مدينة غزّة، قطاع غزة - وقّعت جامعة القدس في أبو ديس (بلدة ملاصقة للقدس) في 13تشرين الثاني/نوفمبر 2016م، بروتوكول تعاون مع معهد "يونس أمرة" التركيّ يهدف إلى تدريس اللّغة التركيّة في الجامعة، للمرّة الأولى. ويتضمّن التعاون تدريس اللّغة التركيّة من قبل أساتذة مؤهّلين، إضافة إلى التعريف بالثقافة والتاريخ والفنون التركيّة، وتطوير الأبحاث المشتركة.
وتعتبر فلسطين واحدة من بين 45 مركزاً حول العالم يقيم شراكة مع معهد "يونس أمرة" التركيّ. وسبق أن منحت جامعة القدس الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان الدكتوراه الفخريّة في عام 2012، تقديراً له على دعم القضيّة الفلسطينيّة.
وفي هذا الإطار، قالت الطالبة في جامعة القدس رجاء يوسف (21 عاماً): "إنّ هذه الخطوة مهمّة، لأنّها ستطلعنا على ثقافات شعوب أخرى".
أضافت في حديث لـ"المونيتور": "إنّ دراسة اللّغة التركيّة سيخدمها في حال إكمال دراساتها العليا في إحدى الجامعات التركيّة".
أمّا الطالب رامز الخطيب، من الجامعة نفسها، فاعتبر في حديث لـ"المونيتور" أنّ تجربة تركيا في النهوض بالدولة والمجتمع جعلتها تفرض لغتها الأمّ في جامعات عالمية عديدة، مؤكّداً أنّ تدريسها في القدس سيشهد إقبال الطلّاب أكثر عليها.
بدوره، أشار نائب رئيس جامعة القدس للاتصال والتنمية والقائم بأعماله د. حسن دويك إلى أنّ "تدريس اللّغة التركيّة في القدس سيفتح آفاقاً للتعاون الأكاديميّ، خصوصاً في مجال البحث العلميّ، مؤكّداً في حديث لـ"المونيتور" أنّ تركيا من الدول التي تقدّمت خطوات كبيرة في مجال البحث العلميّ.
ووفقاً لهيئة الأبحاث العلمية والتكنولوجية التركية، فإن تركيا في المرتبة الثانية عالميا من حيث سرعة زيادة حجم الإنفاق على البحث والتطوير، وكانت قد احتلت في عام 2008 الرقم 18 بين دول العالم في البحث العلمي.
وأوضح دويك أنّهم يطمحون إلى فتح آفاق أوسع للتعاون الدوليّ، وقال: "نحن حاليّاً ندرّس في الجامعة اللّغات الإنكليزيّة والإيطاليّة والفرنسيّة، ونتطلّع إلى تعميق علاقتنا بتركيا من خلال تدريس لغتها" وتوقع أن تبادر جامعات فلسطينية أخرى إلى تدريس التركية، في ظل إقبال الطلبة على الدراسة بجامعاتها من خلال الالتحاق بمنح الحكومة التركية، التي يستفيد منها الطلبة الفلسطينيون في الداخل والخارج.
ولفت إلى أنّ تدريس اللّغة التركيّة خطوة جيّدة لتعليم الطلاّب الفلسطينيّين هذه اللّغة في المستقبل. وفي المقابل، تشجّع الطلاّب الأتراك على القدوم إلى القدس، وقال: "لدينا الآن طلاّب أتراك يدرسون العلوم السياسيّة، وعلوم الشرق الأوسط، والدعوة وأصول الدين".
ويبلغ عدد الطلبة الأتراك في جامعة القدس، وفق د. دويك، حوالي 10 طلبة، قال إنها يدرسون من خلال التبادل الطلابي، ووفق مشاريع مدعومة من الاتحاد الأوروبي.
ويقدم الاتحاد الأوروبي دعما لنظام التعليم والتدريب المهني والتقني في فلسطين؛ بهدف تطوير مؤسسات التعليم والتدريب المهني والتقني، لجعلها أماكن تعلم أكثر فاعلية.
وأطلق الاتحاد الأوروبي في 10 كانون الأول/ديسمبر 2015 برنامجا جديدا؛ لدعم نظام التعليم والتدريب المهني والتقني في فلسطين، مدته أربع سنوات، بالتعاون مع وزارتا العمل والتعليم العالي.
وأشار دويك إلى أنّ تدريس اللّغة التركيّة سيكون اختياريا وليس إلزاميا، وعبر مساقيْن في الجامعة أحدهما بمستوى ابتدائي والآخر متقدم، بما يجعل الطالب قادراً على التكلّم بهذه اللّغة "حين يتوجّه إلى الدراسة في الجامعات التركيّة".
من جهته، لفت الوكيل المساعد لشؤون التعليم العالي في فلسطين الدكتور أنور زكريا إلى أنّه من أكثر الأشخاص المؤيّدين لتعليم اللّغات في فلسطين، وقال في حديث لـ"المونيتور": إنّ تعليم اللّغات ليس المقصود منه، في الدرجة الأولى، دعم سوق العمل، إنّما تعزيز العلاقات والروابط بين فلسطين والدول الأجنبيّة.
أضاف: "أتمنى لو كلّ جامعة في فلسطين تتبنّى تعليم اللّغات الأجنبيّة، لأنّنا في حاجة إلى تعزيز العلاقات مع دول العالم".
وأكّد أنّ تعليم اللّغات عموماً عمليّة مهمّة جدّاً، وقال: إنّ تعليم اللّغة التركيّة في القدس من شأنه أن يخلق تعاوناً بين الجامعات الفلسطينيّة ونظيراتها التركيّة، من خلال الاطّلاع عن قرب على برامج الدراسة العليا في تركيا.
وفي هذا السياق، أكّدت وزارة العمل الفلسطينيّة، في ورقة عمل قدمتها لمؤتمر علمي حول سبل تعزيز آفاق التعاون بين الجامعات الفلسطينية والقطاع الخاص، بداية العام الدراسي الماضي في 13 أيلول/سبتمبر 2015، اتّساع الفجوة بين مخرجات التعليم الجامعيّ، ومتطلّبات سوق العمل، ممّا دفع ببعض المؤسّسات الدوليّة التنمويّة إلى إعداد برامج تهدف إلى تعزيز فرص العمل الرياديّ لدى الشباب.
وأوضحت الوزارة، خلال المؤتمر، أّن خرّيجي الجامعات في بعض التخصّصات يشكون من ارتفاع في معدّلات البطالة لأنّ تخصّصاتهم تشكّل فائضاً عن حاجة سوق العمل.
من ناحيته، أكّد الخبير الإقتصاديّ نهاد نشوان أنّ دخول لغات أجنبيّة إلى واقع العمل الفلسطينيّ، ومن بينها التركيّة، ينشّط واقع الإقتصاد، وقال لـ"المونيتور": إنّ سوق العمل تتطلّب وجود لغات أجنبيّة بخلاف العربيّة، نظراً لوجود كثير من الشركات الدوليّة والإقليميّة في فلسطين، مثل البنوك، وشركات الاتصالات، وشركات التأمين، وشركات المحاسبة الدوليّة، وغيرها.
أضاف: "مثلاً، عندما تريد شركة تركيّة الاستثمار في فلسطين، فمن الطبيعيّ أن تكون هناك حلقة وصل بين المستثمر والواقع، وهذه الحلقة هي الخرّيج الجامعيّ الذي يتحدّث اللّغات الأجنبيّة".
واعتبر أنّ فلسطين تحتاج إلى تقوية الترابط مع دولة تركيا خصوصاً، للاستفادة من النهضة الإقتصاديّة التي تمرّ بها، وقال: إنّ استثمار الأتراك يعزّز قيمة الاستثمار في فلسطين، ويعطي أفقاً جديدة أمام جلب الشركات الأجنبيّة إلى سوق العمل.
ومن المؤكّد أن تعليم اللّغة التركيّة في جامعة القدس للمرّة الأولى سيفتح شهيّة الجامعات الفلسطينيّة الأخرى، للاقتداء بها نحو زيادة مساحة تعليم اللّغات الأجنبيّة، ضمن جهود الانفتاح الأكاديميّ على ثقافات ولغات الشعوب الأخرى.