مدينة غزّة، قطاع غزّة - لم تخلو غزّة كغيرها من المدن الّتي كانت تخضع إلى الحكم الإسلاميّ من وجود الحمّامات العامّة، الّتي تعدّ من أهمّ ملامح الدولة الإسلاميّة آنذاك، إذ ارتبطت إقامتها بالأمور الدينيّة المتعلّقة بالطهارة والنظافة. كما كان لها دور في الحياة الإجتماعيّة والإقتصاديّة، حيث تنافس على بنائها التجّار والأمراء والسلاطين كونها تشكّل مصدراً للثراء وجلب الأموال، إذ كانت تبنى لخدمة الناس والتجّار، الّذين كانوا يمرّون في المدينة خلال رحلاتهم التجاريّة. ولم يبق في غزّة من تلك الحمّامات سوى حمّام "السمرة" الواقع في حيّ الزيتون، وهو يعتبر من أهمّ المعالم التاريخيّة في فلسطين. ورغم عدم الإتّفاق على الحقبة الزمنيّة، الّتي يعود إليها تاريخ الحمّام، إلاّ أنّ ترميمه الأوّل وفق اللّوحة المعلّقة في داخله كان عام 685 هجريّاً على يدّ سنجر بن عبدالله المؤيّدي في العهد المملوكيّ، أيّ ما يوافق عام 1286 ميلاديّاً.
وقالت مها محمد (34 عاماً)، الّتي كانت ترتّب أغراضها استعداداً للخروج من الحمّام عن سبب إرتيادها له: "جئت إلى الحمّام للمرّة الأولى بعد أن نصحوني به للعلاج من الضغوط النفسيّة الّتي كنت أعاني منها. وبعد أن جرّبته، أصبحت أرتاده، ونصحت صديقاتي بذلك".
وعزت مها أسباب إقبال الفتيات على الحمّام إلى الأسباب العلاجيّة المتعلّقة بتنشيط الدورة الدمويّة والتدليك أو بعلاج أمراض العقم والربو والغضروف في الدرجة الأولى، وإلى قيمته التاريخيّة والإستجمام والترفيه في الدرجة الثانية.
وأوضحت الإختصاصيّة المسؤولة عن فترة النساء في الحمّام أم العبد أبو نجيلة (54 عاماً) لـ"المونيتور" أنّها تعمل في الحمّام منذ سبع سنوات، بعد أن تعلّمت التدليك ووصفات العلاج الطبيعيّة من خلال الدورات والمتخصّصين الآخرين العاملين فيه. إن الفترتين الصباحيّة والمسائية مخصّصتان للرجال، وفترة الظهر مخصّصة للسيّدات.
وتتنوّع الخدمات الّتي تقدم في الحمّام بين حمّام البخار الساخن والتدليك، واللّيفة المغربيّة الّتي تعمل على إزالة طبقات الجلد الميتة، وعلاج العقم، إلى جانب الأقنعة الطبيعيّة للوجه المصنوعة من طينة البحر الميت.
وأوضحت أم العبد أبو نجيلة أنّ العلاج في الحمّام يعتمد بالأساس على الماء الساخن، إضافة إلى وسائل أخرى مثل، البلاط الناريّ والحرارة والبخار والمغطس والتدليك والتلييف.
وإنّ الداخل إلى الحمّام يمرّ أوّلاً في دهليز، وهو ممرّ ضيّق معقود بصف برميليّ، يودي في نهايته إلى قاعة القبّة الذهبيّة، الّتي يتكوّن سقفها من فتحات مستديرة معشّقة بالزجاج الملوّن ليسمح لأشعّة الشمس بالنّفاذ وإضاءتها طبيعيّاً، وتتوسّطها نافورة مثمّنة الشكل تستخدم الماء البارد، ويحطيها إيوانان، الإيوان الشرقيّ للإستراحة بعد الحمّام، والإيوان الجنوبيّ لبيع المشروبات الباردة أو الساخنة للزوّار. وتتّصل قاعة القبّة من الجهة الغربيّة ببقيّة غرف الحمّام، ومنها غرفة تبديل الملابس، وتقابلها غرفة واسعة للاستحمام ذات الجوّ المشبع بالبخار، وتتألّف من أربع خلوات صغيرة لتوفير خصوصيّة للمستحمّين، وتحيطها من الجانب الغربيّ أحواض رخاميّة قديمة يغترف منها المستحمّون الماء الساخن، وفي إحدى زواياها غرفة صغيرة يقع فيها المغطس.
وقال ابن مالك الحمّام أحمد الوزير (22 عاماً) لـ"المونيتور": "عائلة الوزير كانت قد استأجرت الحمّام من العائلات، الّتي كانت تمتلكه لمدّة 610 أعوام، إذ كانت ملكيّته عبارة عن أسهم لعائلات عدّة، إلى أن اشتراه جدي الأكبر عام 1956، وتبلغ مساحته 500 متر".
وعن ترميم الحمّام، أشار أحمد الوزير إلى أنّهم يقومون بترميم الحمّام كلّ عام من أجل الحفاظ على رونقه، إذ تتعرّض جدرانه إلى الضعف بفعل الرطوبة كونها معرّضة للحرارة والبخار، لافتاً إلى أنّ "مركز عمارة التراث- إيوان" رمّم الحمّام في عام 1999، لكن عائلة الوزير ترمم الحمام بنفسها الآن.
وأوضح أنّ إقبال الناس على الحمّام في فصل الشتاء يتضاعف عمّا هو عليه في بقيّة الفصول، مبيّناً أنّ الناس يأتون من أجل الحصول على حمّام دافئ ومنشّط للدورة الدمويّة، ممّا يجعلهم في حال صحيّة أفضل.
وعن أسباب إرتياد الحمّام، أكّد الوزير أنّ الحمّام يعتبر مزاراً تاريخيّاً وأثريّاً وثقافيّاً وصحيّاً وترفيهيّاً. لذا، هناك إقبال عليه من الشرائح كافّة، مبيّناً أنّ هناك إقبالاً حتّى من زوّار القطاع الأجانب.
وعن أسعار الحمّام، لفت الوزير إلى أنّ الأسعار ملائمة للجميع، إذ يتطلّب دخول الحمّام 4$، من دون أن تشمل الخدمات الأخرى كالتدليك أو سنفرة الوجه.
ويعتمد الحمّام في تشغيله بشكل أساسيّ على الحطب، خصوصاً حطب أشجار الزيتون والكينيا كونهما سريعا الإشتعال ويعطيان ناراً حامية، وهذا ما يميّزه عن غيره من الحمّامات والساونا الّتي ظهرت في الآونة الأخيرة وتقدّم خدمات مشابهة للخدمات الّتي يقدّمها، ولكن بطريقة عصريّة ومستحدثة.
وأكّد الوزير لـ"المونيتور" أنّ عدم توافر الحطب وغلاء سعره في الآونة الأخيرة وعدم استيراده بسبب الحصار جعلهم يبحثون عن بديل آخر لتشغيل الحمّام، إذ يتمّ حاليّاً استخدام السولار في شكل جزئيّ وموقّت.
من جهته، أوضح المدير العام للآثار والتراث الثقافيّ في وزارة السياحة والآثار جمال أبو ريدة أنّ وجود الحمّامات في مدينة غزّة يعود إلى مكانتها التجاريّة في فترة الحكم الإسلاميّة ومرور التجّار فيها خلال رحلاتهم، لافتاً إلى أنّ ملكيّة الحمّامات العامّة بمعظمها كانت خاصّة غير تابعة للدولة.
وأشار الوزير إلى أنّ ملكيّة حمّام السمرة كانت تعود إلى والي دمشق أويس باشا، ثمّ آل إلى ابنته آمنة هانم، وانتهى به الأمر إلى آل رضوان خلال العصر العثمانيّ.
وعن سبب تسمية الحمّام، قال جمال أبو ريدة لـ"المونيتور": "يقال إنّ مجموعة من طائفة اليهود السامريّين عملت في الحمّام مدّة من الزمن فسمي باسمهم".
وعزا سبب بقاء حماّم "السمرة" من دون غيره من الحمّامات، إلى الإهتمام به وترميمه في شكل مستمرّ من قبل العائلات أو الأمراء الّذين كانوا يملكونه، مشيراً إلى أنّ بناءه يبيّن أنّه حمّام ملكيّ، حيث تمّ استخدام أحجار رخاميّة ذات جودة عالية مقاومة لرطوبة الماء.