة الصين بعنوان "حزام واحد، طريق واحد" إعادة تخيّل عصري لطريق الحرير القديم. يسعى المشروع الطموح إلى أن يكون المنصّة الأكبر في العالم للتعاون الاقتصادي وتُعتبر منطقة شمال إفريقيا بالغة الأهمية للمشروع.
على مدى الأعوام الماضية، بدأت الصين بتعزيز استثماراتها ومشاريع البنى التحتية في المغرب وركّزت استثماراتها في البداية على البنى التحتية، والإسكان والتجارة في الجزائر ومصر.
مع زيادة الاستثمارات الصينية في دول أخرى من شمال إفريقيا، لوحظ غيابها في تونس. وحتى نهاية عام 2015، لم نر الكثير من مشاريع البنى التحتية التي تحمل الأحرف الصينيّة كتلك الموجودة في مدينة الجزائر. وغابت المتاجر التي تبيع مأكولات آسيوية خاصّة على خلاف القاهرة، كما أنّ عدد السياح الصينيين في العاصمة تونس كان صغيراً مقارنة بشوارع مراكش المكتظّة.
لكن، في عام 2017، حوّلت الصين أنظارها إلى تونس. لم تنجح المشاريع في الجزائر ومصر بقدر المتوقع وتأخّرت التصاريح وتراجعت أسعار النفط، مؤخرة الاستثمارات في الجزائر. وعلى الصعيد الجزائري، تزداد المخاوف بشأن استقدام العمّال الأجانب. فمع وجود أكثر من 40 ألف صيني يعمل في الجزائر، تخوّف الكثير من المسؤولين في الحكومة من غياب التقدّم في تشجيع توظيف الجزائريين. كما أنّ المشاريع في مصر باءت بالفشل.
قالت فاتن آجاد، مديرة برنامج المركز الأوروبي لإدارة سياسات التنمية، للمونيتور عبر الهاتف: "يبحث الصينيون عن بدائل وترى الصين فرصاً في تونس، ليس من ناحية التنمية المحلية ولكن بالنسبة إلى أوروبا".
على الرغم من أنّ تونس أصغر بكثير من جيرانها، ومن أنّ احتياطها النفطي قليل وكذلك فرص الاستثمار الواسعة النطاق، هي تبقى البلد الوحيد المستقرّ نسبياً في المنطقة إلى جانب المغرب. ترتبط تونس بعلاقات وثيقة مع أوروبا، ويعود ذلك إلى ماضيها الاستعماري ومفاوضاتها المستمرّة من أجل اتفاق التبادل الحرّ الشامل والمعمق.
تمّ إطلاق محادثات في عام 2015 بهدف تحسين دمج السوق التونسي في الاتحاد الأوروبي. تلعب تونس دور الوسيط المثالي للصين المهتمة بالسيطرة على الممرات المادية بين شمال إفريقيا وأوروبا كجزء من مبادرة "طريق واحد، حزام واحد". ويبدو أنّ الصين مهتمة بميناء بنزرت في تونس الذي يسهّل الوصول إلى أوروبا ويقع في مركز هامّ لكابلات شبكات الألياف البصرية البحريّة.
إنّ اهتمام الصين بتونس مفيد للطرفين. وسط توقعات بلوغ التضخم الوطني 9% إلى 12% ومع إجراءات صندوق النقد الدولي المكبّلة وتدابير الحكومة التقشفية، وتراجع قيمة الدينار وارتفاع نسبة البطالة، يحتاج الاقتصاد التونسي إلى المساعدة. في استفتاء عام 2016، وجدت شركة "أفروبارومتر" أنّ 47% من التونسيين يعتقدون أنّ المساعدة الاقتصادية من الصين تساهم في تلبية حاجات تونس.
وفي زيارة رسمية إلى الصين في تموز/يوليو 2017، قال وزير الخارجية خميس الجهيناوي إنّ تونس "تدعم بشكل كامل" مبادرة "الحزام الواحد والطريق الواحد" وإنها مستعدة للمشاركة في المشاريع. وقبل شهر، وقّع البلدان على ثلاث اتفاقيّات من شأنها زيادة التعاون التجاري وشملت الاتفاقيّات إنشاء مركز تجاري مساحته 200 ألف متر مربع بقيمة 65 مليون دولار في تونس العاصمة.
يستفيد قطاع السياحة الذي يُعتبر من الركائز الاقتصادية لتونس من الصين بدوره. قالت ليلى تكيا، مديرة العلاقات العامة والاتصالات في المكتب الوطني التونسي للسياحة، لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا) في شهر أيلول/سبتمبر، "إنّ مستقبل السياحة التونسية في يَد السوق الصينية". في العام الماضي، أطلقت تونس برنامج سفر بدون تأشيرة للمواطنين الصينيين. وفي عام 2017 أيضاً، زار عشرة آلاف مواطن صيني تونس، مما يدلّ على زيادة التبادل الثقافي - ووصلت أول مجموعة رحلات طيران صينية إلى تونس في 20 شباط/فبراير.
في حين قد تستمرّ العلاقة بين الصين وتونس في التطوّر، يُعتبر الاتحاد الأوروبي من أكبر التحديات التي تواجهها. يشعر بعض التونسيين بالقلق من أن يقوّض أكبر شريك تجاري لتونس، أي الاتحاد الأوروبي، وفرنسا على وجه التحديد، العلاقات المعزّزة بين الصين وتونس.
وصرّحت آجاد أنّ "هذا القلق في مكانه"، مشيرة إلى مفاوضات قواعد المصدر في اتفاق التبادل الحرّ الشامل والمعمق. وأضافت بقولها، "اعتماداً على البند المتفاوض عليه، مقابل أي منتج يريدون تصديره، سيتعيّن على التونسيّين أن ينتجوا نسبة معيّنة من الأجزاء المختلفة للمنتجات المعنيّة في تونس. لن يكون محبّذاً الاعتماد على مصادر مثل الصين أو القطع القادمة من الصين لتطوير منتج معيّن يتمّ تصديره في النهاية إلى الاتّحاد الأوروبي".
في الوقت الحالي، لا تزال تونس متفائلة بأنّ زيادة التعاون مع الصين ستعزّز الاقتصاد، وتحدّ من البطالة وتقوّي قطاع التجارة في البلاد.