رام الله، الضفّة الغربيّة - أثار طلب وزير داخليّة الإحتلال سيلفان شالوم من المستشار القانونيّ للحكومة الإسرائيليّة يهودا فاينشتاين في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر المصادقة على سحب الجنسيّة الإسرائيليّة من الشابين علاء زيود من مدينة أم الفحم وإسراء عابد من الناصرة ردود فعل غاضبة لدى فلسطينيّي الداخل والجهات القانونيّة والسياسيّة، الأمر الّذي يعتبر سابقة في التمييز العنصريّ ضدّهم. وجاء هذا الطلب مع إعلان وزيرة العدل الإسرائيليّة أييليت شاكيد في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر أنّ وزارتها شرعت في إجراءات سحب الجنسيّة أو حقّ الإقامة الدائمة من منفّذي العمليّات وعائلاتهم ضد الجنود والمستوطنين والذين يقطنون في اراضي 48.
وتتّهم شرطة الإحتلال زيود بتنفيذ عملية طعن ودهس 4 إسرائيليّين في 11 تشرين اول /اكتوبر وهو الامر الذي نفاه للصحفيين في جلسة المحكمة في 12 اكتوبر، فيما اعتقلت الشابّة عابد، بعد إطلاق النار عليها في شكل مباشر بمدينة العفولة في 9 تشرين اول /اكتوبر، بشبهة نيّتها تنفيذ عمليّة طعن، وهو الأمر الّذي دحضه تسجيل مصوّر بثّ عبر وسائل الإعلام ويثبت أنّ إطلاق النار تمّ عليها في شكل متعمّد وان الفتاة لم يكن معها اي اداة حادة او تنوي تنفيذ عملية طعن.
وقال رئيس الحزب الديموقراطيّ العربيّ في أراضي 48 طلب الصانع لـ"المونيتور": إنّ التّهديد بسحب الجنسيّة محاولة لجعل المواطنة "معروفاً أو صدقة تقدّمها الحكومة لنا وتسحبها منّا متى أرادت، وهي تأتي في ظلّ حملة شعواء تستهدف فلسطينّيي الداخل، وتنسجم مع التحريض الدمويّ والعنصريّ ضدّنا".
أضاف: "لا أستبعد أن تقدم الحكومة على تنفيذ سحب الجنسيّة، ممّا سيحوّل قضيّة المواطنة إلى لعبة سياسيّة في يدها".
وتابع: "ستكون هناك التماسات لمحكمة العدل العليا، وتداعيات دوليّة لهذه القضيّة الّتي ستنفي صفة الديموقراطيّة عن إسرائيل الّتي تنزع المواطنة من مواطنيها العرب دون اليهود، مجسّدة سياسة الابارتهايد الّتي تسقط النقاب الديموقراطيّ الزائف عن وجه حكومة نتنياهو".
وأردف طلب الصانع: "التوجّه لسحب الجنسيّة، الّذي لا يستند إلى أيّ مرجعيّة قانونيّة، يعكس الأزمة الّتي تعيشها الحكومة الإسرائيليّة الّتي تتعاطى بالقوانين العنصريّة والإجراءات البوليسيّة".
من جهتها، قالت المحامية سوسن زهر من المركز القانونيّ لحقوق الأقليّة في إسرائيل "عدالة"، الّتي تنظر في قضايا سحب الإقامة من الفلسطينيّين لـ"المونيتور": "رغم أنّ قرار سحب الجنسيّة لم يطبّق، لكنّ الإعلان عن ذلك يعتبر خطوة خطيرة ومتطرّفة جدّاً، لأنّ ذلك منافياً لكلّ مبادئ القانون، ويبدو أنّ إسرائيل ماضية في تطبيقه، ضاربة بعرض الحائط مبادىء القانون الدوليّ واتفاقية جنيف الّذي يمنع سحب الدولة الجنسية من مواطنيها".
وتختلف الاقامة الدائمة التي بحوزة المقدسيين عن الجنسية التي يحملها الفلسطينيون في اراضي 1948، اذ قامت اسرائيل في عام 1967 باحتلال القدس الشرقية وتطبيق نظامها وقانونها لكنّها لم تمنح السكان مكانة "الجنسية" وإنّما "الإقامة الدائمة" وذلك عبر إحصاء للسكان الموجودين داخل البيت في تلك اللحظة الزمنية ومنحهم مكانة "الإقامة الدائمة".
ويوجد فرق بين الاقامة الدائمة للمقدسيين والجنسية، اذ تَمنح مكانة "الجنسية" الحقوق الاجتماعية والسياسية المشروعة بما في ذلك حق الترشح لعضوية برلمانية في الكنيست والتصويت في الانتخابات العامة إضافة إلى حق الحصول على المخصّصات والمنافع الاجتماعية كالتأمين الصحي، كما يستطيع (حامل الجنسية) العيش في أي مكان في العالم دون أن يفقد حقه في العودة إلى "إسرائيل" في أي وقت يختاره ولا يفقد جنسيته لمغادرته البلاد، بينما لا يملك "المقيم الدائم" حق ترشيح نفسه للكنيست أو التصويت في الانتخابات العامة بل يبقى ملزما مرّة تلو الأخرى بإثبات حقيقة سكنه في القدس أو داخل حدود "إسرائيل" قبل الحصول على أي حق من الحقوق التي تقدّمها مؤسّسة التأمين الوطني مثل التأمين الصحي، مخصصات اولاد، تقاعد، تعويضات البطالة وغيرها أو تلقّي خدمات من وزارة الداخلية مثل استصدار بطاقات الهوية، وثائق السفر، تسجيل الزواج والأولاد ووفاة الزوج/ة وغيرها.
أضافت زهر: "إنّ حقّ الجنسية أساس كلّ الحقوق في القانون والدستور، ولا يمسّ في ظلّ الإجراءات القانونيّة الجنائيّة، لكنّ حين يصبح الأمر متعلّقاً بالفلسطينيّين يصبح مختلفاً لدى إسرائيل، فمثلاً لم يطالب وزير الداخليّة عام 1995 بسحب الجنسيّة من إيغال عمير قاتل رئيس الوزراء الأسبق اسحاق رابين، لكنّه اليوم يهدّد الفلسطينيّين بذلك، ممّا يثبت أنّ الفلسطينيّين مواطنون بدرجة أقلّّ، ويتمّ التّعامل معهم بعنصريّة وتمييز، وان القانون الإسرائيليّ لا يخوّل وزير الداخليّة بسحب الجنسيّة".
من جهته، قال الخبير في الشأن الإسرائيليّ ومدير وحدة "المشهد الإسرائيليّ" في المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة "مدار" أنطوان شلحت لـ"المونيتور": "إنّ إسرائيل يمكن أن تمضي في مشروع سحب الجنسيّة من فلسطينيّي الداخل، والوقائع على الأرض تشير إلى أنّ إسرائيل لا تتراجع عن شيء ولا توجد لديها خطوط حمراء".
وتابع: "فلسطينيو 48 يتعرّضون طوال الوقت للتميّيز العنصريّ، وهو لن يتوقّف طالما لم تحلّ القضيّة الفلسطينيّة، وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة في الضفّة والقدس، إذ أكّد فلسطينيّو 48 أنّهم فلسطينيّون بكلّ شيء وفي صلب المواجهة".
وكان المركز القانونيّ لحقوق الأقليّة في إسرائيل "عدالة" وجمعيّة "حقوق المواطن" في إسرائيل بعثا برسالة في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر إلى سيلفان شالوم تطالبه بالرّجوع عن "قراره سحب الإقامة الدائمة من المقدسيّين المشتبه بهم تنفيذ عمليّة أمنيّة".
وبينما لم تقدم إسرائيل على سحب الجنسيّة من فلسطينيّي 48، لكنّها قامت بسحب الإقامة من آلاف الفلسطينيّين في القدس الشرقيّة منذ احتلالها عام 1967، وهذا يتم لاشخاص سافروا خارج القدس لفترة من الزمن، او اجبروهم على الانتقال للضفة الغربية.
وإنّ نادية أبو جمل، الّتي كانت تقطن في القدس الشرقيّة برفقة أولادها الثلاثة، صادقت المحكمة العليا الإسرائيليّة في 22 تمّوز/يوليو الماضي على قرار طردها من بيتها في القدس الشرقيّة، والّذي تمّ تنفيذه في الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، كونها زوجة الشهيد غسّان أبو الجمل الّذي نفّذ عمليّة طعن في 18 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي في القدس الشرقيّة، والّذي هدم جيش الإحتلال منزله في 6 تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري.
وقال شقيق زوج نادية، معاوية أبو الجمل، الّذي قدّم استئنافاً إلى المحكمة العليا ضدّ قرار الطرد، وتمّ رفضه، لـ"المونيتور": "إنّ نادية زوجة شقيقي كانت لديها إقامة دائمة في القدس يتمّ تجديدها تلقائيّاً كلّ 6 شهور. وكنوع من العقاب لها ولأطفالها الثلاثة، رفضت المحكمة العليا الاستئناف الّذي قدمناه، وثبتّت قرار طردها من القدس الّذي تمّ تنفيذه مطلع الشهر الجاري".
أضاف: "المحكمة سمحت للأطفال بزيارتنا، لكنّهم لا يستطيعون ذلك لوحدهم لأنّ أكبرهم لا يتجاوز عمره الـ6 سنوات. رفضت المحكمة الاستئناف استجابة لقرار وزير الداخليّة. لقد كانت المحكمة مسرحيّة هزيلة".
ودفع قرار المحكمة العليا، بمركز المعلومات الإسرائيليّ لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بيتسيلم" في 29 تمّوز/يوليو من عام 2015 إلى مطالبة السلطات الإسرائيليّة بـ"التوقّف فوراً عن الخطوات العقابيّة ضدّ أفراد العائلة، غير المشتبه بارتكابهم أيّ مخالفة، والامتناع عن هدم البيتين، وتجديد تصريح الإقامة لنادية أبو الجمل والامتناع عن تجريد أولادها من مكانتهم وحقوقهم"، لكنّ ذلك لم يحدث.
وحسب إحصائيّات "بيتسيلم"، فقد جرّدت إسرائيل، منذ عام 1967 حتّى عام 2014، نحو 14500 فلسطينيّ من حقّ المواطنة في شرقيّ القدس.
وأخيراً، فإنّ ازدياد النزعة اليمينيّة في المجتمع الإسرائيليّ الّتي ظهرت في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، سيفتح المجال لتشريع قوانين تستهدف فلسطينييّ الداخل، تكريساً للتمييز القائم بحقّهم.