رهان تركيا الخطير على التركمان
إنّ الجيش السّوري، الذي تدعمه القوى الجويّة الرّوسيّة، يعطي الأولويّة للسّيطرة على منطقة بايربوجاق عبر تكثيف العمليات الهجوميّة ضدّ التّركمان وغيرهم من المجموعات المسلّحة السّوريّة بما في ذلك جبهة النّصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
يلخّص متين غوركان مصلحة سوريا وروسيا من الاستيلاء على هذه المنطقة قبل وقف محتمل لإطلاق النّار: "لدى دراسة التطوّرات الميدانيّة والاستماع إلى صنّاع القرار الرّوس، يمكن للمرء تمييز ثلاثة أسباب أساسيّة لهذه العمليّة: تأمين منطقة اللّاذقيّة حيث أكبر وجود عسكري روسي – تطهير هذه المنطقة الجبليّة الحرجيّة من مقاتلي المعارضة كشرط أساسي لتقدّم أكبر للنّظام السّوري وروسيا باتّجاه إدلب وحلب؛ طرد المقاتلين الشيشان القوقاز من بايربوجاق؛ و – بحسب محمد عاكف أوكور، وهو أستاذ مساعد في العلاقات الدّوليّة بجامعة غازي – تتحقّق رغبة نظام الأسد في تأمين أراض أكبر يمكن الدّفاع عنها قبل أن يجري في النّهاية وقف لإطلاق النار كما أوصت اجتماعات فيينا".
تخشى تركيا خسارة هذه المنطقة لصالح القوّات الحكوميّة السّوريّة، وتخشى احتمال تحقيق المجموعات الكرديّة المسلّحة التي تدعمها الولايات المتّحدة مكاسب أكبر في شمال سوريا. وكتب فهيم تشتكين، "في ردّ على خطط وحدات حماية الشّعب الكرديّة بالتوجّه غربًا وإخراج تنظيم الدّولة الإسلاميّة من جرابلس، أعلنت تركيا نهر الفرات خطًا أحمر بالنسبة إلى الأكراد. ولدى تطهيره من داعش، تخطّط تركيا لاستعمال التركمان من أجل السّيطرة على كلّ من هاتين المنطقتين فضلاً عن خطّ أعزاز-حلب الذي يتمّ النظر فيه كمنطقة عازلة. وإنّ مثل هذه الخطط زادت بطبيعة الحال من قيمة الورقة التّركمانيّة. قامت تركيا بمساعدة التركمان، بما أنّها غير قادرة على منع القصف الرّوسي ضدّ المجموعات التي يدعمها الغرب والخليج. لكنّ الرّوس تجاهلوا الخطوات التركيّة ووسّعوا عمليّاتهم لتطال جبل التركمان".
في الأساس، أدّت قوى المعارضة التركمانيّة السّوريّة دور الشّرطة التركيّة وحامية المجتمع التركماني في سوريا. وكان تشتكين أوّل من كشف عن المسألة في المونيتور في تشرين الأوّل/أكتوبر 2014 بأنّ التزام تركيا، الذي روّجت له بحماس آنذاك، بـ"تدريب وتجهيز" قوّات المعارضة في سوريا كان في الحقيقة وسيلة تسمح لجهاز الاستخبارات الوطني التّركي بتشكيل مجموعات تركمانيّة مسلّحة تعارض الرّئيس السّوري بشار الأسد. وتجدر الإشارة إلى أنّ المجموعات التركمانيّة غائبة في المعركة ضدّ داعش وقد تعاونت مع جبهة النّصرة. ويفيد تشتكين، "شاركت الوحدات التّركمانيّة في 21 آذار/مارس 2014 في معركة الأنفال التي شنّتها مجموعات جهاديّة بهدف الاستيلاء على بلدتي كسب والسّمرة الأرمنيّتين. وفي العمليات الممتدّة من 4 إلى 19 آب/أغسطس 2013، تعرّضت قرى علويّة لغارات وقُتِل حوالي 200 مدني. وانضمّ كلّ من داعش وجبهة النّصرة أيضًا إلى التركمان في هذه الهجمات. في غضون ذلك، شهدنا قصفًا صاروخيًا متكرّرًا من جبل التركمان باتّجاه اللّاذقيّة".
وكما أفاد هذا العمود الأسبوع الماضي، تعاني تركيا الأمرّين منذ أن أسقطت القوى الجويّة التّركيّة طائرة روسيّة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر. ويفيد سميح ايديز بأنّه على الرّغم من بديهيّات الدّعم الصادر عن الناتو، سيُتوقّع من تركيا على الأرجح تكييف سياساتها الخاصّة بسوريا بما يتماشى مع أولويّات الدول الغربيّة المشاركة في التحالف ضدّ داعش. وكتب ايديز، "إنّ الدّعم الذي تحصل عليه أنقرة من حلفائها الغربيّين قد يبعث راحة في نفس [الرّئيس التركي رجب] أردوغان و[رئيس الوزراء أحمد] داوود أوغلو، لكن من الواضح أنّ هذا سيتطلّب منهما تخطّي الخلافات مع الغرب بشأن سوريا. ستكون المشكلة الرّئيسيّة لتركيا في خفض الدّعم الذي تقدّمه للمجموعات التي تقاتل نظام بشار الأسد في شمال سوريا والتّركيز بشكل حصري على محاربة داعش. وعبر القيام بذلك، سيكون عليها أيضًا أن تتقبّل دعم الغرب للأكراد السّوريّين ولحزبهم، حزب الاتّحاد الدّيمقراطي الذي يحارب داعش بمساعدة جويّة من التّحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة. وتجدر الإشارة إلى أنّ أنقرة تعتبر حزب الاتّحاد الدّيمقراطي تنظيمًا إرهابيًا بسبب ارتباطه بحزب العمّال الكردستاني. من جهة أخرى، هذا أقصى ما يمكن أن تبلغه محاولات تركيا لـ'إعادة تنشيط' علاقاتها مع الاتّحاد الأوروبي، نظرًا إلى سياسات أردوغان غير الدّيمقراطيّة التي تستمرّ بالتّجلّي في تركيا، بدءًا بحربه المتصاعدة ضدّ الصّحافة الحرّة".
زوّدنا متين غوركان بالتقرير الأكثر تفصيلاً حتّى اليوم ربما حول التفاعل بين الجيشين الرّوسي والتركي قبل حادثة 24 تشرين الثاني/نوفمبر. وكتب، "بحسب مصادر عسكريّة تواصل معها المونيتور في أنقرة، عقد مسؤولون عسكريّون أتراك وروس خمسة اجتماعات في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر في أنقرة حول خرق الطّائرات الرّوسيّة للمجال الجوي التركي. وعندما لم تكترث روسيا للتحذيرات الأربعة التي وجّهتها إليها تركيا، جرى إعلام كبار الضّباط الرّوس في الاجتماع الخامس بأنّ سلاح الجوّ التّركي سـ'يطبّق بكلّ صرامة قواعد الاشتباك الخاصّة به'. وفي بيان رسمي بشأن هذه الاجتماعات، قال الضّبّاط الأتراك، 'بالإضافة إلى مسائل عسكريّة أخرى، شدّدنا في اجتماعاتنا الشّخصيّة على مسألة خرق الطّائرات الروسيّة لمجالنا الجوي وأعلمنا الروس بعزمنا على تطبيق قواعد الاشتباك تطبيقًا كاملاً'. وبعد ذلك التّحذير الرّابع، قالت مصادر عسكريّة إنّ الطّائرات الرّوسيّة لم تخرق المجال الجوي التركي مرّة أخرى – حتّى تاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر عندما أسقطت تركيا الطّائرة الرّوسيّة".
إسرائيل وروسيا على نسق واحد في سوريا
يفيد بن كاسبيت بأنّه على عكس تركيا، تنسّق إسرائيل وروسيا بفعاليّة سياساتهما الخاصّة بسوريا.
وكتب كاسبيت إنّ "الرّوس والإسرائيليّين على نسق واحد، على الأقلّ للوقت الحالي. فإسرائيل وروسيا تتّفقان في الرّأي بشأن الوضع، وتنسّقان أنشطتهما في الوقت الفعلي، وتحترمان بعضهما وتعطيان بعضهما المساحة الضّروريّة. تقوم إسرائيل بذلك بشكل رئيسي لأنّ لا خيار أمامها في هذا الصّدد. وتقوم روسيا بذلك لأنّها لا تحتاج ولا تريد فتح جبهة إضافيّة إلى جانب جميع الجبهات الأخرى التي فتحتها بالفعل في المنطقة".
أفيغدور ليبرمان هو عضو في الكنيست، ووزير سابق للخارجيّة، وأبرز المنتقدين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اليمين، وقد قال لكاسبيت، "ننسّق تنسيقًا كاملاً في الوقت الفعلي مع القوى البريّة الرّوسيّة وسلاح الجوّ الرّوسي، ويقوم بيننا خطّ تواصل مفتوح، على مدار السّاعة طيلة أيام الأسبوع. آمل ألا نجد أنفسنا في الوضع عينه الذي وجد الأتراك أنفسهم فيه مع الرّوس. وأنا لا أرى أيّ سبب قد يضعنا في هذا الموقف. كلّ ما يشير إليه الرّوس يبدو مركّزًا على التعاون الوثيق. وهذا الأسبوع بالتحديد، مدّد [الرّئيس الرّوسي فلاديمير] بوتين مدّة الحكم على الأعمال المعادية للسّامية في روسيا. وهم يريدون استيراد المزيد من الخضار الإسرائيليّة. وهم يقولون لنا إنّنا لسنا طرفًا [في النزاع]، على الأقلّ بالنسبة إليهم. روسيا ليس لديها مشكلة معنا. وهم يتعاملون مع اهتمامات أخرى".
ويضيف كاسبيت بأنّ إسرائيل أعلمت روسيا بخطوطها الحمر الخاصّة في ما يتعلّق بحزب الله: "في محادثات مختلفة بين الطّرفين، بما في ذلك المحادثة بين بوتين ونتنياهو، أوضحت إسرائيل تمامًا أنّ نقل أيّ أسلحة قد تخلّ بتوازن القوى الهشّ (أسلحة تكسر التّعادل) من الشّرق إلى الغرب، أي من إيران عبر الرّئيس السّوري بشار الأسد إلى حزب الله، ستعتبره إسرائيل سببًا للحرب. وحتّى الآن، كلّما رأت إسرائيل مثل هذا النّقل للأسلحة، تقوم بالمهاجمة بحسب ما أفادت به مصادر إخباريّة أجنبيّة، ويجري ذلك عادة على الجانب السّوري، بما أنّ القدرة الدّفاعيّة هناك شبه معدومة. إلّا أنّ الدبّ الرّوسي دخل فجأة في المعادلة؛ وهو يعلم كيف يدافع عن نفسه وكيف يهاجم أيضًا. إذًا السؤال الكبير هو ماذا سيحصل في المرّة المقبلة التي تحلّق فيها طائرة إسرائيليّة، بطيّار أم بدون طيّار، فوق إحدى قوافل الأسلحة هذه، ويلتقطها رادار البطّاريات الرّوسيّة المضادّة للطّائرات. تأمل جميع الأطراف أن تكون الخواتيم حسنة، لكن لأرض الواقع قواعدها الخاصّة. فأحيانًا تأتي الأحداث على الأرض لتحدّد استجابة المستوى السّياسي، وليس العكس".
"بهجة إسرائيل الصّغيرة"
كتب عكيفا الدار هذا الأسبوع حول قرار وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة بإعادة تقييم مشاركة الاتّحاد الأوروبي في المساعي الدّبلوماسيّة مع الفلسطينيّين نتيجة قرار الاتّحاد الأوروبي بوسم السّلع الإسرائيليّة المصنّعة في المستوطنات.
وكتب الدار، "لدى قراءة ردّة الفعل هذه، لا يمكن حسم الخيار بين البكاء أو الشّعور بالإهانة. البكاء، لأنّ محاولة دولة صغيرة في الشّرق الأوسط معاقبة أوروبا على قرار يدعمه 16 من وزراء خارجيّة أوروبا ويتبنّاه البرلمان الأوروبي بأغلبيّته السّاحقة (بتصويت 525 صوتًا مقابل 70) هي كمن يقطع أنفه ليغيظ وجهه. والبكاء أيضًا لأنّ القرار بإبقاء الاتّحاد الأوروبي خارج 'عمليّة السّلام مع الفلسطينيّين' أشبه بقرار يبعد أوروبا عن العمليّة الدّبلوماسيّة بين إسرائيل وسوريا. كلّ من هاتين العمليّتين بعيدة المنال على حدّ سواء. أمّا الشّعور بالإهانة، فلأنّ ردّات الفعل على القرار تصوّر ازدراء السّياسيّين بقدرة الإسرائيليّين على القراءة الشّاملة. فالرّجل الذي يُفترَض أن يقودهم يعتبر أنّهم لا يجيدون التّمييز بين مقاطعة السّلع ووضع علامات خاصّة تحدّد مكان تصنيع هذه السّلع".
ويختتم الدار، "في ظلّ غياب الرّغبة الحقيقيّة في مواجهة جذور الأزمة مع الاتّحاد الأوروبي، وسياسة الاستيطان والجمود الدّبلوماسي، تنتقل الحكومة الإسرائيليّة بفرح من كونها قوّة احتلال إلى ضحيّة، من متَّهَم إلى متّهِم، من الخضوع للعقاب إلى معاقبة الآخرين. يا لها من بهجة صغيرة".