تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تفجير برج البراجنة

ليست المرّة الأولى الّتي تمتدّ نيران الحرب السوريّة إلى الداخل اللبنانيّ وتتعرّض الأحياء السكنية الشيعيّة في الضاحية الجنوبيّة، وهي معقل "حزب الله"، إلى عمليّات إرهابيّة.
RTS6PO3.jpg

إستفاق لبنان، في 12 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2015 على وقع عملية إنتحارية مزدوجة هزت الضاحية الجنوبيّة في بيروت حاصدةً عشرات الأرواح. صحيح أنّ ما شهدته العاصمة الفرنسيّة، في اليوم التالي من تفجيرات إرهابية، ثمّ تطوّرات الوضع الميدانيّ في سوريا، لا سيّما تفاعلات إسقاط الطائرة الروسيّة، خطفتا الأضواء عن تفجير برج البراجنة، غير أنّ هذه الحادثة المأسوية شكلت نذير شؤم من عودة لبنان إلى عين العاصفة. وقفز إلى الواجهة السؤال : هل بدأت شبكة الأمان الّتي أقيمت مع تشكيل حكومة الرئيس تمّام سلام بالتلاشي وذلك على وقع تنامي الإنقسامات السياسيّة وما نتج منها من شلل للمؤسّسات الدستوريّة، وفراغ رئاسيّ وتّعطيل للعمل الحكومي. ولكنها في الوقت عين إستحضرت موقفاً ملفتاً من حزب الله الذي دعى فوراً إلى التهدئة ، كما وأظهرت جهوزية وزيادة في قدرات السلطات الأمنيّة، من جيش وقوى أمن، التي ألقت القبض على منفذي العمل الإجرامي في وقت قياسي، كما وكشفت شبكات إرهابية وأحبطت عمليّات إجرامية كانت قيد التّخطيط.

ليست المرّة الأولى الّتي تمتدّ نيران الحرب السوريّة إلى الداخل اللبنانيّ وتتعرّض الأحياء السكنية الشيعيّة في الضاحية الجنوبيّة، وهي معقل "حزب الله"، إلى عمليّات إرهابيّة. ففي 9 تمّوز/يوليو من عام 2013، حدث إنفجار ضخم في منطقة بئر العبد، وقد وقع تفجير ثان في منطقة الرويس، بعد أقلّ من أربعين يوماً أيّ في 15 آب/أغسطس من عام 2013، وإنّ المنطقتين تقعان في الضاحية الجنوبيّة. ثمّ عادت موجة أخرى من التّفجيرات لتجتاح المنطقة نفسها، كأنّ المستهدف نفسه، "حزب الله" والدول الداعمة له أيّ إيران. وهكذا، استهدفت السفارة الإيرانيّة في منطقة بئر حسن بالجناح في 19 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2013 عبر تفجير إنتحاريّ تبنّته كتائب عبد الله العزّام المرتبطة بالقاعدة، ثمّ تبعه تفجيران، الأوّل في منطقة حارة حريك في 2 كانون الثاني/يناير من عام 2014، تلاه تفجير آخر عند مستديرة شاتيلا في 23 حزيران/يونيو من عام 2014. وتجدر الإشارة إلى أنّ تلك العمليّات الإرهابيّة تبنّتها مجموعات مرتبطة بالثورة السوريّة، ردّاً على تدخّل "حزب الله" في الحرب السوريّة، دعماً للنّظام الأسديّ، كما جاء في بياناتها.

يأتي تفجير برج البراجنة إذن، ضمن سلسلة عمليّات إرهابيّة كانت قد توقّفت إبان تشكيل حكومة تمّام سلام في شباط/فبراير من عام 2014، نتيجة تسوية بين فريقي 14 و8 آذار وضعت حدّاً لفراغ حكوميّ دام 10 أشهر و9 أيّام. وإنّ أهمّ ما في هذه التّسوية أنّها جاءت برموز سنّة الإعتدال لتولّي المناصب الأمنيّة، وعلى رأسها وزارتا الداخليّة والعدل. ويومها، رأت الأطراف، بما فيها "حزب الله" أنّ الطريق الأنسب لتخفيف حدّة الصراع المذهبيّ، والّذي تستغلّه المنظّمات التكفيريّة، هو الإنفتاح على السنّة المعتدلين. كما تزامن هذا الإنفتاح مع حوار ثنائيّ بين "حزب الله" و"المستقبل" تحت رعاية رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. وفي الواقع، إنّ الخوف من زحف الإرهاب التكفيريّ هو أهمّ ما إجتمع عليه الطرفان المتحاوران، لأنّه بإستثناء ذلك الخوف المشترك، أمور خلافيّة عدّة تفرّق ما بين الطرفين ليست أقلّها مسألة سلاح "حزب الله" وإشكاليّة إنخراطه في الحرب السوريّة. ولأنّ الخلاف عميق، عادت وتدهورت الأمور ما بين الفريقين، فتوقّف الحوار وتعطّل العمل الحكوميّ، تحت تأثير الخلاف الإيرانيّ - السعوديّ المتصاعد على الساحتين السوريّة واليمنيّة. وإذا كان من أثر إيجابيّ لمصيبة برج البراجنة الّتي عصرت قلوب اللبنانيّين هي أنّها أعادت إلى الواجهة لغة التّهدئة. كما أظهرت قدراً عالياً من الجهوزيّة لدى الأجهزة الأمنيّة ومنسوباً عالياً من التنسيق في ما بينها. والملفت أوّلاً أنّ بعد يومين من حادثة الإنفجار، أطلّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله في إطلالة تلفزيونيّة لينوّه بعمل الأجهزة الأمنيّة، وخصّ بالذكر جهاز فرع المعلومات "للجهد المكثّف والعمل المحترف الّذي قام به".

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الفرع من القوى الأمنيّة محسوب على تيّار "المستقبل"، وكان قد تعرّض في الماضي القريب إلى حملة نقد وتشكيك من قبل "حزب الله" وحلفائه والوسائل الإعلاميّة الداعمة لهم. وكان فرع المعلومات قد حقّق إنجازأً نوعيّاً، إذ تمكّن من إلقاء القبض على الشبكة المشغّلة لإنتحارييّ برج البراجنة، بعد ساعات على التّفجير. كما قامت بتفكيك مخطّطات إرهابيّة كانت قيد الإعداد من خلال حملة مداهمات نفّذتها مساء 17 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2015 في منطقة القبّة بطرابلس - شمال لبنان. ولم تقتصر السرعة في الآداء على الأجهزة الأمنيّة، في 25 تشرين الثاني/نوفمبر، أيّ بعد أقلّ من أسبوعين على العمليّة الإنتحاريّة في برج البراجنة، بل حوّل القاضي العسكريّ صقر صقر 26 متّهماً أمام القضاء بتهمة الإنتماء إلى تنظيم "داعش" ومسؤوليّتهم عن حادثة التفجير.

لقد خلا كلام حسن نصرالله من التّصعيد ضد ّفريق 14 آذار والسعوديّة، كما كانت الحال في إطلالته الأخيرة، لا بل حذّر من الإنقسام، إذ رأى أن ّالهدف من وراء التّفجير، هو "تحقيق فتنة في لبنان، ومن قام بتفجير برج البراجنة هدف إلى إحداث فتن بين اللبنانيّين والفلسطينيّين، وبين اللبنانيّين والسوريّين".

كما كانت ملفتة دعوته إلى "الإستفادة من المناخ الإيجابيّ في لبنان الّذي تمثّل في التضامن والتكاتف، ووجوب الحفاظ عليه والاستفادة منه والبناء عليه، مجدّداً دعوته إلى إنجاز تسوية سياسيّة شاملة على مختلف الصعد، ضمن الأطر الموجودة وبوجود إتّفاق الطائف"، والمعلوم أنّ إتّفاق الطائف أنجز في عام 1989 برعاية سعوديّة.

قد يلتقي فريق "المستقبل"، ولو جزئيّاً مع هذه القراءة، قال نائب رئيس تيّار "المستقبل" أنطوان أندراوس في حوار مع "المونيتور": الهدف من هذا التفجير هو إيقاع الفتنة ما بين اللبنانيّين. وإثارة الصراع ما بين السنّة والشيعة".

ويطرح السؤال: "من هو إذن وراء هذه التفجيرات؟ من يريد الفتنة؟".

ويبقى السؤال قيد التّحقيق القضائيّ، فالمهمّ أنّ حادثة برج البراجنة لم تكن مدخلاً لتبادل التّهم بين الأطراف اللبنانيّة ولا لإتهام دول عربيّة مثل قطر أو السعوديّة، إنطلاقاً من العاصمة بيروت، لا بل ترافقت مع دعوة إلى تسوية سياسيّة، ولكن هل هذا التحسّس بالخطر المشترك وحده كفيل بإنتاج تسوية تعيد إنتظام الحياة الدستوريّة بدءأ بوضع حدّ للفراغ الرئاسيّ؟ لا شيء يوحي بقربها، فالخلاف عميق إلى درجة تستحيل فيه التسويات، لأنّ الأطراف اللبنانيّة ليست سوى إمتداد لقوى إقليميّة ما زالت تتصارع في المشرق، ومن يرى تعقيدات المشهد السوريّ لا يستخلص أنّ هنالك انفراجاً قريباً في الأفق.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in