"حلمنا بكسر المركزيّة وبأنّ نوفّر كلّ أنواع الفنون فى المنيا والصعيد، ونقول إنّه يمكنك أن تحقّق حلمك هنا فى بلدك... حلمنا بأن نكون سبباً في أن تتغيّر نظرة المجتمع للصعيد ويشوفوا أنّ الصعيد مليان جمال ومواهب وطاقات إبداعيّة"، هذه الأهداف وضعتها مجموعة من شباب المنيا، لتتحوّل على أرض الواقع إلى كيان يحمل مسمّى "ألوانات".
"ألوانات" كيان يهتمّ بكلّ أشكال الفنّ من خلال مبادرات وأفكار جديدة ومبتكرة. لقد بدأ في الانتشار داخل مدينة المنيا لينتقل بين مراكزها، أملاً في توغّل نشاطه بكلّ محافظات الصعيد في شماله وجنوبه.
وفي هذا الإطار، قال أحد مؤسّسي الفريق ومنسّق مجموعة العمل حاليّاً ماركو عادل لـ"المونيتور": إنّ مجموعة ألوانات استأجرت مقرّاً ليصبح بمثابة مركز فنيّ ثقافيّ في محافظة المنيا، أسّسته مجموعة من الشباب المتطوّع، وبلغ عددهم 8 أشخاص يحبّون الفنّ والثقافة، ويهتمّ القائمون بألوانات بكلّ أشكال الفنّ ونشره بين جميع أفراد المجتمع.
وكانت "ألوانات" قد أقامت للمرّة الأولى مهرجان سينما في الصعيد خلال العام الماضي في تشرين الأوّل/أكتوبر، حضرته مجموعة من الفنّانين، أبرزهم "المنتج التلفزيونيّ محمّد العدل، ميّ نور الشريف وهي نجلة الفنّان نور شريف، حمزة العيلي، رانيا شاهين، ورئيس مهرجان المركز الكاثوليكيّ للسينما الأب بطرس دانيال.
ويأتي هذا، فيما تظلّ وزارة الثقافة المصريّة شبه عاجزة عن تحقيق مثل هذا الانتشار خارج حدود محافظتي القاهرة "العاصمة" والإسكندريّة"، رغم وجود مركز ثقافة في كلّ مدينة بمحافظات الجمهوريّة، وهو ما عقّب عليه ماركو عادل بقوله: "كفاية إنّهم سايبنّا في حالنا نشتغل".
وأبرز أنشطة "ألوانات"، الّتي تمّت على أرض الواقع في المنيا، تنظيم مهرجان سينما للأفلام القصيرة وعروض فنيّة في القرى ومعارض فنيّة، أضاف عادل.
يعدّ" مهرجان ألوانات في القرى" من أبرز المهرجانات الّتي شكّلتها "ألوانات" وانتشرت داخل قرى المنيا"، والّتي استهدفت أهالي القرى من مختلف الأعمار، سواء أكانوا أطفالاً أم شباباً أم كباراً بهدف نشر الوعي الثقافيّ والفنيّ بين الفئات المهمّشة، وهو ما حاز إعجاب أطفال وكبار القرى، بحسب عادل.
وإنّ الآليّة، الّتي تعتمد عليها "ألونات" للدعاية والإعلان عن أنشطتها، هي الصفحة الّتي دشّنها مؤسّسوها على موقع التّواصل الإجتماعيّ "فيسبوك"، والّتي حازت إعجاب ما يزيد عن 21 شخصاً.
ويتضمّن المهرجان تعليم الرسم والموسيقى وإقامة حفلات موسيقيّة وأغانٍ هادفة ومسرحيّات واكتشاف المواهب في التمثيل والغناء وكتابة الشعر والتّصوير والرسم، وغيرها من الفنون. ويذكر أنّه بدأ جولته الأولى في قرية تابعة لمركز أبو قرقاص في جنوب العاصمة، وينتظر أن ينطلق بعدها في جولة إلى بقيّة القرى في مختلف مراكز المنيا.
وفي بادرة جديدة على مجتمع الصعيد، نظّمت "ألوانات" حفلات موسيقيّة لفرق شبابيّة في بعض المراكز، أبرزها سهرة فنّ "السكيعة"، الّتي بدأت في مركز "ملوي" بجنوب العاصمة.
إنّ فكرة إنشاء مدرسة للباليه في صعيد مصر، الّذي يحرّم على بناته الكثير من الأنشطة، جاءت لتثري الثقافة الصعيديّة مجدّداً برياضة تعدّ دخيلة على عاداتها وتقاليدها. ورغم ذلك، حازت المدرسة إقبالاً يعدّ جيّداً في الصعيد، بحيث بلغ عدد الفتيات المشتركات 70 مشتركة، حسبما أفادت المدرّبة فاتن زيدان خلال حديثها مع "المونيتور".
ورأت فاتن زيدان، الّتي تعرّفت على نشاط "ألوانات" منذ 3 أشهر، أنّها تجربة رائعة وفريدة من نوعها تساهم في كسر التابوهات الّتي خلقها المجتمع الصعيديّ حيال فتياته، وأوضحت أنّ مدرسة الباليه بدأت بـ30 طفلة وولد واحد فقط، إلى أن ازداد العدد في وقت قصير، بعد ما ذاع صيت التجربة، ليصل الإقبال إلى ما يزيد عن الضعف بحيث بلغ 70 مشتركاً قابلاً للزيادة.
وأشارت إلى أنّ التّعامل مع الأطفال في مثل هذا العمر يبدأ بتلقينهم بعض أساسيّات التّعامل في ما بينهم، والّتي تأتي على رأسها حبّ بعضهم البعض وتأكيد العمل الجماعيّ واستمرار بثّ هذه الروح طيلة مدّة التّدريب وإيثارها على العمل الفرديّ، لتبدأ بعد ذلك في التدريب العمليّ لعروض الباليه، والّذي يتطلّب مهارات معيّنة من ليونة ورشاقة من قبل الطفل، ليسهل عليه التّدريب.
تبدأ أعمار الأطفال المشاركين في تدريبات مدرسة الباليه من 4 سنوات إلى 16 سنة، بحيث يتمّ تدريبهم فى قاعات للباليه من خلال اشتراك رمزيّ لكلّ مستوى، ويتمّ اختيار المتقدّمين بعد إجراء اختبارات لياقة بمعرفة متخصّصين. وبعد تدريب الأطفال على 6 مستويات أساسيّة للباليه، يتمّ تأهيلهم وإعدادهم للمرحلة الاحترافيّة بتقديم العروض، هذا ما قالته فاتن زيدان.
ويصرّ فريق "ألونات" على ألاّ يقتصر النشاط على المستوى المحليّ داخل مصر، بل يسعى إلى الوصول للعالميّة، إذ أشار عادل إلى أنّه بعد تأهيل المتدرّبات إلى المستوى المطلوب سيتمّ تقديم عروض الباليه داخل محافظة المنيا، يليها عدد من المحافظات لنصل إلى العالميّة، بعد فترة إعداد وتدريبات قويّة على يدّ متخصّصين.
ولفت عادل، الّذي تخرّج من كليّة الحقوق في عام 2006، وهو يعمل في مجال الأعمال الحرّة، في حديثه مع "المونيتور" إلى أنّ فريق "ألوانات" يحاول أن يجعل الفنّ جزءاً مهمّاً من الحياة اليوميّة، ويستحضره في كلّ شيء حوله، بما في ذلك الشوارع، وقال: "كلّ أمانينا أن تكون مصر كلّها فنّاً وثقافة".
لم تعق دراسة عادل أو مجال عمله تحقيق حلمه الّذي شرع في تنفيذه، أملاً في أن يكبر ليصل إلى كلّ مكان في مصر وأيضاً إلى العالميّة، كما قال عادل.
وعقد "ألوانات" شراكات عدّة، منها شراكة مع شركة يوسف شاهين للأفلام "زاوية"، ومعهد جوتة الألمانيّ لتبادل الثقافات من خلال المكتبة المتنقّلة. وكذلك، دشّن نشاطاً جديداً لتعليم الخطّ العربيّ بفنونه المختلفة، على أن يقيم قريباً تدريبات في مجال التمثيل المسرحيّ والسينمائيّ، في محاولة لخلق فرص فنيّة بالصعيد.
وفي حديثه، عاد عادل إلى بداية مشروعه، الّذي كان سبباً في تعاطف أهالي المنيا معه بل ودعمه، حيث قام وفريقه في عام 2014 برسم جداريّات ملوّنة بألوان مبهجة على حوائط الشوارع بمشاركة بعض الأطفال، لافتاً إلى أنّ الهدف آنذاك كان التّجديد في المخزون البصريّ لدى أهالي المحافظة، إذ أدّت الدهانات الرماديّة إلى إحداث تلوّث بصريّ لهم على مدار عقود من الاكتفاء بتلك الأفكار والدهانات الرماديّة من دون تجديد من قبل المسؤولين.