يبدو أنّ الانطباع بعدم حصول أيّ تغيير في تركيبة الحكومة السوريّة الجديدة، ليس دقيقاً. والقول إنّ التّركيبة الوزاريّة الثانية لرئيس الوزراء السوريّ عدنان الحلقي، هي نسخة طبق الأصل عن الأولى، لا يصحّ إلاّ لدى من لا يعرف تفاصيل ودقائق الأزمة السورية. فيما يمكن لأيّ مراقب إلى القول إنّ الرئيس السوريّ بشار الأسد، بإصداره مرسوم تشكيل الحكومة الأولى في عهده الرئاسيّ الجديد، في 27 آب الماضي، أصدر قراراً بإحداث تغييرات جدية في مواقع حساسة، كانت أحد أسباب اندلاع الأحداث السورية في العام 2011، كما كانت موضع تجاذب كبير داخل حلقات النظام السوريّ منذ أكثر من سنة، وأثناء حصول المواجهات العسكريّة نفسها.
ذلك أنه منذ نحو عقد ونصف عقد من الزمن، تشهد دمشق صراعاً مكتوماً وغير معلن، بين تيارين سياسيين اقتصاديين. واحد ليبراليّ بالكامل، وثان أكثر اشتراكيّة وتحفظاً، حتّى أنّ هذا الصراع خرج إلى العلن في أكثر من مناسبة، خصوصاً عندما اتّخذ أشكالاً سياسيّة. كما حين تمثّل الجناح الليبراليّ الأوّل بنائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصاديّة السابق عبدالله الدردي، صاحب السياسات الليبراليّة المطلقة بين العامين 2003 و2008 أو عندما تمثّل الخط الثاني الاشتراكيّ والتوجيهيّ بنائب رئيس الوزراء السابق أيضاً قدري جميل، صاحب الانتماء الشيوعيّ، الذي شغل المنصب نفسه سنة 2012، حتى إقالته في تشرين الأوّل 2013. وعلى مدى أعوام الحرب السوريّة، كان كلام كثير عن أنّ السياسات الاقتصاديّة الليبراليّة التي ساهم الدردي فيها، أنتجت خللاً كبيراً في توزع الثروة الوطنية بين الأشخاص والمناطق. كما أنتجت فساداً وطبقة معدودة من أثرياء سلطة، في مقابل طبقة واسعة من الفقراء المعدمين. وحتى بعد اندلاع الحرب، كان النقاش كبيراً حول أيّ من السياسات الاقتصادية يجب أن تعتمد لإعادة الإعمار وإعادة بناء الدولة. ثنائية الدردري – جميل، أو ثنائية الليبرالية – الاشتراكية، كانت طاغية على كل شيء في دمشق، رغم كلّ المخاطر العسكريّة والأولويّات الأمنيّة.