"بقصد أو بحسن نية الفساد خسارة عليك وعليا"، تحت هذا الشعار، أطلقت الحكومة المصرية أول حملة إعلانية خاصة لمكافحة الفساد، والتي بدأ بثها في عدد من القنوات التلفزيونية مع بداية شهر رمضان الجاري. يُظهر مضمون إحدي هذه الإعلانات التي تكافح "الواسطة"، استغلال موظف حكومي صلاته مع رئيس إحدي الهيئات التي يعمل بها، لتعيين نجل أحد أصدقائه في وظيفة لايستحقها دون إجراء اختبارات للوطيفة، قبل أن يختتم الإعلان بصوت خارجي يؤكد علي خطورة هذه الإجراءات في القضاء علي عدالة فرص التوظيف للجميع.
الحملة الإعلانية التي شملت 4 إعلانات تليفزيونية، تراوحت رسائلها بين التوعية من عملية الوساطة في الحصول على وظيفة، والتوعية من البيروقراطية داخل المصالح الحكومية، والأيادي المرتعشة، والتوعية من الرشوة في الجمارك، لم تُظهر في نهاية الإعلان الوزارة أو الهيئة الحكومية الممولة للإعلان، أو الوكالة الإعلانية المُنتجة لهذه الإعلانات .
يقول "سامي عبدالعزيز"، أستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، والذي صاغ أفكار هذه الحملة الإعلانية لمُكافحة الفساد، في حديث خاص "للمونيتور" :" أن هذه الحملات الإعلانية تستهدف تعديل سلوك وقيم المواطنين، والتأكيد علي أن الفساد لايعني فقط التربح المالي، ولكنه يشمل أساليب أخري كالواسطة، المحسوبية، والإجراءات البيروقراطية للموظفيين بالوزارات الحكومية المسئوليين عن إنهاء مصالح المواطنين" موضحاً أن هذه الحملات مُنتشرة بكافة دول العالم، كالولايات المتحدة الأمريكية التي بلغ فيها حجم الإنفاق الإعلاني العام الماضي مئات الملايين من الدولارات لحملات توعية المواطنين .
وعن حجم تكلفة حملة مُكافحة الفساد الإعلانية، يجيب "عبدالعزيز" :"لاتُحسب حجم التكلفة لأي حملة إعلانية، إلا إذا قدرنا حجم التأثير لهذه النوعية من الحملات، وهذا النوع من الحملات لايظهر تأثيرها إلا بعد فترات طويلة، جنباً إلي أن طريقة حسب التكلفة لاتكون مرتبطة بالعائد مادي، ولكن بالعائد السلوكي" موضحاً أن هذه الحملة لم تدفع فيها الحكومة شيئاً، لأن تمويل الحملة كان عن طريق منظمات دولية، بجانب أن جميع المُشاركين في إعدادها مُتبرعين بأجورهم المالية، وأذاعتها المحطات التليفزيونية مجاناً دون تقاضي أجراً مالياً من الحكومة المصرية".
خلال عهد الرئيس السابق "محمد حسني مُبارك"، أطلقت وزارة المالية المصرية حملة إعلانية تحت شعار " "الضرائب.. مصلحتك أولاً"، لتشجيع التجار على تقديم الإقرارات الضريبية، والمواطنين كذلك علي دفع الضرائب، يقول "عبدالعزيز"، الذي شارك أيضاً في إطلاق هذه الحملة الإعلانية :" كانت هذه الحملة من أنجح الحملات الإعلانية التي أعددتها، لأنها تزامنت مع إجراءات هيكيلية في منظومة الضرائب من جانب وزارة المالية، فكانت النتيجة هي هدف الحملة الرئيسي خلال فترة قصيرة".
وعن تباين أهداف الحملات الإعلانية بين عهدي "السيسي" و "مبارك"، قال "سامي " " كُل مرحلة لها أولوياتها ومفاهيمها، والأولوية كانت في عهد مبارك للمشكلة السكانية، وجمع الضرائب، بينما الأولوية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي لقضية مُكافحة الفساد، وهذه الإعلانات هي نوع من أنواع الاستجابة لنداءاته المتكررة بالقضاء علي الفساد بكافة أشكاله".
وجهة نظر"عبد العزيز" عن نجاح هذه الحملات الإعلانية علي المدي البعيد، يقابلها وجهة نظر لعاصم عبدالمعطي، وكيل الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، وهو أكبر جهاز رقابي لمكافحة الفساد في مصر، الذي يقول في حديث خاص "للمونيتور" أن هذه الإعلانات تُكلف الحكومة مبالغ مالية ضخمنة، تُستقطع من أجور الموظفيين الحكوميين مؤكداً أن خلال فترة عمله اكتشف وقائع فساد تتعلق بهذه الإعلانات التليفزيونية التي عادة مايكون مسئولاً عن إنتاجها مُقربون للوزراء المسئوليين، ويحصلون علي مبالغ مالية كبيرة من ورائها.
وأضاف "عبدالمعطي" :" الحكومة ليست صادقة في النوايا التي تُظهرها الإعلانات التليفزيونية بشأن مكافحة الفساد، مستدللاً علي هذا الأمر بعدم وجود قانون لحماية المبلغيين والشهود في قضايا الفساد، وتعرض العديد من المبلغين لأنواع مختلفة من التنكيل الوترهيب، التي تشمل خصومات من رواتبهم من جانب مرؤسييهم دون وجود أي إطار قانوني لحمايتهم، موضحاً أن في أغلب الأحوال من يمول هذه الحملات الإعلانية هي وزارة المالية، التي تُخصص جزء من موازناتها لهذا الأمر.
وتابع :" إجراءات الحكومة العملية متناقضة مع الأهداف المُعلنة للحملات الإعلانية التي تمولها لمكافحة الفساد، حيث تتجه لإصدار قوانين تصالح مع رجال الأعمال المتورطيين في قضايا فساد، دون إجراءات رداعة لهم، وكذلك مع المسئوليين المتهميين في قضايا فساد" مؤكداً أن هذه الإجراءات غير مُجدية في ضوء عدم جدية الحكومة في إصلاح مؤسسي لمنظومة الفساد في مصر .
يتذكر "عبدالمعطي" واقعة فساد لها علاقة بهذه الحملات الإعلانية خلال فترة عمله بالجهاز المركزي للمحاسبات:" في عام 2005، تم إطلاق حملة إعلانية لوزارة المالية عن اهمية دفع المواطنين الضرائب، وبعد مراجعة كافة البنود المتعلقة بالتعاقد بين الوزارة والجهة المُعلنة، تبين أن الجهة المعلنة مملوكة لأحد أقارب الوزير، وله شركة إعلانات ناشئة، وبلغ قيمة الإعلان خلال هذه الفترة مليون و850 ألف جنيه" .
حسب التقرير السنوي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، في يناير الماضي، فمصر تحتل المركز 88 من 168 دولة في مكافحة الفساد، بينما ذكر تقرير صادر عن نفس المؤسسة في مايو الماضي أن مصر من بين ثماني دول، التي زادت فيها نسبة الفساد خلال العام الماضي.
يقول "أحمد صقر عاشور"، خبير لدي الأمم المتحدة بمكافحة الفساد في حديث خاص للمونيتور :" أن هذه الإعلانات هي نوع من الهدر للموارد المالية، وعدم تقدير لفهم ظاهرة الفساد، والتصدري الاستراتيجي له، لأن الفساد الحقيقي الموجود في مصر متعلق بشكل أساسي في الثغرات الموجودة في قوانين الأجهزة الرقابية المسئولة عن مكافحته، واختلال التوازن بين السلطات الرقابية، وغياب تقييم أداء ممارسات كافة المؤسسات الحكومية.
ويضيف "عاشور" :" أن طبيعة الفساد الموجود في كافة قطاعات الدولة، ينبغي لمكافحته استراتيجية شاملة لمكافحة الفساد، وإرادة سياسية من السلطة الحاكمة، وتقوية لبرامج الإصلاح المؤسسي لدورة العمل داخلها مؤكداً أن الفساد في المرحلة الحالية صار أكثر تعمقاً، خصوصاً أن الظروف الاقتصادية الضاغطة باتت عاملاً محفزاً للمواطنين لممارسة بعض السلوكيات الغير منضبطة قانونياً.
وتابع "عاشور" أن برامج الإصلاح المؤسسي ينبغي أن تشمل تشريعات قانونية تُلزم كافة هيئات الدولة بالإفصاح عن موازناتها، وإطلاق برامج فاعلة لمكافحة قضايا الفساد خصوصاً أن أغلب هذه الأجهزة تتصدي لهذه القضايا بعد حدوثها، وتتعامل مع أغلبها بمنطق الشو الإعلامي، موضحاً أن هناك نوعيات من الفساد ضعفت ضعفاً كبيراً كالفساد السياسي خلال المرحلة الحالية، بينما بقيت أنواع الفساد الأخري في قطاعات التعليم والصحة موجودة بنسب كبيرة.