عقب قرار الرئيس الأميركيّ السابق باراك أوباما في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، السماح برفع بعض العقوبات المفروضة من جانب الولايات المتّحدة ضدّ السودان، والتي تتعرض لها منذ 1997 نتيجة اتهامها بدعم مجموعات إسلامية مسلحة وارتكاب تجاوزات لحقوق الإنسان بحق الأقليات في دارفور وتعاملها مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي عاش هناك بين عامي 1992 و1996، جاء الرئيس السودانيّ عمر البشير مباشرة إلى السعوديّة، التي قال مسؤولون سودانيّون أنّها لعبت دوراً مهمّاً ساعد على رفع العقوبات عبر تنسيق مشترك بين وزارتي خارجية البلدين، وظهر البشير إلى جانب العاهل السعوديّ الملك سلمان بن عبد العزيز أثناء عرض عسكريّ في الرياض بـ25 كانون الثاني/يناير من العام الجاري.
وأشار سفير السودان في السعوديّة عبد الباسط السنوسي لـ"المونيتور" إلى أنّ الخطوة التي تمّت من قبل الولايات المتّحدة والرئيس السابق باراك أوباما، جاءت بعد حوار ونقاش طويل بين ممثلين من الجانبين واستيفاء السودان للطلبات الأميركيّة، وقال: "لقد حظينا بدعم سعوديّ في هذا الاطار، والملك سلمان بن عبد العزيز تعهّد للرئيس البشير بمواصلة الجهود لإزالة العقوبات كافّة عن السودان، واستبعاده من قائمة الدول الراعية للإرهاب".
عبد الباسط السنوسي، الذي كان يتحدّث عبر الهاتف من المدينة المنوّرة لدى مرافقته البشير الذي قضى بعض الوقت هناك لتأدية بعض المناسك الدينيّة، أشار أيضاً إلى أنّ خطوة أميركا ضوء أخضر لدول الخليج ولكلّ دول العالم للتعامل مع السودان على المستويات الاقتصادية كافّة، وقال: "من الأولى أن تمضي تلك الدول بحماس أكثر في علاقتها مستقبلاً مع بلادي".
ولفت إلى أنّ هناك اتفاقية وقعت بين الخرطوم والرياض لاستثمار سعوديّ لمليون فدّان زراعيّ في منطقة شمال السودان وشرقه أبرمت في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، في إطار خطّط السعوديّة لتنفيذ 30 مشروعا لتحقيق الأمن الغذائي.
أدت مشاركة السودان في العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن منذ 25 مارس/آذار 2015 إلى نقلة نوعية في العلاقة بين الرياض والخرطوم التي وصلت أولى دفعات جنودها إلى عدن 188 أكتوبر/تشرين الأول في العام نفسه.
أدت مشاركة السودان في العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن منذ 25 مارس/آذار 2015 إلى نقلة نوعية في العلاقة بين الرياض والخرطوم التي وصلت أولى دفعات جنودها إلى عدن 188 أكتوبر/تشرين الأول في العام نفسه.
في حين رفض القول إنّ إغلاق السودان للسفارة الإيرانيّة كان بمثابة الثمن الغالي للقفز بعلاقتها مع السعوديّة، أشار إلى أنّ ذلك الإجراء الذي تم في 4 يناير/كانون الثاني جاء أوّلاً نظير الممارسات الإيرانيّة في الداخل السودانيّ عبر محاولة نشر مراكز التشيّع، لكن ذلك أسهم في التقارب مع السعودية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية بإيران قبل أن تقطعها السودان بيوم واحد فقط بعد الاعتداء على سفارتها في طهران مطلع كانون الثاني/يناير من عام 2016.
وشدّد السفير على أنّ الباب بينهم وبين طهران مغلق حتّى تتغيّر السياسة الإيرانيّة ولا علاقة للسعودية بموقفهم من إيران.
وعمّا إذا كان السودان قادراً على أن يحلّ محلّ مصر لتأدية دور سياسيّ يساند السعوديّة في المنطقة، قال: إنّهم لا يضاهون أنفسهم بأحد، ولديهم قناعة بأنّ دور أيّ بلد عربيّ من دون استثناء مهمّ في هذه المرحلة الحسّاسة التي تعيشها المنطقة.
وبعيداً عن التعليق الديبلوماسيّ للسنوسي على هذا السؤال، فإنّه من الواضح أنّ العلاقة بين الرياض والخرطوم تسير بسرعة عالية كلّما تباينت بين الرياض والقاهرة في الضفّة الأخرى، وتطوّرها آثار تكهّنات بأنّ السودان أصبح الخيار الأمثل في حال وصلت علاقة السعوديّة ومصر إلى طريق مسدود في ظلّ الأزمات المتلاحقة، والتي كان آخرها حكم القضاء المصريّ ببطلان قرار الحكومة إعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السعوديّة.
وفق اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، التي أبرمت أثناء زيارة سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة في مطلع نيسان/إبريل من عام 2016.
وحسب فتح الرحمن يوسف، وهو صحفي سوداني تحدث لـ"المونيتور" في الرياض، فإن دور السودان لايمكن تعويضه حتى في ذروة الحضور الإيجابي للعلاقة بين السعودية ومصر، لأن الخرطوم تملك اتصالا فاعلا مع جميع الدول الأفريقية وهي البوابة الأفضل للسعودية لعلاقة سياسية وأمنية واقتصادية مع القارة السمراء ، والنتائج التي أفضت إليها قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة في أديس أبابا 30يناير/كانون الثاني ومن بينها التهديد بالانسحاب من محكمة الجنايات الدولية بدعوى تعاملها الجائر مع الدول الافريقية يدل على تأثير السودان الذي تلاحق المحكمة رئيسه البشيروتتهمه بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
وقال يوسف إن قرار أوباما قد يرفع الحظر الأمريكي عن تصدير المعدات وقطع الغيار العسكرية للسودان، في الوقت الذي سوف تتاح الفرصة للشركات السودانية بتصدير القطن والقمح والسكر والصمغ العربي الذي تشتهر به أرض السودان ويدخل في صناعات دوائية.
وبدا قطاع الاستثمار السعوديّ نشطاً في الأراضي السودانيّة خلال الفترة الأخيرة، متناغماً مع التحرّكات الإيجابيّة في المجال السياسيّ، وقال حسين بحريّ، رجل الأعمال السعوديّ من مدينة جدّة، والذي يرأس مجلس الأعمال السعودي السوداني لـ"المونيتور": إنّ إقبال الشركات السعوديّة يزداد على السودان، الذي فتح المجال لهم في قطاعات التعدين والسياحة والطب والتصنيع والبترول، "أتوقّع أن تكسر أرقام الاستثمارات السعوديّة الحاجز الحاليّ، وهو 3.5 مليار دولار"، لأنّ القرار الأميركيّ الأخير يتيح حريّة انتقال الأموال من السودان وإليه، ويحسّن سعر صرف العملة المحليّة، فالوضع في طريقه إلى التغيير في البلاد التي عانت من الحصار الاقتصادي منذ 30 عاما.
ويلقى السودان اليوم الرضى التام من الرياض، ليس على صعيد المواقف السياسيّة فحسب، بل في الجانب الميدانيّ العسكريّ، حيث أرسل في 17أكتوبر/تشرين الأول 2015 إلى عدن جنوبيّ اليمن، مئات الجنود من قوّاته البريّة لمساندة القوّات السعوديّة والإماراتيّة هناك، ويملك الحماس للصمود في موقفه حتّى إزاحة الحوثيّين من هرم السلطة.
وكانت مرّت العلاقة بين البلدين في أسوأ حالاتها في 29 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2012، حين سمحت الخرطوم لثلاث سفن إيرانيّة بأن ترسو على مياهها في البحر الأحمر، الأمر الذي أثار شكّ الرياض إلى درجة أنّها منعت طائرة البشير في 4 آب/أغسطس من عام 2013، من العبور عبر أجوائها إلى طهران لتهنئة الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني بمناسبة انتخابه حينها حاكماً لبلاده.
ووصلت المناكفات بين البلدين، إلى درجة أنّ مصارف سعوديّة أوقفت في عام 2014 الحوالات الماليّة إلى السودان، وهو ما حرم اقتصاد السودان من أموال المغتربين، الذين يتخطّون 500 ألف يعملون في المؤسّسات التعليميّة والصحيّة والخدميّة والاقتصادية في السعوديّة، قبل أن يرفع الحظر في أبريل/نيسان 2015.
ووفقاً للصحفي القطريّ جابر الحرمي، الذي تحدّث لـ"المونيتور" هاتفيّاً من الدوحة، فإنّ موقف الخرطوم اليوم يتناغم مع الموقف العربيّ، الذي تمثّله اليوم دول مجلس التعاون بقيادة السعوديّة، وقال: "دول الخليج هي التي تدافع عن القضايا العربيّة أمام المجتمع الدوليّ، بينما الموقف المصريّ يبتعد عن ذلك".
وراهن جابر الحرمي الذي كان رئيس تحرير جريدة الشرق في قطر على أنّ العلاقة الخليجيّة السودانيّة سوف تتعزّز أكثر في الفترة المقبلة، خصوصاً أنّ السودان دولة مهمّة في قارة إفريقيا وتمثّل عمقاً استراتيجيّاً للدول العربيّة جمعاء، وإن بقي النظام المصريّ يصرّ على توجّهاته، فإنّ السودان هو البديل من دون شكّ.
لقد اقتربت جمهوريّة السودان أكثر من أيّ وقت مضى من الخليج، وتجاوزت المشاعر العالقة من الكويت تجاهها إثر دعمها لموقف الرئيس العراقيّ السابق صدّام حسين، عندما احتلّ الكويت لمدّة سبعة أشهر في آب/أغسطس من عام 1990، بل إنّ البشير نفسه، أصدر قراراً في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، بإعفاء مواطني دولة الكويت من تأشيرة دخول بلاده.