النجف — تواجه الحكومة العراقيّة أزمة سياسيّة كبيرة، فمجلس النوّاب معطّل، والتشكيلة الوزاريّة الجديدة لحيدر العبادي لم تكتمل بعد، والاحتجاجات الشعبيّة المطالبة بإصلاحات جذريّة في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية لم تتوقّف. فما الخيارات المطروحة للخروج من هذه الأزمة؟
عرقلت الأزمة الراهنة حتّى بناء تفاهمات قليلة، فمجلس النوّاب لا يجتمع بعد اقتحامه على يدّ المتظاهرين في 30 نيسان/أبريل، وامتناع كتل نيابيّة عدّة من الحضور إلى اجتماعاته، والتغيير الوزاريّ الذي بدأه العبادي قبل تعطيل المجلس ما زال غير مكتمل، بل إنّ الوزراء الجدد لم يحضروا اجتماعات مجلس الوزراء، لأنّهم لم يأدّوا اليمين الدستوريّ أمام مجلس النوّاب بعد.
إنّنا إزاء دورة كلّها تضغط في اتّجاهين مختلفين: تعطيل مجلس النوّاب، والغموض الذي يكتنف التشكيلة الوزاريّة الجديدة. على الصعيد الأوّل، لم تقتنع معظم الكتل النيابيّة بالعودة إلى مجلس النوّاب، على الرغم من الجهود الكثيفة التي بذلها رئيس مجلس النوّاب، ورئيس الوزراء لاستمرار عمل السلطة التشريعيّة والمضي بمسار إكمال التشكيلة الوزاريّة الجديدة لرئيس الوزراء. من هنا، لم تحدّد رئاسة المجلس النيابيّ موعداً لعقد الاجتماع المقبل في بيان له أصدره في 8 أيّار/مايو، إذ علّق الاجتماع على إنجاز الاستعدادات التقنيّة والفنيّة الخاصّة بمبنى البرلمان، وهو حجّة أكثر ممّا هو واقع.
يرى المراقبون أنّ العراق يشهد وضعاً أكثر تعقيداً من فترة تشكيل الحكومة العراقيّة بعد سقوط النظام في عام 2003، وذلك لأسباب عدّة:
أوّلاً -عدم وجود رؤية واضحة للخروج من الأزمة لدى الحكومة.
ثانياً -عدم وجود قوّة ثالثة تسيطر على الوضع، يمكنها جمع الفرقاء السياسيّين على الطاولة، مثلما كان عليه في فترة وجود القوّات الأميركيّة في البلد.
ثالثاً -الشرخ الكبير الذي تشهده القوى السياسيّة الذي انعكس على مزاج الجاهير، لا يسهّل خلق تفاهم سياسيّ بينها.
والحال أنّ الكتل السياسيّة الكبرى في البرلمان تبنّت مقترحات للخروج من الأزمة، لكن يصعب الحكم على واقعيّتها وفحصها عن قرب نظراً للظرف المتأزّم. وفي ما يأتي ثلاثة منها:
المقترح الأوّل: تشكيل حكومة إنقاذ وطنيّ. هذا ما اقترحه رئيس الوزراء الأسبق إياد علّاوي، وذلك في لقاء له مع صحيفة الشرق الأوسط في 13 أيّار/مايو. تتكفّل هذه الحكومة بإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح خلال سنتين، وعليها خلال هذه المدّة وضع مهمّتين أساسيّتين، الأولى دحر "داعش" وتغيير المناخات السياسيّة التي تؤهّل للقضاء عليه نهائيّاً، منها تحقيق المصالحة الوطنيّة ومعالجة مسألة النازحين والمستلزمات الأخرى لتحصين المناطق المحرّرة أمام "داعش"، والثانية تغيير قانون الانتخابات واستبدال مفوّضيّة الانتخابات لضمان إجراء انتخابات نزيهة في الدورة المقبلة.
يبدو هذا الخيار مثاليّاً، بيد أنّه يتطلّب تغييراً راديكاليّاً لا يبدو أنّ القوى السياسيّة مستعدّة له. وهذا ما عرفه علّاوي نفسه، إذ أشار إلى أنّ التجاوب مع هذا الخيار ما زال محدوداً.
المقترح الثاني: تشكيل حكومة تكنوقراط. هذا ما طرحه زعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر في شباط، على أن تضمّ الحكومة شخصيّات مستقلّة، بعيداً عن مبدأ المحاصصة التي سبّبت عجز الحكومة عن أداء مهامها في شكل جيّد. وقد استخدم الصدر كلّ أوراقه من أجل تمرير هذا المقترح، من المظاهرات والاعتصامات وأخيراً اقتحام المنطقة الخضراء في 30 نيسان/آبريل. لكنّه لم يفلح، ممّا اضطرّه إلى اختيار عزلة سياسيّة تستمرّ لمدّة شهرين، حسب ما صرّح به في مؤتمر صحافيّ في 30 نيسان/بريل. وقد أعلنت وكالة تنسيم الدوليّة للأنباء، المقرّبة من مكتب المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة علي خامنئي في إيران في 4 أيار أنّ مقتدى الصدر يوجد في إيران حالياً وينوي إكمال فترة عزلته عن السياسة هناك. وهكذا يبدو أنّ مقترح التكنوقراط لم يعد خياراً ممكناً بعد.
المقترح الثالث: حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. هذا ما طالب به عدد من النوّاب، ومنهم رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابيّة جواد البولاني. والدعوة نفسها نجدها عند رئيس مجلس النوّاب سليم الجبوري، إذ طالب بالتوقيع على عريضة لحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، حسب تصريح المتحدّث باسم رئيس البرلمان عماد الخفاجي في نيسان/أبريل. ولكنّ التحدّي الأكبر الذي يواجه هذا الخيار هو وقوع معظم المناطق السنّيّة تحت سيطرة تنظيم "داعش"، وبالنتيجة عدم إمكان إجراء الانتخابات فيها. ونظراً إلى الوضع الطائفيّ الحسّاس في العراق، لا يمكن إجراء انتخابات تستثنى منها معظم المناطق المرتبطة بأحد المكوّنات الرئيسيّة.
إلى جانب المقترحات المذكورة، هناك من لا يطمح سوى إلى الرجوع إلى الوضع السابق الذي كان عليه قبل ظهور الأزمة السياسيّة. تلك هي رؤية الأكراد في وجه عام، وهم يتصرّفون مع المركز من منطلق أنّهم غير معنيّين بالأزمة، ومن الواضح أنّهم يحاولون استغلال الوضع للحصول على مكاسب ماديّة وسياسيّة من بغداد.
ففي لقاء لوفد شيعيّ معه، قال نائب رئيس مجلس النوّاب آرام شيخ محمّد من كتلة التغيير الكرديّة في مدينة السليمانيّة في 12 أيّار/مايو: "إنّ إعطاء الضمانات للحفاظ على حياة النوّاب الأكراد ليس كافياً للعودة إلى أداء مهامهم، وعلى كلّ الأطراف تكثيف الجهود لحلّ المشاكل التي تسبّبت بتفاقم الأوضاع، ويجب خلق الأجواء المناسبة وإيجاد أرضيّة واقعيّة لحلّ تلك المشاكل والقضايا". ويقصد النائب من المشاكل والقضايا، الملفّات العالقة بين بغداد وأربيل في شأن قانون النفط والغاز والمادّة 140 في شأن كركوك وغير ذلك.
السائد في المشهد السياسيّ هو التشتّت وعدم الاتّفاق، لا سيّما أنّ الوضع الأمنيّ والاقتصاديّ للبلد لا يشجّع على القيام بإجراء تغييرات جذريّة في الحكومة. لعلّ ما يتوقّع حدوثه هو رجوع النوّاب إلى البرلمان ضمن اتّفاق هشّ واستمرار الأزمة السياسيّة حتّى الانتخابات المقبلة في عام 2018.