طهران، إيران — من بين أهم الوعود التي قام بها حسن روحاني في حملته الانتخابية في عام 2013 تلك التي شملت القضايا الثقافية. فبعد فوزه بالانتخابات، عيّن روحاني علي جنتي كوزير للثقافة والإرشاد الإسلامي وفاءً بوعوده الانتخابية. ولكن منذ اليوم الأول لتوليه منصبه واجه جنتي، وهو سياسي معتدل وابن المحافظ المتشدد أحمد جنتي، مواجه شديدة على يد كلّ من المتشددين والإصلاحيين الإيرانيين.
بينما يعتبر المتشددون أن جنتي يتخطى الخطوط الحمراء لقيم الثورة الإسلامية في عام 1979، يتهمه الإصلاحيون بأنه يتراجع في مواجهة الانتقادات والهجمات التي يشنّها ضده المتشددون.
في خلال العقد الماضي لم تكن تشكّل إقامة الحفلات أيّ مشكلة ولكن منذ وصول روحاني إلى سدّة الحكم، يواجه منظمو الحفلات الموسيقية عرقلات في عملهم غالبًا ما تؤدي إلى إلغاء الحفلات.
ولمنع أي محاولات لإلغاء الحفلات الموسيقية، الأمر الذي من شأنه التأثير سلبًا على شعبية روحاني، قامت الإدارة الإيرانية بإصدار تعميمٍ لمنع مؤسسات الدولة الأخرى مثل القضاء أو الشرطة من إلغائها.
وجاء في التعميم أنه لا يحق للشرطة إلغاء الحفلات الموسيقية. وبناءً على القانون الجديد، صرّح جنتي أنّ المطربين الذين يرغبون بإحياء حفل لهم يتعين عليهم طلب إذن بتنظيم الحفل من وزارة الثقافة بينما الشرطة تُعنى بتنظيم السير وحركة المرور في مكان الحفلة وحسب.
وردًا على هذا القانون، أمر نائب قائد القوات المسحلة الإيرانية الجنرال مسعود جزائري الشرطة بمواصلة "التعامل مع الشذوذ الأخلاقي وسوء السلوك في الأماكن العامة بما في ذلك الحفلات الموسيقية".
وسجلت محافظة خراسان رضوي المعروفة باسم العاصمة الدينية لإيران رقمًا قياسيًا في إلغاء الحفلات الموسيقية. تقع خراسان رضوي، وهي أكبر المحافظات، الشمال الشرقي للبلاد وتعتبر مشهد عاصمتها.
تضم محافظة خراسان رضوي عددًا كبيرًا من مواقع وأماكن الحج الدينية بما في ذلك ضريح الإمام علي الرضا وهو الإمام الثامن في الشيعة الإثني عشرية، بالإضافة إلى مسجد كوهرشاد.
وقد قامت الشرطة والقضاء في المحافظة بإلغاء مؤخرًا حفلات لمطربين تقليديين معروفين مثل شهرام ناظري وسالار عقيلي. تعليقًا على إلغاء حفلة عقيلي، قال المدعي العام في خراسان رضوي غلام علي صادقي: "كانت هناك بعض المشاكل في ما يتعلق بمحتوى وأداء الحفلة فضلًا عن الملابس المستعملة والجمهور الذي كان سيحضر ممّا دفع فئات مختلفة من الناس مثل رجال الدين الكبار لتقديم الشكاوى لدى مكتب المدعي العام حول إقامة الحفلات في العاصمة الدينية لإيران".
وردًا على إلغاء الحفلات الموسيقية بشكلٍ متكرّرٍ، انتقد جنتي القضاء بتاريخ 7 آب/أغسطس الجاري مصرحًا: "هذا سيكلّف القضاء كثيرًا. سنتكلم الآن مع مسؤولين رفعي المستوى في النظام القضائي لحلّ هذه القضية. فلا يجوز لمحافظة عدم إطاعة القانون فهي ليست جزيزة منفصلة عن البلد".
قوبلت تصريحات جنتي بردود فعل غاضبة من القضاء. فقد صرّح صادقي: "إلغاء الحفلات لا يكلّف القضاء شيئًا. فمن واجب القضاء إيقاف الأعمال غير القانونية. وأقل ما يمكن اتهام وزير الثقافة به هو أنه يقوم بنشر الأكاذيب والتشويش على الرأي العام. ولو كان الأمر بيدي كمسؤول قضاء في متابعة التهم الموجهة ضده لما كنت ترددت لدقيقة واستدعيته فورًا".
ومن منتقدي الحفلات الغنائية أيضًا المحافظ المتشدد و إمام جمعة مشهد وممثل المرشد الأعلى في خراسان رضوي آية الله علم الهدى. فبينما كان التوتر يحتدّ بين إدارة روحاني والقضاء، وجد علم الهدى نفسه مجبرًا على التدخل لمنع الحكومة من مواصلة جدول أعمالها الثقافي.
ففي تاريخ 12 آب/أغسطس الجاري شبّه علم الهدى مقر الكنيسة الكاثولكيكية الرومانية إلى مشهد وقال إن الجميع يحترم قداسة الفاتيكان.
وقد صرّح قائلًا: "يجب أن ندرك أننا نعيش في المدينة التي دُفن فيها الإمام رضا. فليس من الممكن إقامة الحفلات في مدينة الإمام رضا ولا يتعين علينا مجادلة بعض الناس والمسؤولين محدودي التفكير في هذا الشأن. فإذا أردتم إحياء الحفلات الموسيقية انتقلوا للعيش في مكان آخر".
وبعد بضعة أيام وفي خطوة واضحة أنه يتراجع عن موقفه أعلن وزير الثقافة": "بالنظر إلى أنّ ضريح الإمام رضا يرقد في مشهد ولا يحبذ البعض إقامة الحفلات الغنائية في المدينة بما في ذلك الممثل العزيز للمرشد الأعلى في خراسان رضوي ونحن نحترم رأيه. ورغم أن الحفلات لا تشكل أي مشكلة إلا اننا سنعدل عن إقامة الحفلات هناك".
تراجع جنتي عن موقفه أثار اعتراض العديد من المسؤولين والناشطين. فقد عبّر النائب على مطهري بصراحةٍ عن موقفه قائلًا: "لقد تراجع وزير الثقافة عن موقفه وهو أمر لا يجوز. من الممكن استدعاؤه إلى البرلمان. لسنا في دولة فيدرالية وخراسان رضوي لا تتمتع باستقلال ذاتي ولا تتبع قوانين معينة".
من جانبها، قامت صحيفة "جمهوري إسلامي" المتعدلة بانتقاد وزير الثقافة مصرحةً: "لا يُعتبر تعليق إمام جمعة مشهد أمرًا واجب التطبيق لأن مهمّة هؤلاء لا تشمل إعطاء الأوامر لمسؤولين في السلطة التنفيذية".
ولكن يبدو أن انتقادات المتشددين للحفلات الموسيقية لا تتفق مع آراء المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي نفسه. فبحسب تصريحات محمد جواد حجتي كرماني وهو أحد رجال الدين المعتدلين الذين كانوا برفقة آية الله خامنئي في المنفى قبل الثورة الإسلامية في عام 1979، لموقع الخبر أون لاين بتاريخ 14 آب/اغسطس الجاري: "إنّ تعليق علم الهدى يمثل العكس تمامًا لوجهة نظر المرشد الأعلى. فآية الله على خامنئي هو فنان وشاعر وعازف موسيقى بالإضافة إلى كونه عالم ومفكر".
ولقد أعرب المرشد الأعلى في الماضي عن وجهة نظره حول الموسيقى والحفلات الغنائية. ففي خطابٍ بارزٍ منذ عشرين سنة صرّح قائلًا: "لم يتم استخدام الموسيقى في منطقتنا لأهداف سامية على نقيض المسار الموسيقي في أوروبا. الكل يعلم بأنني معادي للغرب بطبيعتي. ليس في الغرب ما يبهرني. ولكن في الوقت نفسه، أعترف بخصائصه الإيجابية ومنها الموسيقى. فالموسيقى المفيدة والمجدية لطالما كانت موجودة هناك. نجت بعض الأمم في الغرب بفضل الموسيقى"
وحتى روحاني نفسه انتقد جنتي الذي يبدو أنه تخلى عن دعم المطربين في وجه الضغوطات المتزايدة من قبل المتشددين. فقد صرّح روحاني بتاريخ 22 آب/أغسطس قائلًا: "في رأيي، لا يجب أن يتراجع الوزراء عن موقفهم تحت الضغوطات التي تمارس عليهم. لا يمكن لأي شخص ينهض في الصباح يجد منبرًا أن يسن قوانين".
وأضاف الرئيس: "ليس من الخير العمل ضد القانون أقسم بالله. والأسوأ من ذلك القيام بذلك باسم الدين".
ومن جهته قال صادق زيبا كلام وهو أستاذ بارز في جامعة طهران: "تراجع السيد جنتي عن قراره قد أعطى أئمة الجمعة المتأثرين بعلم الهدى في المدن الإيرانية الأخرى سببًا لمنع إقامة الحفلات الغنائية في تلك المدن. ففد أظهر جنتى أنه شخص لا يمكنه التمسك بآرائه وهو يرضخ بسهولة للضغوطات".
تراجع جنتي عن قراره في وجه ضغوطات علم الهدى قد يؤذي سمعة روحاني ويزيد من معارضة المتشددين له في بعض القضايا الأخرى. فعلى الرئيس أن يقرر الآن إما أن يشمّر عن ساعديه ويواجه المتشددين أو يخاطر بفقدان ثقة الشعب فيه.