اتّفقت تركيا وروسيا وإيران في 22 تشرين الثاني/نوفمبر على محاربة المجموعات الإرهابيّة في سوريا في اجتماع رئاسيّ ثلاثيّ في منتجع سوتشي الروسيّ على البحر الأسود. وفي الوقت نفسه تقريباً، ألمح رئيس الحكومة الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو إلى تحرّك محتمل في سوريا ضدّ إيران وحلفائها، على خلفيّة تصعيد أميركيّ ضدّ إيران. ومع اقتراب الحرب على تنظيم الدولة الإسلاميّة ("داعش") في سوريا إلى النهاية، هل سيكون التركيز "الإرهابيّ" المقبل على الميليشيات الكرديّة والشيعيّة؟
إنّ وقوع عدد كبير من الأراضي التي كانت خاضغة لسيطرة "داعش" في أيدي قوّات سوريا الديمقراطيّة أو قوّات متحالفة مع نظام الرئيس السوريّ بشار الأسد ينذر بتصارع جديد بين القوى الدوليّة والإقليميّة في سوريا.
ففي الاجتماع الذي عُقد في سوتشي، أعلن الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان أنّ تركيا لن تقبل بوجود "مجموعات إرهابيّة في سوريا"، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكرديّة السوريّة. وفي التاريخ نفسه تقريباً، أشار الإعلام الإسرائيليّ إلى إطلاق شخصيّات أمنيّة إسرائيليّة تهديدات متزايدة بشأن ضربة كبيرة محتملة ضدّ الوجود الإيرانيّ في جنوب سوريا، فيما كانت الولايات المتّحدة أكثر وضوحاً وصراحة بشأن دحر إيران.
وفي 26 تشرين الثاني/نوفمبر، أفاد موقع "The Times of Israel" الإلكترونيّ أنّ نتنياهو حذّر الأسد من أنّ إسرائيل ستتدخّل عسكريّاً في الحرب الأهليّة السوريّة إذا منح الرئيس السوريّ إيران إذناً رسميّاً بإقامة وجود عسكريّ في سوريا.
بالنسبة إلى تركيا وإسرائيل، لم تنتهِ الحرب على الإرهاب مع الحرب على "داعش"، الذي تعتبرانه خطراً ثانويّاً على أمنهما القوميّ.
فتركيا تعتبر أنّ وحدات حماية الشعب وجناحها السياسيّ، أي حزب الاتّحاد الديمقراطيّ، مرتبطة بشكل مباشر بحزب العمّال الكردستانيّ، الذي يحارب ضدّ الدولة التركيّة والذي صنّفته الولايات المتّحدة مجموعة إرهابيّة. يشار إلى أنّ وحدات حماية الشعب هي فصيلة رئيسيّة في قوّات سوريا الديمقراطيّة، التي هي تحالف مؤلّف من ميليشيات كرديّة وعربيّة قاد الحملة البريّة ضدّ "داعش" في شمال سوريا بدعم مباشر من التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة. وتعتبر تركيا توسّع السيطرة الكرديّة على المنطقة الممتدّة على طول حدودها مع سوريا خطراً مباشراً على أمنها القوميّ. وجاء مؤخّراً في مقال لكاتبة العمود في "المونيتور"، أمبرين زمان، أنّ وحدات حماية الشعب تسيطر على خمس سوريا تقريباً وأكثر من نصف الحدود التركيّة مع سوريا، الممتدّة على طول 800 كيلومتر.
وفي 3 كانون الأول/ديسمبر، أفاد موقع "Military Times" الإلكترونيّ أنّ الجيش الأميركيّ يغيّر موقفه على ما يبدو في سوريا، مع اقتراب برنامح تسليح المعارضة الكرديّة إلى النهاية واستبداله بدعم للشرطة والقوّات الأمنيّة المحليّة. وتلت هذه التقارير إعلان المتحدّثة باسم البيت الأبيض، سارة هاكابي ساندرز، في 28 تشرين الثاني/نوفمبر أنّ الولايات المتّحدة ستتوقّف عن تزويد الأكراد السوريّين بالأسلحة، بالإضافة إلى إعلان وزير الخارجيّة التركيّ مولود تشاوش أوغلو أنّ الولايات المتّحدة ستتوقّف عن مدّ وحدات حماية الشعب بالأسلحة.
وقال الصحافيّ فلاديمير فان فيلغنبرغ، الذي يركّز على المسائل الكرديّة والذي تولّى تغطية معركة الرقّة من سوريا، لـ "المونيتور" إنّه يعتقد أنّ التوقّف عن دعم الأكراد أمر طبيعيّ ومدفوع بحاجات تتعلّق بالعمليّات العسكريّة. وأضاف: "لا أعتقد أنّ دعم الأكراد سيتغيّر. لكن، من الصحيح أنّه ليس هناك سياسة أميركيّة واضحة ومترابطة بشأن سوريا. إنّ التعهّد [الروسيّ والتركيّ والإيرانيّ] الثلاثيّ بمحاربة الإرهاب يستهدف بشكل خاصّ منطقة إدلب [هيئة تحرير الشام] وعفرين [الكرديّة]. وسيكون من الصعب على تركيا مهاجمة عفرين لأنّ الأكراد متمركزون جيّداً هناك وسيردّون على الهجوم. إنّه وضع معقّد وأشكّ في أنّ روسيا ستسمح لتركيا بمهاجمة الأكراد، على الرغم من تحسّن العلاقات بين تركيا وروسيا منذ العام 2016".
ويشاركه الرأي المتحدّث باسم قوّات سوريا الديمقراطيّة، مصطفى بالي، الذي قال لـ "المونيتور" إنّ الأتراك بشكل خاصّ هم من أطلقوا شائعة توقّف الولايات المتّحدة عن تزويد القوّات الكرديّة بالأسلحة. وقال: "هذا صحيح – في غياب معارك حاليّة مثل معركة الرقّة، لا تحتاج القوّات الكرديّة حالياً إلى أسلحة متطوّرة. لقد أعلن البنتاغون أنّه سيستمرّ في دعمنا، ونحن نعلم بأنّ واشنطن تعتبرنا شركاء حقيقيّين في التحالف ضدّ الإرهاب".
مع ذلك، قد يضعف الموقف الكرديّ في سوريا مع انسحاب أميركيّ محتمل من سوريا، بحسب أمبرين زمان، التي قيل لها إنّ ذلك قد يحصل قبل نهاية العام 2019. لكنّ الغموض يلفّ هذه المسألة، ولا سيّما أنّ البنتاغون أعلن في 5 كانون الأول/ديسمبر أنّ الولايات المتّحدة ستبقى في سوريا قدر الحاجة.
في سياق كهذا، يرجَّح أن تتكاتف تركيا ونظام الأسد ضدّ الأكراد. لكنّ النظام ألمح إلى أنّه قد يكون منفتحاً على الحكم الذاتيّ الكرديّ، وقال خبراء لـ "المونيتور" إنّ صفقة كهذه ستكون ضدّ انسحاب وحدات حماية الشعب من أغلبيّة المناطق العربيّة. لكنّ النظام معروف بميله إلى تغيير رأيه، ومن المحتمل أن تشكّل منطقة فدراليّة مستقلّة في شمال سوريا خطراً على سيطرة الأسد على البلاد.
وفيما يمكن أن تتّحد سوريا وتركيا في وجه الأكراد، يبدو النظام في موقف صعب على الجبهة الجنوبيّة مع إسرائيل والولايات المتّحدة في ما يتعلّق بالوجود الإيرانيّ هناك. فبالإضافة إلى انتشار إيران الهائل في سوريا، وانتشار حلفائها مثل حزب الله والميليشيات العراقيّة، قدّمت إيران الدعم الماليّ واللوجستيّ والتدريب إلى نظام الأسد. وفي تشرين الأول/أكتوبر، طالب وزير الخارجيّة الأميركيّ ريكس تيلرسون الميليشيات العراقيّة بـ "الرحيل".
وقال الخبير في الشؤون الإيرانيّة في معهد الشرق الأوسط، أليكس فاتانكا، لـ "المونيتور" إنّ "التصدّي لإيران موجود على الأجندة الأميركيّة، لكنّ كيفيّة حصول ذلك لا تزال غامضة. ويدعم الرئيس دونالد ترامب أيضاً أيّ مبادرة روسيّة بشأن سوريا، لكن علينا أن نرى ما سيقرّره الروس".
تشعر إسرائيل بخوف متزايد من التوسّع الإيرانيّ في سوريا، على الرغم من صفقة لوقف إطلاق النار أبرمت في 12 تشرين الثاني/نوفمبر ومن المفترض أن تشمل طرد الميليشيات المدعومة من إيران من الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان. وقال آفي ميلاميد، وهو زميل في معهد "آيزنهاور"، لـ "المونيتور" إنّ تهديدات نتنياهو جديّة جداً ولا ينبغي الاستخفاف بها. وترفع إسرائيل الرهان مؤخّراً في جنوب سوريا، وقد وجّهت ضربتين إلى سوريا في 2 و4 كانون الأول/ديسمبر.
وقال فاتانكا: "من الواضح أنّ إيران وروسيا ليستا على الموجة نفسها في ما يتعلّق بجنوب سوريا، لكنّ الولايات المتّحدة لا تفعل الكثير في غياب تفكير واضح بشأن الملفّ السوريّ. وهناك سؤال آخر حول ما إذا كان الأسد قويّ بما يكفي لمنع إيران من التدخّل في حدوده الجنوبيّة".