القاهرة – في 13 آذار/مارس، شارك ما يقرب من ألف شخص من مجموعات الأورومو العرقيّة، في احتفاليّة ضخمة داخل أحد النوادي بشرق القاهرة أقيمت في الذكرى الثانية لتدشين شبكة الإعلام الأوروميّة OMN المناهضة للنّظام الإثيوبيّ الحاكم، وهو الحدث الأوّل الّذي تقيمه المعارضة الإثيوبيّة في القاهرة منذ اندلاع أحداث العنف في إثيوبيا بين الحكومة ومجموعات الأورومو العرقيّة في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015، بسبب تمرير مخطّط للتنمية في العاصمة أديس أبابا على حساب نزع ملكيّة مساحات شاسعة من الأراضي المملوكة للأورومو من دون تعويضات حقيقيّة.
ورغم تحفّظ القاهرة والإكتفاء بالتّعليق على أحداث العنف في إثيوبيا من خلال بيان صحافيّ لوزارة الخارجيّة المصريّة في 21 كانون الأوّل/ديسمبر، قالت فيه: "ما حدث شأن داخليّ إثيوبيّ، ونحن نتطلّع إلى الاستقرار واستكمال برامج التّنمية الإقتصاديّة والإجتماعيّة الشاملة فى إثيوبيا"، استمرّت وسائل الإعلام الإثيوبيّة المحليّة في نقل تصريحات لمسؤولين إثيوبيّين يتّهمون القاهرة بدعم المعارضة والوقوف وراء هذه الأحداث، للإستفادة منها في إضعاف إثيوبيا على خلفيّة ما ردّده رئيس الوزراء الإثيوبيّ الراحل ميلس زيناوي بوجود أدلّة قويّة عن دعم مصر لمتمرّدين إثيوبيّين خلال عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وفي الإحتفاليّة الضخمة، الّتي أقامها ناشطو المعارضة الإثيوبيّة في القاهرة، تحدّث رئيس شبكة الأورومو الإعلاميّة جاور محمّد عن ضرورة استمرار إنتفاضة الأورومو ضدّ سياسات الحكومة الإثيوبيّة والحزب الحاكم TPLF، متّهماً الحكومة باتّخاذ سياسات ممنهجة ضدّ الأورومو والإستيلاء على أراضيهم.
وأشار مسؤول حكوميّ، فضّل عدم ذكر اسمه، وهو على صلة قريبة بالملف الإفريقيّ، في حديث مع "المونيتور" إلى أنّ "تنظيم إحتفاليّة كهذه ليست له أيّ علاقة بالسلطات المصريّة، ولا يعكس أيّ اتّجاهات في إدارة ملف العلاقات المصريّة - الإثيوبيّة"، وقال: "مجموعة من الناشطين الإثيوبيّين تقدّموا بطلب للحصول على موافقة أمنيّة لتنظيم إحتفاليّة، وحصلوا عليها مثل أيّ فعاليّات لجاليات أجنبيّة تقام في القاهرة".
ووفقاً لآخر إحصائيّات مفوضيّة الأمم المتّحدة للاّجئين في شباط/فبراير من عام 2016، هناك 6916 من طالبي اللّجوء السياسيّ من إثيوبيا تمّ تسجيلهم في سجلاّت المنظّمة بالقاهرة.
وفي هذا الإطار، قالت المسؤولة الإعلاميّة في المكتب الإقليميّ للمفوضيّة العليا للاّجئين بالقاهرة مروة هاشم في حديث مع "المونيتور": "أغلبيّة الإثيوبيّين المسجّلين لدى مفوضيّة الأمم المتّحدة للاّجئين من مجموعة الأورومو العرقيّة، وهناك معدّل ثابت لتسجيلهم منذ عام 2015".
وأشارت إلى أنّ "طالبي اللّجوء من الإثيوبيّين ذكروا أسباباً عدّة وراء فرارهم، بعضها يتعلّق بالموقف في موطنهم الأصليّ والآخر لأسباب شخصيّة"، وقالت: "المفوضيّة تمدّ جميع طالبي اللّجوء السياسيّ واللاّجئين من إفريقيا بالخدمات مثل المساعدات الماديّة إلى الأكثر احتياجاً وتوفير منح تعليميّة والرعاية الصحيّة والدعمين النفسيّ والإجتماعيّ".
ومن جهته، قال رئيس المنظّمة المصريّة لدعم اللاّجئين أحمد بدوي في حديث مع "المونيتور": "لمصر إلتزامات دوليّة بعدم ردّ أيّ من طالبي اللّجوء، في ما لا يتعارض مع الأمن القوميّ، حتّى من يعبرون بطرق غير شرعيّة".
وأشار إلى أنّ الحكومة المصريّة لا تقدّم أيّ مزايا خاصّة إلى اللاّجئين الإثيوبيّين من المعارضين والأورومو من دون غيرهم من الجنسيّات الأخرى، مؤكّداً أنّ الجهة المسؤولة عن تقديم الخدمات إلى جميع اللاّجئين هي مفوضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاّجئين.
وتمثّل مجموعات الأورومو العرقيّة 40 في المئة من حجم التكوين السكانيّ في إثيوبيا، تليها الأمهرة بنسبة 25 في المئة، ثمّ التيجراي الّذين يمثّلون 6 في المئة لكنّهم يسيطرون على السلطة من خلال الحزب السياسيّ الحاكمTPLF ، بينما تمتدّ أراضي أوروميا على مساحات واسعة في وسط إثيوبيا حيث تقع العاصمة أديس أبابا، ويمتلك الإقليم أغلب الثروات الإثيوبيّة إذ يسيطر على إنتاج إثيوبيا من البنّ المصدّر إلى الخارج ومناجم الذهب ومنابع الأنهار. وبسبب تصاعد قوّة الإحتجاجات، اضطرّت الحكومة الإثيوبيّة إلى التّراجع عن تنفيذ الخطّة التوسعيّة، لكنّ ثورة الأورومو لم تنته بعد، مع استمرار المطالبة بأحقيّة التمثيل العادل في الحكم والحريّة ضدّ ممارسات الحزب الحاكم.
ومن جهته، قال الناشط الأوروميّ جيرما جوتيما في حديث لـ"المونيتور": "لا المصريّون ولا المجتمع الدوليّ يعرفون عن مشاكل الأورومو ليقدّموا الدعم".
أضاف: "الأورومو مستمرّون في احتجاجاتهم ضدّ الحكومة الإثيوبيّة، ليس فقط بسبب الخطط التوسعيّة الّتي أثارت المشاكل من قبل، لكنّ هناك صراعاً داخليّاً من أجل الحفاظ على الأرض والثقافة واللّغة لعرقيّات الأورومو ضدّ سياسات عرقيّات التيجراي المسيطرة على الحكم".
وتابع: "كانت أريتريا تدعم نضال الأورومو، وكذلك السودان، ولكن بعد التقارب السودانيّ مع الحكومة الإثيوبيّة لجأ العديد من المتمرّدين إلى أريتريا".
واستنكر جيرما جوتيما ما يتداوله بعض الأوساط السياسيّة في إثيوبيا عن دعم مصر للأورومو المعارضين لسياسات نظام الحكم في أديس أبابا، قائلاً: "هذه الدعاية تروّجها الحكومة الإثيوبيّة بسبب العداء التاريخيّ مع مصر".
وفي مقابلة لـ"المونيتور"مع الناشط السياسيّ الإثيوبيّ المعارض وأحد منظّمي الإحتفاليّة المقامة في القاهرة جالاما جولوما، قال: "القاهرة الآن هي أكثر البلدان الآمنة أمام الأوروميّين الفارّين من إثيوبيا، خصوصاً بعد أن تغيّرت سياسات السودان وتعاونها مع الحكومة الإثيوبيّة في تسليم المعارضين الإثيوبيّين".
أضاف: "طريق الفرار إلى القاهرة لم تكن سهلة، فالعديد من اللاّجئين مرّوا بمواقف وظروف صعبة حتّى وصلوا إلى الحدود المصريّة".
وتابع: "أغلب اللاّجئين من الأورومو في القاهرة ليست لديهم وظائف دائمة، فبعض الفتيات يعملن كخادمات في المنازل. كما أنّ المساعدات الّتي يحصلون عليها من منظّمات المجتمع المدنيّ ضئيلة جداً".
وأردف: "نحن لا نمتلك السلاح لمواجهة النّظام في إثيوبيا، فهدفنا الآن التركيز على الإعلام لنقل معاناة الأورومو، رغم امتلاكهم ثروات كبيرة في بلادهم".
وختم: "القاهرة تعتبر مكاناً تاريخيّاً لنضال الأورومو، ففكرة شبكة الإعلام وراديو الأورومو بدأت في القاهرة قبل أكثر من 50 عاماً على يدّ الشيخ محمّد رشاد، الّذي درس في الأزهر خلال الستينيّات وكرّمه جمال عبد الناصر".
وبينما تتّبع الإدارة السياسيّة في مصر الآن سياسات بناء الثقة وحسن النيّة وتؤكّد أنّ فتح الباب لاستقبال المعارضين الإثيوبيّين من مجموعة الأورومو العرقيّة يأتي وفق التزامات دوليّة ضمن ملف اللاّجئين، ولا يعتبر استغلالاً لأيّ من الصراعات الداخليّة بهدف إضعاف الدولة الإثيوبيّة، إلاّ أنّ هذا الملف، إضافة إلى الصراع التاريخيّ على إدارة مياه النيل في ظلّ الطموح الإثيوبيّ لاستغلال مياه النيل وبناء السدود وتهديد الحصّة السنويّة المائيّة لمصر من مياه النهر، يبقى محوراً للتوتّر الدائم في العلاقات المصريّة الإثيوبيّة.