الرباط، المغرب — بعد مرور حوالى أربع سنوات على إقرار اللّغة الأمازيغيّة لغة رسميّة في المغرب من خلال الاعتراف بها كلغة دستوريّة، بجانب اللغة العربيّة للمرّة الأولى منذ استقلال البلاد في عام 1956.
لا يمكن القول بأن الأمازيغ في المغرب يستوطنون مناطق دون غيرها يحصر فيها وجودهم، ولا يمكن حصر الأمازيغ في المتكلمين باللغة ذلك أن الكثير ممن يتحدثون العربية هم من أصول أمازيغية، لكن هناك مناطق أمازيغية بالكامل أو تشهد تواجدا أكبر للناطقين بالأمازيغية وهي : سوس، الريف، الأطلس المتوسط. ولا توجد إحصائيّات رسميّة عن عدد الأمازيغ المغاربة أو الناطقين باللغة، خصوصاً أنّ التعداد السكانيّ لعام 2014 لم يقدّم تفاصيل عن هذا المعطى، ولكن بعض الأرقام غير الرسميّة يقدّر عددهم بحوالى 60 في المئة من مجموع سكّان المغرب.
أول ظهور للحركات المطالبة بحقوق الأمازيغ في المغرب كان سنة 1967 وهي الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي في الرباط.
لا يبدو أنّ المدافعين عن الحقوق الثقافيّة واللغويّة الأمازيغيّة في المغرب راضون عن المسار، الّذي يقطعه تفعيل هذه الإجراءات الدستوريّة الّتي تمّ التصويت عليها في يوليو/تمّوز من عام 2011، في إطار تعديل واسع أعقب تظاهرات حركة 20 فبراير/شباط عام 2011، الّتي مثّلت النّسخة المغربيّة للاحتجاجات الّتي عرفها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكان مطلب إقرار الأمازيغية لغة دستورية أحد مطالب الحركة.
ورغم أنّ الاعتراف الدستوريّ شكّل انتصاراً تاريخيّاً لمطالب الحركة الأمازيغيّة ونضالاتها منذ بداية سنوات السبعينيّات، فإنّ بطء تنفيذ هذه التعهّدات واستمرار بعض مظاهر التهميش الّذي تعانيه الأمازيغيّة في المغرب يثير الكثير من المخاوف في أوساط الحقوقيّين الأمازيغيّين.
وتتركّز مؤاخذات الحركة الأمازيغيّة أساساً على تأخّر الحكومة، الّتي يقودها الإسلاميّون في إخراج قانونين تنظيميّين مرتبطين بالأمازيغيّة، ويرتبط الأمر بالقانون التنظيميّ المتعلّق بتفعيل الطابع الرسميّ للأمازيغيّة، والقانون التنظيميّ لمجلس اللغات الذي يتعلق بإحداث مجلس وطني للغات مهمته حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، إضافة إلى استمرار التضييق على استعمال الأمازيغيّة في البرلمان والتلفزيون والإدارات العموميّة، ورفض قيد عدد من الأسماء الأمازيغيّة بالنّسبة إلى المواليد الجدد.
ويبدو رئيس التجمّع العالميّ الأمازيغيّ رشيد راخا شبه متأكّد من أنّ هناك جهات تتلكّأ بشكل مقصود في تفعيل رسميّة الأمازيغيّة، محمّلاً الحكومة المسؤوليّة الأكبر، نظراً للصلاحيّات المخوّلة لها دستوريّاً، وقال راخا في حديث لـ"المونيتور": "ما حدث طوال الأربع سنوات الماضية كان مخالفاً للمنهجيّة الدستوريّة، الّتي تفرض أن يكون القانون التنظيميّ للأمازيغيّة ضمن القوانين الأولى الّتي تتمّ صياغتها، وكان أيضاً مناقضاً لخطابات الملك في البرلمان، والّتي دعت إلى الإسراع في تفعيل رسميّة الأمازيغيّة أكثر".
ورأى راخا أنّ حزب العدالة والتنمية الإسلاميّ، الّذي يقود الحكومة المغربيّة الحاليّة، لم يثبت أنّه قد قام بتغيير مواقفه العنصريّة السّابقة من الأمازيغيّة، خصوصاً أنّهم كانوا يعارضون اعتمادها كلغة رسميّة خلال المشاورات، الّتي رافقت التعديلات الدستوريّة.
ولا يبدو الناشط الأمازيغيّ المغربيّ متفائلاً جدّاً إزاء الوضع الحاليّ للأمازيغيّة، واعتبر الوضع غير مطمئن، إذ قال: " للأسف، فالصورة يمكن اختزالها في كون الأمازيغيّة تمّت دسترتها، ولكن القانون التنظيميّ الّذي ربط بها ووضع كشرط لتفعيل ترسيمها، يستغلّ من قبل مختلف الأطراف، الّتي تريد مواصلة التمييز والتهميش ضدّ الأمازيغيّة والأمازيغ. وفي حين يحتجّ المواطنون والمجتمع المدنيّ الأمازيغيّ، يتحجّج الآخرون بغياب القانون التنظيميّ للأمازيغيّة. وفي حين ينزل الأمازيغ إلى الشوارع لتنظيم المظاهرات، يتمّ قمعهم واستعمال العنف المفرط في حقّهم".
كشفت مصادر من حزب العدالة والتنمية الإسلاميّ لـ"المونيتور" أنّ القانون التنظيميّ الخاصّ بإحداث مجلس للغات، والّذي أشرفت على إعداده وزارة الثقافة بات جاهزاً منذ شهر أبريل، وتمّ عرضه على الديوان الملكيّ للموافقة عليه.
ونفت المصادر نفسها، الّتي فضّلت عدم الكشف عن نفسها، وجود أيّ نيّة مبيّتة للحكومة لتأخير تفعيل الأمازيغيّة كلغة دستوريّة وعرقلتها.
وإنّ تعطّل إخراج القوانين ليس الأمر الوحيد، الّذي يقلق المواطن الأمازيغيّ، فاعتبر الشاب الأمازيغيّ المقيم في الرباط محند، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه العائلي، أنّ ما حصل حتّى اللّحظة كان مجرّد تهدئة للحشود، ورأى أنّ التّغيير الحقيقيّ، الّذي يولي الأمازيغيّة المكانة الّتي تستحق، يجب أن يبدأ من التلفزيون والإدارة وكتب التاريخ، وقال محند لـ"المونيتور": "نلاحظ على سبيل المثال، أنّ التلفزيون ما زال يقدّم نشرات الأخبار بالأمازيغيّة بمعدّل تقديم النشرات بالفرنسيّة نفسه، وهو ما يعطي انطباعاً أنّ الأمازيغيّة لغة أجنبيّة، كما الفرنسيّة والإسبانيّة وغيرهما. كما أنّ هذا الإعلام يحاول حصر المسألة الأمازيغيّة، في ما هو فلكلوريّ، كأنّ الثقافة الأمازيغيّة منحصرة في الأغاني والرقصات. أمّا الإعلام الخاصّ فلا يعير أيّ أهميّة للمستمع الأمازيغيّ".
أمّا على مستوى الإدارة العموميّة فإنّ تهميش الناطقين باللغة الأمازيغيّة لا يزال مستمرّاً، إذ تقدّم كلّ الخدمات باللغتين العربيّة والفرنسيّة. وكما روى لنا محند، فإنّ المواطنين الأمازيغ، الّذين لا يتحدّثون إلاّ لغتهم، ليس في إمكانهم سوى تمنّي أن يجدوا في المحاكم أو المستشفيات أو المجالس البلديّة من يفهم لغتهم لقضاء أغراضهم.
كذلك، رأى محند أنّه من المهمّ القيام بمراجعة شاملة للتاريخ الرسميّ، وقال: "يجب أن يعرف المغاربة أنّ المغرب لم يكن ليحصل على الاستقلال لولا تضحيات رجال ونساء ماتوا من أجل الوطن، وليس بفضل النخب المتعلّمة تحت الرعاية الفرنسيّة. كما يجب أن يعرفوا الدور الّذي أدّته هذه النخب في محاربة كل ما هو أمازيغيّ واستعدائه، بينما قاتل الأمازيغ دائماً من أجل وطنهم".
وبدأت السلطة في المغرب الانفتاح نسبيّاً على الأمازيغيّة، بعد وصول الملك محمّد السادس إلى الحكم، إذ اعترف الملك محمّد السادس في خطابه في 17 أكتوبر/تشرين الأوّل من عام 2001 عرف في أدبيّات الحركة الأمازيغيّة بـ"خطاب أجدير"(نسبة إلى مكان الخطاب) بالأمازيغيّة كمكوّن أساسيّ من مكوّنات الثقافة المغربيّة.
وتمّ تأسيس المعهد الملكيّ للثقافة الأمازيغيّة في عام 2002 كمؤسّسة وطنيّة مهمّتها النهوض بالأمازيغيّة والمساهمة في سنّ السياسات العموميّة التي تعمل لصالح هذه اللغة. كما تمّ إقرار حرف "تيفيناغ" (الذي كان يستعمله أمازيغ شمال إفريقيا قديما لتدوين اللغات الأمازيغية المختلفة، وقد استعمل في ليبيا خصوصا كما استعمله الأمازيغ الطوارق) لكتابة الأمازيغيّة في عام 2002. وباشر المغرب في عام 2003 تدريس الأمازيغيّة في بعض مستويات التّعليم الأوليّ، ولكن التجربة ما زالت غير عامّة وتواجه صعوبات كثيرة، أبرزها قلة وندرة الأساتذة المتخصصين في تدريس الأمازيغية وغياب التكوين في هذا المجال. غياب الأطر المؤهلة للتدريس. ودعا تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين قبل أيّام إلى إنجاز تقويم شامل لتجربة تدريس هذه اللغة في التّعليم المدرسيّ، وكذا لتجربة الدراسات الأمازيغيّة في التعليم العاليّ.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الأمازيغ يعتبرون أنفسهم السكّان الأصليّين في شمال إفريقيا، ويعتقد أنّهم العنصر البشريّ الأوّل الّذي استوطن المغرب في المرحلة الّتي سبقت وصول الإسلام إلى البلاد واستمرّت بعد وصوله.
ارتبط الوعي بالقضية الأمازيغية بالخيبة بعد حصول الاستقلال إذ تم تهميش الأمازيغ، وكانت سنة 1991 أول مرة تعلن فيها الحركة الأمازيغية عن ميثاق مطالب موجه للسلطة يطالب باحترام الحقـوق اللغوية والثقافية المشروعة لمختلف مكونات الشعب المغربي. اليوم، ما زال الطريق طويلاً أمام الأمازيغ في المغرب لتحقيق جميع طموحاتهم.