قال الشابّ باديس هلب الذي يبلغ من العمر 23 عاماً وهو عضو في حراك "آت ويلول" (شعب زوارة) في مدينة زوارة الساحليّة في شمال غرب ليبيا ذات الأكثريّة الأمازيغيّة: "إذا أردنا إعادة بناء الدولة الليبيّة، علينا البدء بحماية الكرامة الإنسانيّة. وبالتالي، وإن كان علينا النضال من أجل حياتنا في ظلّ الفوضى في ليبيا، لا يمكننا تجاهل اللاجئين والمهاجرين الذين ما زالوا يموتون في البحر أمام شواطئنا".
يتألّف "آت ويلول" و"أزريف" (حقوق)، وهو حراك آخر من المجتمع المدنيّ، من 30 عضواً تقريباً من رجال ونساء تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً. وقد اضطلعت هاتان المنظّمتان بدور مهمّ في دفع بلديّة زوارة إلى اعتقال الأشخاص الذين يهرّبون المهاجرين، في سياق مبادرة تهدف إلى منع الهجرة غير الشرعيّة من ساحل زوارة الممتدّ على طول 75 كيلومتراً في شمال غرب ليبيا. وبحسب الأرقام الرسميّة لبلديّة زوارة، يقدَّر عدد سكّان المدينة الليبيّة الأمازيغيّة بـ 60 ألف نسمة في المنطقة الممتدّة من راس جدير على الحدود التونسيّة الليبيّة إلى مدينة صبراتة، وهي المدينة الأولى الواقعة شرق زوارة. يشار إلى أنّ الأمازيغ، وهي كلمة تعني "البشر الأحرار" أو "الرجال الأحرار"، المعروفون أيضاً باسم "البربر"، هم سكّان شمال إفريقيا الأصليّون ويشكّلون 5% من مجموع سكّان ليبيا.
وكانت التظاهرة الأولى التي نظّمها "أزريف" و"آت ويلول" ضدّ التهريب في العام 2014، لكنّها لم تُحدث أيّ تغيير يُذكر. وفي أواخر آب/أغسطس 2015، عُثر على عشرات الجثث التابعة لمهاجرين على شواطئ زوارة، وتحرّك الناشطون على الفور من خلال تنظيم تظاهرة أكبر وأكثر تأثيراً من الناحية البصريّة. فقد عرضت المنظّمتان، على الطريق الرئيسيّة لوسط مدينة زوارة، صوراً للجثث بغية التوجّه مباشرة إلى الناس ورفع الوعي بشأن الوفيّات في البحر. لكنّ المتظاهرين رفعوا أيضاً مطلباً مباشراً موجّهاً إلى البلديّة، ألا وهو توقيف المهرّبين من أجل منع الهجرة غير الشرعيّة والوفيّات الجماعيّة الناجمة عنها.
ونتيجة لهذا التحرّك، طلبت البلديّة من ميليشيا "الرجال المقنّعين" المشاركة في عمليّات توقيف واعتقال بقيادة الشرطة. وقد أُرسل بعض المهرّبين المعتقلين إلى سجون طرابلس، فيما يقبع بعضهم الآخر في سجن زوارة الصغير. وتواصل البلديّة مراقبة عمليّات الهجرة غير الشرعيّة وتوقيف المهرّبين، لكنّ آلاف الأشخاص ما زالوا يهاجرون إلى أوروبا من مدن صبراتة والزاوية وطرابلس المجاورة، ويتمّ العثور على جثث بعضهم على شواطئ زوارة. ويشارك خفر السواحل والصيّادون في المدينة في بعض عمليّات الإنقاذ.
يغادر السكّان ليبيا لأسباب متعدّدة، منها القتال المستمرّ ضدّ الأشخاص المحسوبين على نظام معّمر القذافي السابق – والوضع غير المستقرّ في ليبيا الذي يتعرّض الأمازيغ في ظلّه للتمييز والعنف. وفي عهد القذافي، كان ممنوعاً على الأمازيغ ممارسة طقوسهم التاريخيّة أو الاحتفال بأعيادهم الثقافيّة أو إطلاق أسماء غير عربيّة على أولادهم.
كانت زوارة ولا تزال نقطة الانطلاق الرئيسيّة للمهاجرين غير الشرعيّين، ولا سيّما في السنوات الأخيرة من حكم القذافي. وفي عهد القذافي، سُجن اللاجئون من القرن الإفريقيّ وغرب إفريقيا في مراكز اعتقال عند أبواب الصحراء في ظلّ ظروف مروّعة. ولا تزال مراكز اعتقال المهاجرين واللاجئين في البلاد تشهد أشكالاً بليغة من العنف، كما كشف اللاجئون أنفسهم الذين يحملون على أجسامهم علامات التعذيب. وقد أشارت منظّمة الأمم المتّحدة ومنظّمات أخرى لحقوق الانسان في العالم إلى هذا النوع من الممارسات في مراكز الاعتقال. وعقب انتشار هذه التقارير عن المنطقة، قال ناشطون محليّون من المجتمع المدنيّ في أحاديث مع "المونيتور": "نريد تغيير سمعة زوارة من مدينة للمهرّبين إلى مدينة قانونيّة وآمنة للجميع".
ومن المسائل المهمّة الأخرى مسألة إنفاذ القانون. تعتبر المنظّمتان المحليّتان أنّ إعادة بناء الدولة تتطلّب أن يكون إنفاذ القانون ومكافحة الفساد من بين القوى الدافعة. فقد كان حكم القذافي مستنداً إلى العلاقات الشخصيّة والمحسوبيّة، وكانت آليات القانون خاضعة بالتالي لقرارات الزعيم ومصالحه.
ويعتبر الكاتب الليبيّ المنفيّ هشام مطر، في روايته الجديدة "العودة" التي تتضمّن سيرته الذاتيّة، أنّ النزاعات التي اندلعت بعد ثورة 2011 كانت نتيجة 40 سنة من الظلم والاضطهاد في ظلّ نظام القذافي وإيديولوجيته. ويرى الروائيّ أنّ مفهوم القذافي المتناقض والغامض للديمقراطيّة دفعه إلى وضع قوانين من أجل مراقبة الشعب بطريقة استبداديّة وإلى قمع المعارضين بشكل وحشيّ.
وبالتالي، فإنّ إعادة إحياء المنطقة لا تتطلّب معالجة مشكلة تهريب المهاجرين مباشرة فحسب، بل أيضاً إعادة بناء ثقافة بكاملها ظلّت مقموعة لفترة طويلة من الزمن. وتسعى منظّمتا المجتمع المدنيّ الأمازيغيّتان إلى تغيير النظام السابق من خلال إشراك الشباب في أنشطتهما الثقافيّة. فمن شأن ذلك أن يحول دون لجوء الشباب إلى أنشطة تهريب غير شرعيّة في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة.
"أزول" هي كلمة أمازيغيّة تعني "مرحباً"، وتمثّل بالنسبة إلى شعب زوارة ترحيباً حارّاً. ويعيد الأمازيغ الذين يسكنون هذه المدينة الساحليّة إحياء لغتهم المكتوبة والمحكيّة التي مُنعوا من استخدامها في عهد القذافي. وهناك مبادرات لغويّة كثيرة تنظّمها مجموعات تحاول مساعدة المدينة في نواحٍ اجتماعيّة وثقافيّة عدّة.
وفيما ينظّم حراك "آت ويلول" مهرجاناً سنويّاً للتنوّع الثقافيّ ويعمل على مشاريع مسرحيّة تتناول مواضيع متعلّقة بالنوع الاجتماعيّ، اختار "أزريف" التركيز أكثر على حقوق المواطنين ومسؤوليّاتهم.
وقال ناشط في "أزريف" يدعى أنير: "نحن نفعل ما يتوجّب على الحكومة فعله بطبيعة الحال لكنّها تعجز عن فعله في ظلّ هذه الظروف الاستثنائيّة". وقد حاول "أزريف" أيضاً إصدار جواز سفر خاصّ للمهاجرين المقيمين في زوارة من أجل منحهم وضعاً قانونيّاً، لكنّ الخبر انتشر في مدن أخرى يقيم فيها مهاجرون شرعيّون، واضطرّت المنظّمة إلى الرجوع عن قرارها لتفادي انتشار أوراق مزيّفة في ليبيا.
ما زالت الطريق نحو الاستقرار طويلة جداً، وما زال جميع هؤلاء الناشطين الشبّان يعانون من الآثار النفسيّة للثورة والحرب الأهليّة التي تلتها سنة 2014. وقال محمد دهان، وهو عضو في "آت ويلول" يبلغ من العمر 27 عاماً: "لقد شهدنا وفاة أصدقاء وتعرّضهم لإصابات، ثمّ جثث مهاجرين على الشواطئ. وعلى الرغم من ذلك كلّه، يريد "آت ويلول" و"أزريف" في زوارة بعث رسالة سلام إلى العالم".