أجرت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية مقابلة مفصّلة مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان حول اتجاهات فرنسا الدبلوماسية. تطرّق الجزء الأكبر من المقابلة في 21 كانون الثاني/يناير إلى مسائل الشرق الأوسط، مع التركيز على الأزمة السورية وإيران. مهّدت مقابلة لودريان الطريق أمام الشراكة الدولية ضدّ الإفلات من عقوبة استخدام الأسلحة الكيميائية، وهو اجتماع دولي عُقد في 23 كانون الثاني/يناير في باريس. ترأست فرنسا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة والسعودية والأردن الاجتماع الذي سلّط الضوء على وضع حدّ للاعتداءات بالأسلحة الكيميائية وعلى عدم السماح لمستخدمي أو مسهّلي استعمال هذا النوع من الأسلحة بالإفلات من العقوبة.
كان توقيت اجتماع باريس مؤاتياً لأنّه جرى قبل بضعة أيام من انطلاق جولة جديدة من محادثات السلام غير المثمرة في فيينا لحلّ الأزمة السورية وقبل أقلّ من أسبوع من مؤتمر الحوار الوطني السوري برعاية روسيا في سوتشي في 29 و30 كانون الثاني/يناير. قبل بضع ساعات من الاجتماع، اتّهمت الولايات المتحدة الحكومة السورية بشنّ هجوم يستخدم غاز الكلورين على الغوطة الشرقية.
على عكس المؤشرات الظاهرية، لم يهدف اجتماع باريس إلى إحباط مؤتمر سوتشي. ذكر لودريان في مقابلته أنّ فرنسا لم تعارض رسمياً المبادرة الروسية، وكرّر حديثه بعد أيام أمام البرلمان الفرنسي لكنّه ذكر أيضاً أنّ عملية جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة تبقى الإطار الشرعي الوحيد لحلّ الأزمة السورية.
أشار مصدر دبلوماسي فرنسي للمونيتور من دون ذكر هويته إلى أنّ "قضية الأسد لم تكُن أساس اجتماع مجموعة الخمسة. فالأسد ليس سوى جزءاً من الصورة الكبرى".
بحسب الدبلوماسي، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقبل بتسخيف استعمال الأسلحة الكيميائية، سواء كان ذلك في سوريا أو في كوريا الشمالية. تجدر الإشارة إلى أنّ النظام في كوريا الشمالية استخدم غاز الأعصاب "في أكس" لقتل شقيق كيم جونغ أون في شباط/فبراير 2017 في مطار كوالالمبور الدولي. أضاف الدبلوماسي: "إذا لم نردّ، ستصل هذه الأسلحة إلى شوارع باريس في أحد الأيام". يتماشى هذا الموقف مع الميل القوي إلى نزع السلاح في الأوساط الدبلوماسية في فرنسا.
في الوقت نفسه، يمكن اعتبار مؤتمر باريس محاولة فرنسية جديدة لإعادة تثبيت وجود فرنسا الدبلوماسي في سوريا بعد فشل مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون الصيف الماضي أمام الأمم المتحدة لتأسيس "مجموعة اتصال حول سوريا". تلعب فرنسا دوراً أساسياً في مجموعة الخمسة إلى جانب السعودية والولايات المتحدة. لكنّ موقف واشنطن من مؤتمر سوتشي اتّسم بنوع من الجفاء ويعبّر عن قلّة اهتمام أوسع من الولايات المتحدة بعملية التسوية السياسية في سوريا، وهذا أمر تأسف عليه فرنسا. قال مصدر دبلوماسي فرنسي آخر للمونيتور من دون ذكر هويته إنّ الانهيار الإقليمي للدولة الإسلامية سيغذي على الأرجح تضاؤل اكتراث واشنطن للجهة السياسية من الأزمة السورية. أضاف: "إنّ مساندة الولايات المتحدة لنا سيمنح دوراً ثقلاً أكبر لا شكّ".
أمّا السعودية، فيُقال إنها كانت تدفع الهيئة العليا للمفاوضات التي تشكّل منصة المعارضة السورية في الرياض إلى حضور مؤتمر الحوار الوطني السوري. صوّتت الهيئة ضدّ حضور مؤتمر سوتشي في النهاية، محبطةً بذلك الجهود السعودية.
من خلال مبادرة الأسلحة الكيميائية التي يصحّ وصفها بـ"التنويه الدبلوماسي"، سعت باريس إلى أن تظهر أنها تلتزم بمبادئ مختلفة عن مؤتمر سوتشي.
تجسّد مجموعة الخمسة حدود قدرة باريس الدبلوماسية في القضية السورية وتعترف بدور روسيا ضمناً كاللاعب الرئيسي في الأزمة. لكن، من المرجّح أن تكون المبادرة قصيرة الأجل فيما عدا نزع السلاح الكيميائي.
في الجبهة الليبية، كانت فرنسا أكثر نشاطاً وتفاعلاً. فليبيا تتصدّر لائحة أولويات باريس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولكنّ فرنسا لم تحقّق نتائج كثيرة حتى الآن. سعت فرنسا إلى جمع الأطراف المختلفة في البلاد التي تعصف بها الحرب، علماً أنّها مهتمّة بأمرين أساسيين: الحدّ من تدفق المهاجرين ومحاربة الإرهاب. لكنّ النتائج لم تكُن ملحوظة منذ اجتماع تموز/يوليو بين المشير خليفة حفتر ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة فايز السراج في لا سيل سانت كلود بالقرب من باريس، على الرغم من الزيارات التي قام بها لودريان إلى ليبيا.
زار ماكرون تونس مؤخراً، ووجّه خطابه إلى البرلمان التونسي في 1 شباط/فبراير، معلناً أنّ التدخل العسكري في ليبيا الذي شاركت فرنسا وبريطانيا في قيادته في عام 2011 كان "خطأ مريعاً". يبدو هذا الاعتراف العملي بواقع إستراتيجي استعراضاً من ماكرون لتحديثه للسياسة الخارجية الفرنسية المزعوم الذي عرّف عنه الصيف الماضي. هل يمكن لهذا التحديث أن يطرأ على الملفّ السوري؟
خلال عهد الرئيس فرانسوا هولاند، كانت إحدى أهداف فرنسا في سوريا الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. لكنّ ماكرون تقبّل وجود الأسد لأنّ هذه طبيعة الحال على أرض الواقع، أقلّه على المدى القصير، وهذه خطوة عملية منه. لم يتبنَّ ماكرون موقفاً معادياً للرئيس السوري، حتى قبل حملته الانتخابية الرئاسية. بالتالي، يتمتّع ببعض "الطراوة الدبلوماسية" في الملفّ السوري، ما يتيح له مرونة سياسية.
لكنّ موقف ماكرون من القضية الليبية لا يبدو مناسباً على الساحة السورية حتى الآن بسبب كثرة النقاط الحسّاسة مثل الأسلحة الكيميائية واعتبار باريس أنّ روسيا تحتكر عملية السلام.