القاهرة – التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في 9 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 ، وثمن السيسي مستوى التعاون بين البلدين ، مشيرا إلى زيارته الأخيرة في العاصمة الفرنسية باريس في 23 تشرين الأول / أكتوبر.
وزار الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي فرنسا للمرّة الثالثة في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017، وأخذت هذه الزيارة طابعاً اقتصاديّاً، وظهر ذلك من حجم الاتفاقيّات ومذكّرات التفاهم التي تمّ توقيعها خلال الزيارة، إذ أعلنت الخارجيّة الفرنسيّة التوصّل إلى اتفاقات عدّة مع مصر، تشمل 4 قروض في مجالات الطاقة والصحّة والضمان الاجتماعيّ.
ولم يعلن عن قيمة الـقروض الفرنسيّة الـ4، ولكن وزير الصحّة المصريّ أحمد عماد الدين قال للإعلاميين خلال زيارة لمحافظة بورسعيد وهي المحافظة الأولى التي وقع عليها الاختيار في تطبيق منظومة التأمين قال في 30 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017: إنّ فرنسا ستقرض مصر 30 مليون يورو لصالح منظومة التأمين الصحيّ.
وأشارت مجموعة Quwa الإعلاميّة الدوليّة المتخصّصة في مجال الدفاع والتحليل بتقرير نشر في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017 إلى أنّ وزارة الدفاع الفرنسيّة مهتمّة ببيع صفقة لمصر من القاذفات الهوائيّة من طراز A400M وطائرات هليكوبتر من طراز NH90، وأوضحت أنّ هذه المبيعات المرتقبة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
ولفت التقرير إلى أنّ مصر كانت الدولة الأولى التي اشترت الـ"رافال". وبعدها، اشترت قطر والهند. وبالتّالي، فإنّ فرنسا تعتبر مصر سوقاً كبيرة على المدى الطويل وبوّابة إلى قوى إقليميّة أخرى، خصوصاً في مجلس التعاون الخليجيّ، مشيراً إلى أنّ باريس قدّمت قروضاً تغطّي 60 في المئة من القيمة التراكميّة لمبيعات الأسلحة إلى مصر، منذ عام 2015، مع دفع مصر 40 في المئة المتبقّية، وتمّت تغطية هذه القروض من قبل الحكومة الفرنسيّة.
وبحث عبد الفتّاح السيسي خلال زيارته الأخيرة لباريس صفقة جديدة لشراء مزيد من طائرات "رافال"، لكنّ شركة "داسو" المصنّعة لـ"رفال" رفضت إتمام الصفقة بالضمانات السابقة نفسها، وبرّرت ذلك بالمخاوف بشأن تدهور الأوضاع الاقتصاديّة في مصر، بحسب تقرير نشرته صحيفة "لا تريبون" الفرنسيّة.
وكان وزير الاقتصاد والماليّة الفرنسيّ برونو لو مير قد أشار في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017 إلى أنّ وزارته تحجم عن صفقة "رفال" من جرّاء شروط الدفع التي طلبتها مصر، وقال: "من الطبيعيّ أنّ وزارة الماليّة الفرنسيّة تريد التأكّد من أنّ مصر ستكون قادرة على دفع ثمن طائراتها" .
ورأى الباحث الاقتصاديّ وائل النحّاس أنّ توسّع مصر في القروض لن يسهم في نجاح الإصلاح الاقتصاديّ، الذي تهدف إليه الحكومة المصريّة، وقال في حديث هاتفيّ مع "المونيتور": يجب إعادة ترتيب الأولويّات بشأن صفقات التسليح التي تقوم بها مصر.
من جهته، أشار وكيل لجنة الدفاع والأمن القوميّ في مجلس النوّاب يحيى الكدواني إلى أنّ الصفقات التي تجريها مصر تتمّ طبقاً لدراسة مدى حاجات القوّات المسلّحة إلى رفع قدرات التسليح وتقوية منظومة الدفاع، لافتاً في اتصال هاتفيّ مع "المونيتور" إلى أنّ مصر تقع في بؤرة صراعات إقليميّة، وقال: "من لا يملك جيشاً قويّاً في الشرق الأوسط لن يكون له مستقبل".
أضاف: "نعلم أنّ صفقات التسليح تمثّل عبئاً على الاقتصاد، ولكن هناك ضرورة ملحّة، وهي حماية الأمن المصريّ من الهجمات الإرهابيّة".
واعتبر يحيى الكدواني أنّ أيّ حديث عن شراء مشروعيّة للقيادة السياسيّة، مقابل صفقات السلاح التي تجريها مصر، هو رؤية ضيّقة لما يحدث في الواقع، مؤكّداً أنّ "الرئيس المصريّ يتصرّف طبقاً للصالح العام".
بدوره، قال وكيل اللجنة الاقتصاديّة بمجلس النوّاب مدحت الشريف في اتصال مع "المونيتور": إنّ التوجّه الحكوميّ للتوسّع في القروض ستتحمّل تبعاته الأجيال المقبلة، وهو ما يتنافى مع التنمية المستدامة.
ورأى أنّ الإصلاح الاقتصاديّ لا يعتمد فقط على إصلاح السياسات النقديّة والماليّة، بل يجب على الحكومة رعاية برامج لتنمية الاقتصاد من خلال سدّ عجز الموازنة ومنابع الفساد، مشيراً إلى أنّ الديون الخارجيّة لمصر وصلت إلى 80 مليار دولار، وهو مستوى خطير لحجم الديون الخارجيّة، لافتاً إلى أنّ صفقات التسليح الأخيرة لمصر جاءت لرفع القدرات الدفاعيّة، وقال: "في بعض الأحيان، يكون توفير البندقيّة أهمّ من توفير فأس للزراعة".
وتتّهم جماعات حقوقيّة فرنسا بالتخلّي عن المبادئ من أجل مصالح اقتصاديّة وأمنيّة. وقالت "هيومن رايتس ووتش" في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017: يجب على الحكومة الفرنسيّة التوقّف عن تجاهل الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في مصر، بما فيها استخدام أجهزة الأمن المصريّة التعذيب على نطاق واسع ومنهجيّ، والذي من المحتمل أن يشكّل جريمة ضدّ الإنسانيّة.
ودعت فرنسا إلى مراجعة الدعم الاقتصاديّ والأمنيّ والعسكريّ الذي تقدّمه إلى الحكومة المصريّة، وجعله مشروطاً بتحسّن ملموس للحقوق، لكنّ الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون رفض إلقاء محاضرات على مصر بشأن الحريّات المدنيّة، وقال خلال مؤتمر صحافيّ مع نظيره المصريّ في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017: "أقتنع تماماً بأنّ من مصلحة الرئيس السيسي أن تراعي الدولة المصريّة الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيزها في السياق الذي يراه هو".
ولاقى موقف إيمانويل ماكرون استياء حقوقيّين وكتّاب مصريّين، إذ علّق الكاتب الصحافيّ شادي لويس في صفحته على "فيسبوك" قائلاً: "ماكرون رئيس شاب يستطيع أن يعطي دروساً للأفارقة ينتقد خلالها ثقافتهم في الزيادة السكانيّة، لكنّه لا يستطيع إعطاء دروس في حقوق الإنسان لرئيس ديكتاتور لأنّ بلاده أكبر مستورد للسلاح من فرنسا، ماكرون هو نموذج للانتهازيّة والإجرام المغلّف".
من جهة أخرى، قال مدير الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان المحامي الحقوقيّ جمال عيد في تدوينة عبر "فيسبوك": "نحن لا نشتري أسلحة، نحن نشتري اعترافاً ومشروعيّة من التجّار.
وقال في تغريدة عبر ""تويتر": ما بين التجارة وحقوق الإنسان، اختار ماكرون أن يكون تاجراً.
يذكر أن مصر عقدت نحو 10 صفقات للتسليح خلال الـ4 أعوام الماضية، تأخذ روسيا النصيب الأكبر منها، إذ تمدّ موسكو القاهرة بنحو 70 في المئة من أسلحتها. كما حصلت مصر على غوّاصات من ألمانيا، إضافة إلى صفقة فرنسيّة شملت الميسترال وطائرات "رافال". ويصل حجم الإنفاق العسكريّ المصريّ إلى نحو 4 مليارات دولار في كلّ عام.