بيروت، لبنان — في غضون 20 يوماً، شهد لبنان سقوط طائرتين للاستطلاع مجهولتيّ الهويّة وأسباب السقوط، ولكن حالات كهذه في هذا البلد تجعل التّرجيحات تذهب فوراً صوب الاحتمال الإسرائيليّ، وهو ما يطرح أكثر من سؤال: هل تراجع مستوى التكنولوجيا لدى الكيان الصهيونيّ، أم تقدّمت في المقابل تكنولوجيا الجهات المقاومة له في لبنان، أم أنّها مجرّد مصادفة لحالات عاديّة من الأعطال؟
لقد كان صباح الأحد في 21 يونيو/حزيران الماضي موعد سقوط الطائرة الأولى. أمّا المكان فعلى جبال قرية صغبين، الواقعة في البقاع الغربيّ القريب من الحدود اللبنانيّة - الإسرائيليّة. وأكّد شاهد عيان من أبناء المنطقة لموقعنا أنّ الطائرة كانت مرئيّة بالعين المجرّدة، وهي آتية من صوب الشرق، أي ّمن الجهة الّتي غالباً ما يعتمدها طيران الاستطلاع الإسرائيليّ للتسلّل الجويّ من صوب هضبة الجولان السوريّ المحتلّة، صوب سهل البقاع اللبنانيّ، حيث تقوم عادة تلك الطائرات الاستطلاعيّة المسيّرة من دون طيّار باستكشاف المناطق اللبنانيّة الممتدّة من الجنوب صوب الشمال، قبل أن تنسحب بعد إنجاز مهمّاتها من ناحية الغرب، من فوق البحر عائدة إلى قواعدها في إسرائيل، ولكن يومها، أكّد شاهد العيان الّذي طلب عدم الكشف عن اسمه، عندما وصلت الطائرة إلى أجواء بلدة صغبين، سمع انفجاران تفصل بينهما ثوان معدودة. بعدها، شاهد أبناء البلدة عموداً من الدخان يتصاعد من التلال المحيطة بها، فأدركوا أنّ الطائرة قد سقطت.
وإنّ مكان سقوطها كان بعيداً عن المناطق المأهولة، واستغرق الأمر أكثر من ساعتين بالنّسبة إلى بعض الشباب من أصحاب الفضول البريء والتطفّل العفويّ من أجل الوصول إلى موقع سقوط الطائرة. وأكّد الشاهد الّذي كان أحد هؤلاء لموقعنا، أنّ عناصر مسلّحة كانت قد وصلت قبل المتطفّلين، وسحبت على الأرجح الأجزاء الأساسيّة من بقايا الطائرة المتحطّمة. وسألناه عن تقديره لهويّة هؤلاء، فتحفّظ بداية، قبل أن يشير همساً إلى عناصر "المقاومة"، أيّ "حزب الله"، فهم وحدهم موجودون في المنطقة وقادرون على القيام بأمر كهذا. وبعد أكثر من نصف ساعة، أفاد الشاهد نفسه، وصلت عناصر القوى الرسميّة للتّحقيق، فاكتفت بنتف من بقايا الطائرة وأخذتها للكشف عليها.
وبعد نحو عشرين يوماً على تلك الحادثة، تكرّر مشهد آخر مماثل، ولكن هذه المرّة في شمال لبنان لا في جنوبه، وعلى الشاطئ لا فوق الجبال. فصباح يوم الجمعة في 11 يوليو/تمّوزمن عام 2015، لاحظ صيّادو الأسماك والعاملون في مرفأ مدينة طرابلس - شمال لبنان أنّ جسماً كبيراً هوى من الجوّ وسقط قبالتهم في المياه، على مسافة مئات قليلة من الأمتار، مقابل رصيف ميناء المدينة. وأبلغوا فوراً الجهات الأمنيّة الرسميّة في المرفأ، وهي عدة: أمن عام، جمارك، قوى أمن داخلي وجيش، الّتي عمدت إلى تطويق المنطقة من البرّ والبحر، وأنزلت الغطّاسين التّابعين للجيش اللبنانيّ للبحث في المياه، فلم يلبثوا أن عثروا على جسم الطائرة الاستطلاعيّة من دون طيّا. مع العلم أنّ مكان حصول الحادث في منطقة تعجّ بالناس في هذا الوقت، من صيّادين وعاملي مرفاً، جعل صور الطائرة المنتشلة تنتشر بين كلّ المواطنين ووسائل الإعلام، على عكس ما حصل عند سقوط طائرة البقاع قبل 20 يوماً، نتيجة سقوطها في منطقة نائية عن السكّان ووعرة.
وهكذا في حال طائرة طرابلس، تمكّن بداية الجيش اللبنانيّ من أن يؤكّد أنّ الطائرة إسرائيليّة، بينما في حال طائرة البقاع، اكتفى بالقول إنّ المسألة هي قيد التّحقيق، من دون ظهور أيّ نتيجة منذ سقوطها. فضلاً عن أنّ سقوط طائرة طرابلس في البحر سمح ببقائها كاملة، فيما تحطّم طائرة البقاع بعد اصطدامها بجبال قرية صغبين، لم يبق منها إلاّ ركاماً صغيرة. والتزم حزب الله الصمت الكامل حيال الحادثة في صغبين ولم يدل بأي بيان.
وذكر مصدر عسكريّ لبنانيّ رسميّ لموقعنا أنّ هناك جوانب أخرى للموضوع قد تكون أكثر سريّة وقد لا يكشف عنها أبداً، وأابرزها السؤال عن أسباب سقوط الطائرتين. ففي حال طائرة البقاع، يكرّر المصدر العسكريّ، الّذي طلب عدم الكشف عن هويّته، كان واضحاً أنّ أهالي المنطقة سمعوا صوت انفجارين متلاحقين، وهو ما يفتح البحث على أكثر من فرضيّة، ومنها أن تكون الطائرة إسرائيليّة، وقد تعطّلت تقنيّاً في الجوّ، فسقطت وتحطّمت، وفور سقوطها لاحقتها طائرة إسرائيليّة وقصفتها بصاروخ جوّ – أرض لتدمير أيّ تجهيزات كانت على متنها، وذلك للحؤول دون وقوعها في أيد عدوّة لإسرائيل، أيّ الجيش اللبنانيّ أو "حزب الله". أمّا الفرضيّة الثانية فأن تكون الطائرة قد أسقطت بصاروخ أرض جوّ أطلق من الأراضي اللبنانيّة وأصابها. وفي هذه الحال، وبظلّ عدم صدور أيّ بيان عن الجيش اللبنانيّ حيال الأمر، إنّ الاحتمال الوحيد أن يكون "حزب الله" قد أسقطها، وهو ما قد يفسّر وصول عناصر غير رسميّة إلى مكان سقوط الطائرة قبل سواها.
أمّا في حال طائرة طرابلس فعدم حدوث أيّ انفجار أو تفجير يترك البحث مفتوحاً أمام احتمالين آخرين، وتابع المصدر العسكريّ نفسه، إمّا أن يكون السقوط قد جاء نتيجة عطل تقنيّ فعلاً، وإمّا أن يكون نتيجة عمليّة إسقاط تمّت بوسائل إلكترونيّة لا تفجيريّة، علماً، كما أشار المصدر نفسه، إلى أنّ ثمّة معلومات مؤكدّة لدى السلطات اللبنانيّة الرسميّة، أنّ الجهات المتخصّصة في "حزب الله"، تعمل منذ فترة على تطوير قدراتها التكنولوجيّة من أجل مواجهة هذا النوع من الطائرات. ولا يستبعد المصدر نفسه أن تكون عناصر الحزب قد توصّلت إلى تحقيق تقدّم كبير في هذا المجال، خصوصاً بعدما تمكّنت في السّابق، أكثر من مرّة، من قرصنة صور طائرات الاستطلاع الإسرائيليّة من الأرض، والحصول عليها لحظة بثّها من الطائرات الإسرائيليّة إلى قواعدها داخل إسرائيل، نتيجة تمكّن خبراء الحزب من اختراق أنظمة التّصوير والبثّ الإسرائيليّة.
وختم المصدر العسكريّ بالقول: من المؤكّد أنّ التّحقيق في سقوط طائرة طرابلس الّتي ضبطها الجيش كاملة، سيلقي أكثر من ضوء على المرحلة الجديدة من الحرب التكنولوجيّة بين إسرائيل و"حزب الله" أو سيظهر بكلّ بساطة أنّ الأخطاء أو الأعطال التقنيّة يمكن أن تكون متتالية وأن تخلق مجرّد مصادفات لا تفسير لها.