رام الله – الضفّة الغربيّة، في 18 أيّار/مايو، صادق مجلس الوزراء الفلسطينيّ على خطّة دمج التعليم المهنيّ والتقنيّ بالتعليم العام في المدارس الحكوميّة، والّتي سيبدأ العمل بها مطلع أيلول/سبتمبر المقبل، ضمن رؤية الحكومة الفلسطينية لإصلاح منظومة التعليم، في ظلّ الإقبال الكبير على التعليم الأكاديميّ.
ويأتي هذا التوجّه الحكوميّ، بعد اطلاق وزارتي التربية والعمل المجلس الأعلى للتعليم المهنيّ والتقنيّ في 5 كانون الثاني/يناير لتعزيز التخصّصات المهنيّة والتقنيّة ودعمها، بما يضمن تحسين نوعيّة التعليم الفلسطيني ومخرجاته بعد دمج التعليم المهني، وإيلاء المزيد من الاهتمام لهذا القطاع لمواجهة ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الخرّيجين من الجامعات والكليّات.
ان التوجه نحو الدراسة الاكاديمية في الجامعات الفلسطينية، لا يتم وفق معرفة ودراسة احتياجات سوق العمل، ما يخلق مزيدا من البطالة في صفوف الشباب، الذين لا يجدون فرص عمل بشهاداتهم الجامعية، في حين تزداد حاجة سوق العمل الفلسطيني للفنيين والتقنيين، اذ كشف الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ في 26 كانون الثاني /يناير من عام 2015 أنّ هناك حوالى 32 ألف خرّيج سنويّاً من الجامعات وكليّات المجتمع يتمّ ضخّهم في سوق العمل، وقد بلغت نسبة البطالة بين الخرّيجين الشباب خلال الربع الثاني من عام 2014 حوالى 56 في المئة.
واطّلع "المونيتور" على خطّة وزارة التربية والتعليم لدمج التعليم المهنيّ والتقنيّ في المدارس، إذ سيتم طرح 9 تخصّصات مهنيّة وتقنيّة لـ3 صفوف هي السابع والثامن والتاسع ابتدائيّ، هدفها تعليم الطلاّب المبادئ الأساسيّة لتلك المهن، كي يتمّ توجيههم مستقبلاً للإلتحاق والعمل بها. وحسب البرنامج، تمّ تخصيص مساقات الرسم الهندسيّ وأعمال النجارة والدهان وإعداد وتقديم الطعام والشراب كمقدّمة للتوجّه نحو التعليم الفندقيّ لطلاّب الصف السابع، ومساقات تصميم وتفصيل وخياطة الملابس وأعمال البناء واستخدام المعادن والبلاستيك في الإنشاءات والتصميم الداخليّ والديكور وتشكيل لوحات الزينة لطلاّب الصف الثامن، بينما سيتمّ تدريس تخصّصات التمديدات الكهربائيّة وصيانة الأجهزة المنزليّة الإلكترونيّة وتصفيف الشعر والعناية بالبشرة والجلد والتجميل والتصنيع الغذائيّ للصف التاسع.
وسيطبّق البرنامج كتجربة أولى في أكثر من 400 مدرسة فلسطينيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة من أصل 2100 مدرسة، لتوفّر المختبرات الضروريّة لتعليم الطلاّب المهارات الأساسيّة للتخصصات الجديدة التي تم ادخالها، في حين يتمّ العمل على تجهيز 122 مختبرا او ورشة فنية او تقنية إذ سيتمّ إعطاء محاضرتين أسبوعيّاً لكلّ صف دراسيّ.
وتتجلى مشكلة البطالة في صفوف خريجي الجامعات، سنويا خلال الامتحان العام الذي تعقده وزارة التربية والتعليم لتعيين موظفين ومدرسين جدد في المدارس، اذ قال المدير العام للتعليم المهنيّ والتقنيّ في وزارة التربية والتعليم المهندس جهاد دريدي لـ"المونيتور": "خلال العام الحاليّ تقدم نحو 44 ألف خرّيج جامعيّ لإمتحان التوظيف في وزارة التربية للعمل كمدرس عام او سكرتير اداري، رغم أنّ حاجة الوزارة ومدارسها لا تزيد عن ألفين موظف (مدرس واداري) جدد، وهذا يثبت أنّ استمرار التركيز على التعليم الأكاديميّ فقط، سيؤدّي إلى تضخّم مشاكل البطالة والخرّيجين وانعدام فرص العمل".
أضاف: "الهدف من مساقات التعليم المهنيّ هو تأسيس الطلاّب ضمن مراحل مبكرة من عمرهم نحو التعليم المهنيّ والتقنيّ، وتوجيههم مستقبلاً بحيث يستطيع الطالب تشكيل عمل خاص به، وعدم الإعتماد على الوظيفة الحكوميّة".
التوجّه الفلسطينيّ لدمج التعليم المهني والتقني في المدارس الفلسطينية، وادخال مساقات فنية وتقنية جديدة، حظي بتمويل ماليّ ألمانيّ، إذ تمّ توقيع إتفاقيّات تعاون بين فلسطين وألمانيا بقيمة 10 ملايين يورو في 25 أيّار/مايو، تقضي تلك الاتفاقيات على ان يدعم البنك الألمانيّ للتنمية وزارة التربية والتعليم بذلك المبلغ بهدف تحسين فرص العمل للشباب الفلسطينيّ من خلال التركيز على التدريب المهنيّ والتقنيّ.
وقال ممثّل ألمانيا لدى فلسطين بيتر بيرفيرت في كلمته على هامش توقيع الإتفاقيّة في مدينة رام الله: "هذه الإتفاقيّة تهدف إلى دعم قطاع التعليم المهنيّ والتقنيّ، ونحن نسعى إلى زيادة هذا الدعم لهذا القطاع الحيويّ، لما له من أهميّة خاصّة، ونركّز في دعمنا على فئة الشباب بهدف التقليل من نسبة البطالة المتفشّية في صفوفهم، وخصوصاً خرّيجي الجامعات".
بدورها، أكّدت مديرة التنمية الإقتصاديّة والتعليميّة في البنك الألمانيّ بابيت كامينسكي في كلمتها أهميّة التعاون الوثيق مع الوزارات المتخصّصة لفتح الآفاق أمام الشباب الفلسطينيّ وتوفير فرص العمل لهم وزيادة فرص التدريب المهنيّ والتقنيّ، بما يساهم بسرعة اندماجهم في سوق العمل.
وقال جهاد دريدي: إنّ ألمانيا استجابت لطلب الحكومة والسلطة الفلسطينية في دعم التعليم المهنيّ، ضمن النقاش المستمرّ حول توجّهاتها وخططها الاستراتيجيّة، بحيث سيركّز التمويل على دعم مراكز التعليم المهنيّ والمدارس الصناعيّة والكليّات الموجودة وإعادة تأهيلها وتزويدها بالتجهيزات والأدوات الضروريّة كي تكون قادرة على تقديم التدريبات اللاّزمة في التخصّصات.
وأوضح دريدي أنّ أبرز التحدّيات أمام هذا النوع من التعليم هو التكلفة الإقتصاديّة العالية، إذ تبلغ تكلفة الطالب نحو 3 أضعاف الطالب الأكاديميّ، وتتحمل تلك التكلفة الحكومة الفلسطينية، لكنها ستسعى الى تأمين التمويل والدعم الخاص لدعم التعليم المهني، والمزيد من الأبنية المدرسيّة والمختبرات والمشاغل والمعدّات، والّذي تسعى الوزارة إلى تجاوزه من خلال علاقاتها الثنائيّة مع الدول المانحة، ومع القطاع الخاص الفلسطيني، وما تخصّصه الحكومة من موازنتها السنوية العامة، لوزارة التربية والتعليم العالي من رواتب للمعلمين، ومصروفات للمدارس.
من جهته، قال وكيل وزارة العمل ناصر قطامي لـ"المونيتور": "إنّ ثلثيّ مخرجات التعليم الاكاديمي في فلسطين لا تصب في سوق العمل. ولذلك، تمّ إطلاق المجلس الأعلى للتعليم المهنيّ والتقنيّ لمعالجة الإختلالات في نظام التعليم وإصلاحه وتشجيع الطلاّب على توجّههم نحو التعليم المهنيّ".
أضاف: "الهدف الاستراتيجيّ للمجلس هو رفع نسبة الإقبال وتوجه الطلاب على التعليم المهنيّ، كونه القطاع الاكثر أهميّة ويلبي احتياجات سوق عملنا، اكثر من قطاع التعليم الاكاديمي، الأمر الّذي من شأنه أن يعالج حال الإختلال القائمة بين الدراسة وحاجات سوق العمل".
وأشار إلى أنّ المجلس سيعتمد على مجموعة آليات للعمل كالتدخّل في تطوير المناهج التعليميّة ومواكبة حاجات سوق العمل والتنسيق مع القطاع الخاص لتحميله مسؤوليّاته في التدريب، وتوفير الدعم والمعدّات اللاّزمة، وقال: "في حال نجاح خطّتنا الاستراتيجيّة، فإنّنا نتوقع أن يحتلّ قطاع التعليم المهنيّ والتقنيّ التوجّه الأوّل في فلسطين، وأن يتضاعف الإقبال عليه".
وتأمل الحكومة الفلسطينيّة أن يؤدّي توجّهها نحو القطاع المهنيّ والتقنيّ إلى تقليل نسبة البطالة في صفوف خرّيجي الجامعات، وتوجيه طلاّب المدارس نحو هذا التعليم لدمجهم في سوقي العمل الفلسطينيّ والعربيّ، رغم التحدّيات الّتي يفرضها هذا التوجّه على الحكومة، وأبرزها توفير الإمكانات الماديّة الّتي يحتاج إليها.