يكرّر المسؤولون والسكّان في الأنبار اتّهامهم الحكومة العراقيّة بإلقاء طائرات الجيش على مدن المحافظة البراميل المتفجّرة . وبدأ هؤلاء بتوثيق بعض الصور التي تدلّ بالفعل على استخدام هذا السلاح، الذي استعمله النظام السوريّ طيلة الأعوام الماضية ضدّ معارضيه .
ويعوّل الجيش العراقيّ على الطيران من أجل استعادة المدن التي سيطر عليها مسلّحون ينتمون إلى تنظيم "الدولة الإسلاميّة" وبضع مجموعات قبليّة أخرى .
وفي 7 آب/أغسطس، جرت مشادّة كلاميّة في البرلمان بين نائب شيعيّة وأخرى سنيّة في شأن البراميل المتفجّرة. ففي الوقت الذي دانت فيه لقاء وردي، النائب السنيّة عن اتّحاد القوى الوطنيّة الذي يتزعّمه رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، الجيش بسبب استخدامه البراميل المتفجّرة التي تؤذي المدنيّين، رأت النائب عن ائتلاف دولة القانون حنان الفتلاوي أنّ "ائتلاف القوى يتّهم الجيش بتهم باطلة وأنّ بعض النواب يتعاطف مع تنظيم "الدولة الإسلاميّة" .
وتنفي الحكومة استخدامها البراميل المتفجّرة في حربها على الإرهاب، لكنّ شهود عيان في محافظة الأنبار يؤكّدون لـ"المونيتور" استخدامها لها.
ويصف عضو المجلس المحلّي الموقّت لمدينة الفلّوجة الشيخ محمّد البجاري، المعارك التي يخوضها الجيش والقوّات الأمنيّة في الأنبار بأنّها "تفتقر إلى المعايير الأخلاقيّة والمهنيّة المتّبعة في الحروب".
ويقول البجاري في اتّصال مع "المونيتور" إنّ "الجيش يستمرّ في معاقبة المدنيّين في شكل جماعيّ". ويشير إلى أنّ "طائرات الجيش تقوم بقصف الأحياء السكنيّة في مدينة الفلّوجة بالبراميل المتفجّرة، ممّا يخلّف دماراً هائلاً ويقتل عشرات المواطنين الأبرياء".
ويتّهم البجاري قوّات الجيش بـ"استخدام الأسلحة المدمّرة التي تعتبر من أسلحة الإبادة الجماعيّة".
ويلفت إلى أنّ "طائرات الجيش تلقي ما لا يقل عن 10 إلى 15 برميلاً متفجّراً كلّ يوم على مختلف أحياء الفلّوجة، ويزن كلّ برميل بين 250 و300 كيلوغراماً، وهو محشوّ بموادّ شديدة الانفجار".
ويقول البجاري إنّه "يجب إحالة هؤلاء الضبّاط إلى المحاكم الدوليّة لمعاقبتهم على هذه المجازر البشعة في حقّ المدنيّين".
ويرى محلّلون أنّ "الحكومة تتّبع سياسة الأرض المحروقة لإعادة السيطرة على المدن التي سقطت في يدّ التنظيمات الإرهابيّة، الأمر الذي يدفعها إلى استخدام شتّى الوسائل من أجل فرض نفوذها على الأرض".
وجرّاء السياسة العشوائية للجيش في المناطق الساخنة التي تشهد قتالاً مستمراً تخسر الحكومة العرقيّة السكّان المتعاطفين معها، الأمر الذي يزيد من العداء للقوّات الأمنيّة، ويدفع بعض الشبّان إلى اعتبارها ميليشيا "شيعيّة" تحاول تدمير منازلهم وقتل عائلاتهم، ما يمنحهم فرصة للتفكير للانضمام إلى الفصائل المسلّحة مثل المجلس العسكري، الذي انخرط فيه الكثير من أهالي الانبار لأنه يتكوّن من ابناء القبائل التي تعيش في الانبار، في أمل منهم أنهم سيستعيدون الأمن المفقود بإمساكهم الأرض.
ويقول مصدر أمنيّ في محافظة الأنبار إنّ "الجيش يستعمل البراميل في بعض الأحيان لاستهداف مواقع يتجمّع فيها الإرهابيّون". لكنّه يشير في حديثه إلى "المونيتور" إلى أنّ "الأهالي يبالغون في اتّهام الجيش".
ويضيف المصدر، الذي رفض الإشارة إلى إسمه: "يعوّل الجيش على الطائرات من أجل اقتحام المدن. وقد اتّبعنا هذه الخطّة منذ سقوط الموصل".
وبالنظر إلى الشهادات التي تستمع إليها "المونيتور"، فإن قنابر الهاون التي يطلقها الجيش بشكل عشوائي على المدن السكنية في الانبار، بالإضافة إلى تدخّل الميليشيات الشيعية في القتال في المناطق السنيّة، كانت قد زادت من منسوب الاحتقان لدى سكّان الانبار على الجيش، وجاءت البراميل المتفجّرة لتزيد من حدة الاحتقان، وجعل الأصابع الاتهام تتوجه إلى الحكومة بأنها تحاول القيام بحرب إبادة ضدّ السنّة في العراق.
في المقابل، يقول اللواء أبو عثمان الدليمي، وهو أحد ضبّاط جيش صدّام حسين، ويقاتل الآن إلى جانب المجلس العسكريّ الذي يتكوّن من مقاتلين قبليّين إنّ "البراميل المتفجّرة تستخدمها بعض الجيوش لإبادة القطاعات المعادية في حالات الحروب وتخلّف دماراً هائلاً لا يمكن تصوّر حجمه".
ويشير الدليمي في اتّصال مع "المونيتور" إلى أنّ "البرميل الواحد يتسبّب في تدمير من 3 إلى 4 منازل في شكل كامل، ويساويها في الأرض".
ويؤكّد الناشط في حقوق الإنسان علي الحيالي أنّ "هناك توثيق مستمرّ لعمليّات القصف بالبراميل المتفجّرة لمدينة الفلّوجة".
ويقول الحيالي في حديث إلى "المونيتور": "إنّ منظّمات حقوق الإنسان في الأنبار لديها تعاون مع منظّمات حقوقيّة دوليّة، وقد رفعنا إليها تقارير عدّة موثّقة بالصوت والصورة عن عمليّات قصف الجيش للمدينة بالبراميل المتفجّرة".
ويشدّد قائلاً: "هناك حقوقيّون يعملون على رفع دعاوى قضائيّة في حقّ كلّ المسؤولين في الحكومتين المحليّة والمركزيّة وضبّاط الجيش الذين يصدرون أوامرهم لقصف المدينة بهذا النوع من الأسلحة المحرّمة دولياًّ".
في المحصلّة، فإن على الحكومة التركيز على الأهداف التي لا تؤدي إلى قتل مدنيين في المحافظات الساخنة، وإبعاد الضربات العشوائية على المدن السكنيّة في محافظة الانبار، من أجل عدم فقدانها كما تمّ فقدان محافظة نينوى التي سيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" وأخذ يتمدد من خلالها إلى مدن وقصبات أخرى، بالإضافة إلى إعادة العمل بخطّة تشكيل "الصحوات" التي أسستها الولايات المتحدة بأفراد من عشائر الانبار واستطاعت إبعاد تنظيم "القاعدة" للسنوّات التي تلت عام 2007، وهو العام الذي تشّكلت فيه، فضلاً عن اعتماد مشروعاً سياسياً يتضمن مصالحة مع العشائر التي قاتلت ضدّ الجيش بسبب الممارسات التعسفيّة التي قام بها رئيس الوزراء نوري المالكي بعد فض خيام المعتصمين التي ثارت ضدّه.