عقب صلاة الجمعة في 14 نيسان/أبريل، في مدينة المفرق الشمالية خرج عشرات الأردنيين في مظاهرة وأحرقوا العلم الإيراني وصور المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي، مطالبين بطرد السفير الإيراني من المملكة الهاشمية.
جاءت التظاهرات رداً على حرب كلامية إندلعت بين كبار المسؤولين الأردنيين والإيرانيين. في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" في 6 نيسان / أبريل، تطرّق الملك عبد الله الثاني إلى تزايد للمستوطنات الإسرائيلية من باب محاربة الإرهاب. وحذر من "أن هذه الاجراءات [...] تزيد من قوة إيران وزعيم عصابة داعش الإرهابية أبو بكر البغدادي."
فاجأت تصريحات الملك الأردني الكثيرين في طهران لأنه بدا وكأنه يضع الحكومة الإيرانية والدولة الإسلامية ("داعش") في الكفة ذاتها. وجاء الردّ من إيران سريعاً، حيث وصف المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، تصريحات الملك عبد الله لصحيفة واشنطن بوست بأنها "سخيفة وغير مدروسة" وتعكس ببساطة جهله ونظرته السطحية تجاه تطورات المنطقة. وعلى وجه السرعة، استدعت وزارة الخارجية الأردنية السفير الإيراني في عمان مجتبى فردوسي بور وأبلغته احتجاجاَ شديد اللهجة على انتقادات إيران التي أعقبت تصريحات الملك عبد الله الثاني.
وكان لتصريحات قاسمي وقع شديد الأثر على الأردنيين الذين يتوقعون توجيه الإنتقادات إلى الحكومة من قبل المعارضين لسياسات البلاد ولكن لم يتوقعوا أن تطال هذه الانتقادات الملك نفسه، الذي يُعتبر خطاً أحمر في المملكة الهاشمية.
وبعيداً عن الإهانات الشفهية، يعكس الخصام الأخير بين عمان وطهران انقساماً حقيقياً في السياسة العامة من غير المُرجّح أن ينتهي قريباَ. وكان الملك عبد الله قد حذّر في مقابلته مع صحيفة "واشنطن بوست" من أن "الحرس الثوري الإيراني على بعد 70 كيلومتراً تقريباً (في جنوب سوريا) من الحدود الاردنية" مضيفاّ "أن مجيء لاعبين آخرين، من تنظيمات وغيرهم، إلى حدودنا لن يتم التهاون معه."
وقال نبيل شريف، وزير الإعلام الأردني السابق وسفير الأردن الأسبق في المغرب، لـ"المونيتور": "إن الأردن بعيد جغرافياً عن إيران. لا يحق للقوات الايرانية التواجد على حدودنا على الإطلاق. الاستنتاج الوحيد الذي يمكنني الوصول إليه هو أنهم موجودون هناك لتهديد الأردن والضغط عليه ".
في هذا الإطار يقول بيام محسنى، مدير مشروع إيران في كلية كنيدي للإدارة الحكومية" في جامعة هارفارد، لـ "المونيتور": "تعتبِر إيران الحرب الأهلية السورية نزاعاَ يهدف أساساً إلى تقويض الجمهورية الإسلامية. نظراً لعلاقات سوريا التاريخية الوثيقة بإيران وموقعها الجيوستراتيجي الهام على البحر الأبيض المتوسط — بما في ذلك قربها من حزب الله — فإن الإيرانيين لن يتخلوا عن سوريا عن طيب خاطر. كما وتعتبِر إيران أن عمليات التوغّل في سوريا من جهات خارجيّة — بما في ذلك من الحدود الأردنية — غير مقبولة وستعمل على تأمين منطقة الحدود ".
تجدر الإشارة إلى إن إقتراب القوات الإيرانية أو قوات حزب الله من الأراضي السيادية الأردنية قد يزعزع الاستقرار في عمان. وفي هذا السياق أكّد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة الأردن موسى شتيوي لـ "المونيتور" : "أن إيران وحزب الله حاولا في السابق تنفيذ هجمات داخل الأردن."
في عام 2015، حكمت المحكمة العسكرية الأردنية على ثمانية مشتبه بهم من حزب الله - سبعة أردنيين من أصل فلسطيني وسوري – بتهمة التآمر لشن هجوم إرهابي ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية داخل الأردن باستخدام رشاشات ومتفجرات محلية الصنع، وتجنيد الشباب للإنضمام إلى التنظيم اللبناني المتشدد. وفي العام ذاته أحبطت قوات الأمن الأردنية هجوماً إرهابيَا على يد مجموعة بيت المقدس المدعومة من الإيرانيين حيث تم العثور على 45 كيلوغراماً من المتفجرات في حيازة المشتبه به.
وقال أليكس فاتانكا، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط لـ"المونيتور": "هناك رغبة فطرية لدى المتشددين في طهران لعرض عضلاتهم وإظهار إيران على أنها قوّة إقليمية لا يستهان بها. عندما تشير طهران إلى أن قواتها قريبة من الحدود فهذا يعني أنها لاعب أساسي في سوريا أو العراقوكأنها تقول "نحن جزء من المعادلة ولا يمكن عزلنا" ".
ويبدو أن لجهة عمان الشديدة المتجدّدة ضد إيران ترتكز أيضاَ على تحالفين استراتيجيين للأردن مع المملكة العربية السعودية من جهة والولايات المتّحدة من جهة أخرى والتي تبنت كل منهما سياسات صارمة جداّ تجاه طهران. ويقول مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية في عمان عريب الرنتاوي لـ "المونيتور" إن الأردن ليس لديه "الرفاهية" أن ينأى بنفسه عن مناصريه الأثرياء، فهو يرزح تحت أزمة اقتصادية حادّة وهو في حاجة ماسة الى دعم أميركي وسعودي لاقتصاده وجيشه".
وفيما يؤكّد الرنتاوي أن كل شيء له ثمن في العلاقات الدولية، تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2016، قدّمت الولايات المتّحدة مساعدات إلى الأردن تجاوزت قيمتها 1.6 مليار دولار.
ليست هذه المشاحنة الدبلوماسية الأردنية-الإيرانية الأولى من نوعها، ففي كانون الثاني/ يناير 2016، استدعت وزارة الخارجية الأردنية السفير الإيراني في عمان مجتبى فردوسي بور لإدانة الهجوم على السفارة السعودية في طهران، بما أن المملكة العربية السعودية حليفُ قديم للأردن. وفي عام 2004، حذّر الملك عبد الله من سيطرة "الهلال الشيعي" الإيراني على المنطقة.
ومن المُرجّح أن تشتّد حدة التوترات مع إيران في ضوء كثرة المقالات عن العلاقة الأردنية-الإيرانية التي نشرتها وسائل الإعلام الأردنية، بما في ذلك مقال لأسامة الشريف، نُشر على المونيتور ويُفيد بأن الأردن يستعدّ "لعمليّات عسكريّة مشتركة مع قوّات خاصّة أميركيّة وبريطانيّة ضدّ مقاتلي داعش.
وفي هذا السياق يؤكّد الرنتاوي أن "المسألة لا تتعلق فقط بهزيمة داعش، فالسؤال الآن هو من سيملأ الفراغ الذي سيتركه تنظيم داعش في هذه المناطق؟ تتطلع إيران ومعها حزب الله إلى دعم الجيش السوري التابع لنظام بشار الأسد لملء الفراغ."
هذا الإحتمال غير وارد بالنسبة للأردن وحلفائه، فهم يريدون حلفائهم وحتى قواتهم الخاصة أن تملأ الفراغ الذي ستتركه داعش في هذه المناطق من سوريا.
من جهته أعرب الملك عبد الله عن قلقه إزاء النوايا الإيرانية فى المنطقة فى مقابلته مع صحيفة "واشنطن بوست" حين قال: "هناك محاولة لإيجاد تواصل جغرافي بين إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان. لقد ناقشت ذلك مع الرئيس بوتين، وهو يدرك جيداً نوايا إيران الاستراتيجية بأن يكون لها نفوذ في هذه المنطقة."
ويعكس موقف القيادة الأردنية بيان قمة جامعة الدول العربية الصادر في آذار / مارس والذي هاجم طهران ضمنياً من خلال استنكار ورفض التدخل الخارجي في الشؤون العربية. وقال شتيوي "أن إيران تحاول تعزيز نزعتها الراديكالية الإسلامية الخاصة ونهجها التوسعي ما هو إلا محاولة للسيطرة على المنطقة".
هذا ورفض وزير الدولة لشؤون الإعلام والمتحدث باسم الحكومة محمد المومني الإدلاء بأي تعليق لـ"المونيتور" في ما يتعلق بهذه المسألة.
وأفاد فاتانكا أن معاهدة السلام الأردنية لعام 1994 مع اسرائيل فضلاً عن توجه المملكة الهاشمية المؤيد للولايات المتحدة قد وضعا البلد في تصادم مع إيران.
في الحقيقة يعتبر الكثير من الأردنيين أن دعم إيران الثابت لمنظمات الميليشيات العربية مثل حزب الله من أجل نشر الفكر لإسلامي الإيراني في المنطقة يتناقض مع خطاب طهران نفسه ضد التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
ويقول فاتانكا: "لا يمكن لإيران أن تتبنى موقفاً ونقيضه في الوقت ذاته. لا يمكن أن تكون إيران دولة ثورية تريد كسر الأنظمة بما في ذلك الأنظمة التي تحافظ على سلطة ملوك مثل الملك عبد الله من جهة وأن تقول للملك عبد الله من جهة أخرى "لماذا تخافني ولماذا تتكلم ضدي؟"