في حي زيتون، أقدم الأحياء المقامة بالبلدة القديمة في وسط مدينة غزّة، يرى المرء مشهداً أثريّاً متمثّلاً بعمارة فنيّة أو منزلاً مغايراً للأبنية المجاورة له. وأبى صاحبه السيّد عاطف سلامة إلاّ أن يحوّله إلى منزل شاميّ، إذ ضمّ في جوانبه وأروقته معدّات ومقتنيات تراثيّة، كما هي الحال تماماً في المنازل التي نشاهدها في المسلسلات السوريّة مثل مسلسليّ "باب الحارّة" و"ليالي الصالحيّة".
وفي هذا السياق، قال عاطف سلامة لـ"المونيتور": "تمّ إنشاء هذا المنزل لاعتزازي بالتراث العربيّ عموماً، والذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي جاهداً إلى محوه من ذاكرتنا، ولتكذيب المقولة الإسرائيليّة التي تقول إنّ الكبار يموتون والصغار ينسون".
وأوضح أنّ هذا المنزل تمّ بناؤه كاملاً من الأحجار القديمة المسمّاة بالكركار، والتي عمد إلى جمعها من البيوت المهجورة والقديمة جدّاً، والتي بنيت في القرنين الـ15 والـ16، وعدد آخر من الأحجار حصل عليها بعد شرائها من بعض المواطنين الذين هدموا بيوتهم القديمة، إذ لم يعرف أحد ما حاجته إلى هذه الأحجار القديمة، والتي لا فائدة منها في هذا العصر رغم متانتها وقوّتها في التماسك أكثر من الأحجار الحديثة. ويصل وزن الحجر الواحد منها إلى 30 كلغ تقريباً. كما أنّ ميزتها باردة صيفاً ودافئة شتاء، حيث تخزّن حرارة الصيف في جوفها لتطلقه في الشتاء وتجعل الأجواء دافئة، وكذلك العكس في الصيف.
لقد واجه صعوبات في الحصول على بعض القطع والموادّ التي شيّد منها منزله، مثل نوافذ المنزل التي صنعت من الزجاج الملوّن والمسمّى بالزجاج الإسلاميّ المعشّق، والذي يعتبر من التراث الإسلاميّ، وحصل عليه من جمهوريّة مصر. كما أحضر الحديد الذي استعمله في المنزل من مدينة الخليل.
وشرح سلامة الإطارين الهندسيّ والداخليّ للمنزل قائلاً: "يتكوّن المنزل من طابقين، ويتوسّط الفناء الداخليّ للطابق الأرضيّ بئر مياه، كالتي نراها في المسلسلات السوريّة القديمة، وبجانبها زير رخاميّ كبير الحجم، علماً أنّ المرأة قديماً كانت تجلب المياه من البئر وتخزنّها في الزير لتستعملها في الشرب أو الغسيل، وهذا ما نقوم به نحن الآن. كما توجد بجانب بئر المياه فتحة نفق تقود إلى طابق تحت الأرض يسمّى ببئر الغلّة، حيث كان يخزّن الطعام للمواسم المختلفة".
أمّا الطابق الأرضيّ فيضمّ غرفتين، إحداهما للضيافة وهي تحتوي على مجلس عربيّ قديم، والثانية مكتبة تضمّ أبرز الكتب والمجلّدات القديمة والتي كتبت حروفها على ورقها منذ قرون، وما زالت لهذه الكتب طابعها التراثيّ، كما هو واضح من أغلفتها وأروقتها القديمة.
ويتكوّن الطابق العلويّ للمنزل من غرفتين للمعيشة وأخرى كبيرة تتوسّط المساحة للتدفئة عن طريق موقد مثل مواقد التدفئة القديمة التي اندثرت منذ قرون، إضافة إلى سلّم خشبيّ يقود إلى سطح المنزل، والذي تمّ تجهيزه للطهيّ أو الشواء وبني فيه فرن صنع من الطين المحروق.
وأشار إلى أنّ تحويل المنزل إلى هذا الشكل الشاميّ كلّفه الكثير من الجهد والمال والعمل المتواصل على مدار6 أشهر، إلاّ أنّ ذلك لا يساوي شيئاً مقابل راحته النفسيّة التي يراها في المنزل هو وأسرته من جهة، والحفاظ على تراثهم الذي يثبت أحقيّتهم كعرب في الأرض الفلسطينيّة من جهة أخرى.
ويستكمل الحيّ الصغير الذي يسكن فيه سلامة حاليّاً بقيّة معالمه التراثيّة والحضاريّة، فإلى جانب أقدم الكنائس والمساجد الواقعة فيه، إضافة إلى الحمّام الشعبيّ القديم الذي يجتمع فيه سكّان المدينة للاستحمام فيه، وبقيّة المعالم الأخرى، يأتي هذا المنزل استكمالاً للرونق الخارجيّ والعام لهذا الحيّ.