ككثير من أبناء بلدهم، يواجه العرب الأميركيّون خياراتهم للانتخابات الرّئاسيّة هذا العام بتردّد كبير.
يرفض الجمهوريّون الوعد الذي قطعه المرشّح الجمهوري المفترض دونالد ترامب بمنع هجرة جميع المسلمين بشكل مؤقّت، وكذلك تصريحاته العنصريّة حول الأقليّات الإثنيّة الأخرى.
في غضون ذلك، انجذب عدد كبير من الدّيمقراطيّين العرب الأميركيّين نحو ترشيح سيناتور فيرمونت، بيرني ساندرز، الذي جعل من حقوق الفلسطينيّين ورفضه لتدخّل الولايات المتّحدة العسكري في الشّرق الأوسط أركان سياسته الخارجيّة. إلا أنّ ساندرز خسر فرصته بالترشّح لصالح وزيرة الخارجيّة السّابقة هيلاري كلينتون في 7 حزيران/يونيو.
بالنّسبة إلى رندا فهمي هدوم، وهي جمهوريّة منذ القدم، ومساعدة سابقة لنائب وزير الطّاقة الأميركيّة في حكومة الرّئيس جورج دبليو بوش، يطرح كلّ من ترامب وكلينتون المشاكل.
وقد قالت في مقابلة مع المونيتور، "أنا أتحفّظ عن الحكم لأرى كيف ستتطوّر الأمور".
إنّ هدوم، وهي مستشارة سابقة للسيناتور العربي الأميركي سبنسر أبراهام، جمهوري عن ولاية ميشيغان، "عملت على جميع حملات" الجمهوريّين منذ عهد رونالد ريغان. وقالت إنّها دعمت حاكم نيوجيرسي كريس كريستي في ترشّحه هذا العام، وستؤيّد بطاقة ترامب-كريستي أو بطاقة ترامب وسيناتور تينيسي بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشّيوخ.
وقالت هدوم إنّها تتخيّل أيضًا إضافة اسم مرشّح.
تحدّث أيضًا إلى المونيتور شخص آخر من العرب الأميركيّين اشترط عدم الكشف عن هويّته، وقال إنّ النّاخبين قد يختارون مرشّحة حزب الخضر جيل ستاين، أو الليبرتاري غاري جونسون أو قد يحجمون عن المشاركة بكلّ بساطة.
وقالت هدوم إنّ "المجتمع العربي الأميركي ليس موحّدًا. لا نجد تأييدًا كبيرًا لترامب في صفوف العرب الأميركيّين الجمهوريّين وكذلك الدّيمقراطيّون العرب الأميركيّون منقسمون".
ولفتت إلى أنّ كلينتون اعتمدت لهجات مختلفة في ما يتعلّق بقضايا رئيسيّة كالنّزاع العربي الإسرائيلي في خلال مسيرتها الطّويلة. وقالت هدوم، "هي تقول شيئًا للجنة الشّؤون العامّة الأميركيّة الإسرائيليّة"، في إشارة إلى دعم كلينتون الكبير لإسرائيل أمام لجنة الشّؤون العامّة الأميركيّة الإسرائيليّة هذا العام، لكنّها "كسيّدة أولى فعلت أمرًا معاكسًا بالكامل"، عندما عانقت زوجة القائد الفلسطيني ياسر عرفات.
وقالت هدوم إنّ كلينتون سعت إلى التودّد إلى النّاخبين اليهود عندما ترشّحت لعضويّة مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك في العام 2000، لكنّها وبّخت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما كانت وزيرة للخارجيّة.
وسألت هدوم، "أيّ واحدة هي هيلاري كلينتون الحقيقيّة؟" وقامت أيضًا هدوم المولودة لأب مصري بانتقاد سجلّ كلينتون بشأن مصر وليبيا.
ذكّر عمود نُشِر في 8 حزيران/يونيو في موقع الكتروني عربي أميركي شعبي، كيف أنّ كلينتون أعادت في العام 2000 هبات بقيمة 51,000$ كانت قد جرى تقديمها لحملتها لانتخابات مجلس الشّيوخ من المجموعتين المسلمتين اللتين اتُّهِمتا زورًا بأنّهما تؤيّدان الإرهاب ضدّ إسرائيل. وأكمل العمود ليشير إلى أنّ كلينتون سعت وراء دعم العرب الأميركيّين هذا العام لكنّها شدّدت أيضًا على معارضتها لحملة المقاطعة، والعقوبات وسحب الاستثمارات التي تسعى إلى الضّغط على إسرائيل لوقف توسّعها الاستيطاني في الضّفة الغربيّة.
يشير العرب الأميركيّون إلى أنّه يصعب التّعميم حول مجتمعهم بسبب خلفيّته المتنوّعة. فالأغلبيّة مسيحيّة تتحدّر ممّن هربوا من بلاد الشام منذ قرن مضى وأتوا إلى الولايات المتّحدة قبل إغلاق باب الهجرة في العام 1924.
وفي حين يدعم معظمهم الفلسطينيّين، نجد آراء مختلفة حول سوريا حيث أيّدت كلينتون تدخّل الولايات المتّحدة أكثر من ترامب وساندرز.
وإنّ إدوارد غابرييل، لبناني أميركي وسفير الولايات المتّحدة السّابق في المغرب الذي يساعد كلينتون على استقطاب العرب الأميركيّين، أقرّ في مقابلة مع المونيتور "بوجود انقسام فعلي في المجتمع فهناك من يؤيّد التّدخل في سوريا وهناك من يعارضه. وأنا من المؤيّدين بشدّة لموقفها بأنّه علينا الوقوف في وجه (الرّئيس السّوري بشار) الأسد لإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات".
لكنّ غابرييل قال إنّ العرب الأميركيّين، كغيرهم من الأميركيّين، سيصوّتون بالأغلب على أساس القضايا المحليّة، بخاصّة "وضعهم في الحياة والحرّيّات المدنيّة". وأشار إلى أنّ كلينتون "تشكّل صوتًا قويًا ضدّ معاداة الأجانب"، وتوقّع أن يقوم مناصرو ساندرز في نهاية المطاف بالتوحّد حول كلينتون من أجل هزم ترامب.
قام ساندرز بتسمية جيم زغبي، الشّريك المؤسّس ورئيس المعهد العربي الأميركي، لعضويّة لجنة صياغة برنامج الحزب الدّيمقراطي، ويقوم زغبي بالحثّ على خطاب حول النّزاع العربي الإسرائيلي أكثر دعمًا لحقوق الفلسطينيّين. وعندما سأله المونيتور عمّا إذا كان ساندرز سيتنازل رسميًا ويدعم حملة هيلاري كلينتون، ومتى قد يجري ذلك، قال زغبي إنّه لا يعلم. وأضاف، "سنرى ما إذا كان سيتّخذ القرار بالامتناع عن ذلك إلى حين استيفاء شروطه، لا فقط في ما يتعلّق بصياغة برنامج الحزب بل أيضًا بالتغييرات الهيكليّة" في كيفيّة اختيار الحزب لمرشّحيه الرّئاسيّين.
بشكل عام، قال زغبي، وهو أيضًا مستطلع آراء متمرّس، إنّ العرب الأميركيّين سيصوّتون على الأرجح للحزب الدّيمقراطي، بعد توجّه اشتدّ منذ العام 2002. ولدى مقارنة مواقف المجتمع بمواقف المتحدّرين من أصل إسباني واليهود الأميركيّين، قال زغبي، "لم يحدث شيء في موسم الانتخابات التّمهيديّة هذا من شأنه أن يزيد الدّعم لصالح الجمهوريّين".
أمّا في ما يتعلّق بأولئك القلقين بشأن القضيّة الفلسطينيّة، فقد نشأ تخوّف من أنّ كلينتون ستكون مراعية أكثر ممّا يجب لوجهات النّظر الإسرائيليّة، ويعود ذلك جزئيًا إلى الهبات الضّخمة التي جرى تقديمها لحملة كلينتون من قبل أفراد كالملياردير الإسرائيلي-الأميركي حاييم سابان. وهذا هو الحال بشكل خاصّ في صفوف العرب الأميركيّين الذي يدعمون ساندرز.
وقال للمونيتور شبلي تلحمي، مستطلع آراء فلسطيني أميركي وأستاذ في جامعة ميريلاند، "من الواضح أنّ ساندرز أسر خيال الناس الذين يبحثون عن مقاربة متوازنة للنّزاع العربي الإسرائيلي، فضلاً عن دعاة العولمة الذين يريدون إيصال التّعاطف إلى مجتمعات مختلفة في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم".
مع ذلك، إنّ تلحمي، الذي كان مستشارًا للمبعوث الأميركي الخاصّ إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل في خلال محاولته الفاشلة التوسّط للسّلام العربي الإسرائيلي في خلال الولاية الأولى للرّئيس باراك أوباما، قال إنّ كلينتون ستتمتّع بـ"فرصة أفضل في إنجاح الاتّفاقيّة. ... من الواضح أنّها تهتمّ لأمر إسرائيل ومن غير المرجّح أن تدخل في صدام مع إسرائيل. وإذا نظرنا إلى سجلّها، سنرى أنّها مطّلعة على القضيّة أكثر من أيّ شخص آخر، وهي تعرف الأطراف المعنيّة وتحظى باحترام عال في المنطقة".
وقال عراقي- أميركي تحدّث شرط عدم الكشف عن هويّته، خوفًا من أن تضرّ تصريحاته بقدرته على التّأثير على الرّئيس المقبل، إنّه سيصوّت لكلينتون على الرّغم من خيبة أمله بأداء حكومة أوباما في موضوع العراق، ويشمل ذلك الفترة التي كانت فيها كلينتون وزيرة للخارجيّة.
وقال، "لا أعتقد أنّها كانت تدير سياسة العراق في وزارة الخارجيّة". وقال إنّه كان يأمل في "تقييم أكثر واقعيّة بقليل للمصالح الأميركيّة في العراق" في ظلّ حكومة كلينتون، تقييم يتخطّى المخاوف التّكتيكيّة البحتة بشأن المجموعات كتنظيم الدّولة الإسلاميّة.
وكشخص لم يصوّت قطّ لديمقراطي كرئيس قبل العام 2012، أضاف أنّه يعتقد أنّ الكثير من العرب الأميركيّين الجمهوريّين هم من طراز "النّادي الريفي الذي لم يعد موجودًا. الأمر كما قال ريغان لدى سؤاله لماذا لم يعد ديمقراطيًا؛ أجاب عندها إنّه لم يترك الحزب بل الحزب تركه".
أمّا بالنّسبة إلى حسين ايبيش، وهو كاتب عمود لبناني أميركي ومن كبار الباحثين المقيمين في "معهد دول الخليج العربيّة" في واشنطن، فالخيار واضح هذا العام.
وقال ايبيش للمونيتور، "سأصوّت للسيّدة. أنا أرى أنّ ترامب يشكّل تهديدًا، وهو ماكر وخطير ويطرح حالة نموذجيّة من اضطراب الشّخصيّة النّرجسيّة". وأكمل بقوله إنّ كلينتون هي "سياسيّة نموذجيّة عاديّة من المؤسّسة الدّيمقراطيّة ومقارنة بترامب، تبدو وكأنّها مرسلة من عند الله".